الصيام ليس مدعاة للكسل والتراخي عن العمل


هدى محمد نبيه




إن من فضل الله سبحانه وتعالى علينا، أن أنعم علينا بمواسم الخيرات وأزمنة مضاعفة أجور الطاعات، ومن هذه المواسم الفاضلة شهر رمضان المبارك، الذي نتفيأ ظلاله هذه الأيام، شهر عظيم جعل الله فيه من جلائل الأعمال وفضائل العبادات وخصه عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل..

فهذا الشهر هو شهر الجد والعمل والنشاط وتكثيف الطاعات، وهكذا كان حال السلف الكرام، فلقد فهم المسلمون الأوائل أن شهر رمضان شهر جهاد وعمل لا شهر نوم وخمول وكسل، وأنه لا تعارض بين العبادة والتهجد لله رب العالمين وبين الجهاد لتحقيق معاني الاستخلاف على هذه الأرض، وتاريخ المسلمين الطويل شاهد على أن هذا الشهر فهو شهر الإنتاج والعمل، وشهر الانتصارات الكبرى، حين تهب ريح الإيمان، ونسمات التقوى، وتتعالى صيحات الله أكبر فيتنزل النصر من الله تعالى، على قلة العَدد وقلة العُدد، ومن أشهر الانتصارات الكبرى للمسلمين في شهر رمضان : أن غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة، وحطين، وعين جالوت، وفتح الأندلس... وغيرها من الغزوات، كل هذا كان في رمضان، إنه شهر الانتصارات والانجازات.

إلا انه في زمننا الحالي تغيرت حياة الكثير من المسلمين في شهر رمضان الكريم، فيتعاملون مع شهر رمضان على أنه شهر الكسل والراحة فقد انقلبت المفاهيم، فصار الصيام مدعاة للكسل والنوم، وهذا ما تشاهده من كثرة النوَّام وارتفاع الشخير إلى عنان السماء، هذا علي عكس ما كان عليه السلف الصالح، فترى الموظف ينام في عمله، والتلميذ كذلك ينام في درسه ولا يذاكر دروسه، وتغلق المحلات بالنهار وتتوقف الحياة، وإذا سألت عن السبب قالوا: نحن صائمون، وهل الصيام مدعاة للكسل والخمول؟!.

كما نجد بعض الموظفين اللذين يقل عطاؤهم في رمضان فتتعطل عندهم المعاملات بحجة الصوم بل إن البعض يترك الأعمال المكلف بها ليقرأ القرآن وهذا من الخطأ لأن قراءة القرآن سنة والعمل المكلف به الإنسان واجب فكيف يقدم ما هو سنة على ما هو واجب مع أن هناك أو قاتا كثيرة غير وقت الدوام يمكن للإنسان أن يقرأ فيها القرآن لكن بعض الموظفين لا يتذكر قراءة القرآن إلا في وقت الدوام .

فليس رمضان شهر تكاسل ونوم ولهو وطعام وشراب -كما يصوره البعض- بسبب ما يراه من تصرفات بعض المسلمين، بل هو شهر الجد والعمل والجهد المضاعف الخير، وعلى كل مسلم غيور على دينه أن يضاعف جهده في رمضان ليدفع التهمة الباطلة عن الإسلام والمسلمين، ويعطي الصورة الصادقة لرمضان، التي كان عليها الأحبة محمدٌ وصحبه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن الصحابة أجمعين.. والعمل عبادة لأنه يحقق معنى الاستخلاف في الأرض الذي هو الغاية أيضا من خلق الإنسان , قال عز من قائل : "هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُ مْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوه ُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) سورة هود، لذا فقد ربط سبحانه بين الصلاة كعبادة والسعي في الأرض كعبادة أيضاً , قال تعالى : " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) سورة الجمعة .

فالموظف يجب أن يأتي إلى عمله مبكراً، ويلقى الناس بوجهٍ طلق، ويقضي حاجاتهم المشروعة بكل أريحيةٍ وإتقان، ويستمر في دوامه نشيطاً إلى نهاية الوقت، بلا تذمر ولا تأفف ولا كسل.

والطالب يجب أن يستغل الوقت لمضاعفة الدراسة والتحصيل، ويلقى معلمه بالبشاشة، ويلقاه معلمه بالرحمة والشفقة.

والتاجر يجب أن يكون رضي النفس، حريصاً على دينه، لا يضيع صلاة الجماعة من أجل الكسب الدنيوي، ولا يستغل أيام الشهر المبارك لرفع الأسعار، واستغلال حاجات الناس.

فلنجعل من شهر رمضان فرصة لإتقان العمل لأن إتقان العمل دليل على التقوى والتربية على التقوى أول أهداف الصيام، و نسأل الله تعالى أن يجعل من شهر رمضان شهر عمل وطاعة، وخير وبركة وعزة وكرامة، وأن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وأن يجعل كل ذلك إيماناً واحتساباً، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.