فوبيا المدرسة.. الأسباب والعلاج

د. مولاي البرجاوي



يعد الخوف من المدرسة، أو «فوبيا» المدرسة، حالة انفعالية وشعورية تنتاب المتعلم الذي يلج المدرسة لأول مرة أو بين أحضانها؛ نتيجة تمثلاته الخاطئة عنها، أو التعامل العنيف للمدرس والإدارة التربوية أو الخوف من الفشل الدراسي.

لكن في هذا الصدد نجد انقساما حادا بين الاختصاصيين حول العلاقة بين الخوف من المدرسة والفوبيا المدرسية؛ فبعضهم يرى أن الأعراض التي تنتاب المتعلم، مثل الشعور بالغثيان أو آلام الرأس والبطن، قبل الذهاب إلى المدرسة، سببها الشعور بالخوف منها. بينما يرى الفريق الآخر أنها فوبيا ورهاب مدرسي.

إذن؛ ما الذي يجعل المتعلم يتوجس ويخاف من المدرسة؟ هل ذلك مرتبط بطبيعة البناء النفسي؟ أم بطريقة المدرس؟ أم بالمجموعة الصفية غير المنسجمة؟ أم بهذه العناصر كلها؟ أم أن هذه «الفوبيا» لحظة عابرة سرعان ما تزول بتعود المتعلم على الوسط البيئي- التربوي الجديد؟ وما الحلول المقترحة لمواجهة استفحال الظاهرة؟

تباين الرؤى والمواقف تجاه الخوف المدرسي

في هذا المضمار يمكن التمييز بين ثلاثة مواقف متباينة:

< الموقف الفطري: يرى الخوف حالة انفعالية داخلية طبيعية، يشعر بها الطفل في بعض المواقف، ويسلك فيها سلوكا يحاول به الابتعاد عن مصدر الضرر، هذا كله ينشأ عن استعداد فطري أوجده الخالق في الإنسان (1).

< الموقف المكتسب: يرى أن الخوف ينشأ نتيجة لمؤثرات خارجية معينة، فليس عند الكائن الحي دوافع فطرية تدفعه للخوف (2).

< الموقف التفاعلي بين الفطري والمكتسب: يرى الخوف أحد الانفعالات البدائية العنيفة، يتملك الفرد فيشله عن الحركة، ويخمد نشاطه. ويتصف الخوف بحدوث تغيرات واسعة المدى في الجسم، كما يتصف بسلوك لدى الشخص قوامه الهروب أو الفرار أمام المثير الخارجي (3).

أسباب الخوف من المدرسة

تتعدد الأسباب المؤدية إلى ظهور حالة الرهاب والخوف من المدرسة (فوبيا المدرسة)؛ نعرض لبعضها بشكل مختصر:

< التمثلات الخاطئة المرتبطة بالمدرسة: فالمدرسة في مخيلة المتعلم مجالا لردعه وشل حركته الزائدة، أضف إلى ذلك تخويف من المدرسة من طرف الأبوين؛ خصوصا عندما يتحدثان أمام الطفل عن العقاب في المدرسة أو يصفان المدرس بأنه شديد غليظ ويستعمل أساليب عديدة لتأديب المتعلمين. ومنها ما يقع فيه كثير من الآباء في وضع صورة في ذهن هذا الطفل عن المدرسة غير سليمة، من خلال تهديدهم عندما يرتكبون بعض الأخطاء بأنهم سوف يزورون المدرسة من أجل أن تقوم بمعاقبة الطفل، مما يتسب في خوف الطفل من المدرسة (4).

< سوء المعاملة وسرعة غضب المدرس: مثل تهكم المدرس من المتعلمين والاستهزاء بهم، مما يجعلهم في حيطة وخوف من أمرهم؛ خشية أن يصدر منهم أي حركة أو سلوك يصبح مادة دسمة للتنابز من قبل الأقران خارج الفصل الدراسي.. كما يلتجئ المدرس إلى أسلوب التهديد بالعقاب البدني أو الرمزي بالتخويف من الامتحانات التي تفتقد مقومات الصدق والثبات والموضوعية.

< الاستجابة الفورية للخوف: ويظهر ذلك بشكل جلي وقوي بشكل خاص في عمر سنتين إلى ست سنوات (5). كما أجمع الباحثون في علم النفس التربوي أن الأطفال في سن 3 إلى 10 بنسبة 2 في المئة يعانون من هذه الحالة وتكثر عند الإناث عنها لدى الذكور، فعند التحاقه لأول مرة يبدي عدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة فيصحب خوفه الشديد أعراض جسمية تظهر كالقيء والإسهال وألم البطن.. وكل ذلك أعراض نفسية، أي إنها لا يصاحبها سبب عضوي وتزول بمجرد الرجوع إلى المنزل.

< البيئة الأسرية: فالطفل في غالب الأحيان مدلل من طرف والديه، بل لا يتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار، فهو عالة على أفراد أسرته في كل شيء.

< القمع والتوبيخ على الخطأ: فالتهديد المستمر والمبالغ فيه لأخطاء الأطفال يقود إلى الخوف والاضطراب النفسي، فالأطفال الذين يهددون وينتقدون على نشاطهم وإبداعهم يبقون في خوف وتردد دائمين.

من هنا ظهرت بيداغوجيا الخطأ التي تعتبر الخطأ منطلقا مهما لبناء التعلمات بشكل وظيفي وأساسي للمتعلمين فتصبح راسخة في ذهنه، عكس التلقي السلبي الذي يجعل المعلومات تندثر وتتلاشى من ذاكرة المتعلم بمجرد انتهائه من اجتياز الامتحان.

< الشجار بين زملاء الفصل: في حالة غياب الانضباط التربوي في المؤسسة التعليمية، فغالبا ما يقع شجار بين زملاء الفصل، ونتيجة عدم قدرته على مواجهة التلميذ العنيف (الخصم) وردعه عن عنفه واستهزائه وتهكمه.. يكون له تأثر سيئ في نفسيته فيزعزع الثقة في انخراطه السليم في البيئة الصفية. فالطفل المتوجس والخائف يجد صعوبة في تكوين أصدقاء من داخل الفصل، فيعيش في عزلة وانطواء على ذاته.

< الخوف من الفشل الدراسي: بحكم أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تركز بشكل كبير على نتائج التحصيل الدراسي من دون التركيز على تكوين المتعلم وتأهيله للانخراط في الحياة اليومية.. جعل المتعلم يشغل باله بالنتيجة النهائية هل ستكون إيجابية فيحمد عليها من طرف آبائه أم تكون سلبية فيتعرض لشتى أصناف العذاب (البدني أو النفسي).

< الخوف ذريعة اللامبالاة المدرسية: قد يصطنع بعض الأطفال سلوكا من أجل اجتذاب اهتمام والديهم أو معلميهم في بعض الأحيان، وقد يوافق الآباء أو الكبار على مثل هذا السلوك، فيغضون الطرف عن تصرفات الطفل هذه، مما يدعم فكرة الخوف لديه لتصبح مع مرور الزمن عادة سلوكية لديه.

< الخوف من الامتحانات: هو ظاهرة طبيعية يشعر بها كل طفل يطمح إلى النجاح في امتحانه. وكل امتحان من الممكن أن يثير عدة مخاوف منها: الخوف من المجهول، الخوف من التعرض للعقاب، أو السخرية أو الخوف من التعرض للطرد من المدرسة.. كل هذه المخاوف من الممكن أن تؤثر في نفسية الطفل الممتحن، إلا إذا أعطي شيئا من الثقة في نفسه وقدراته واطمأن بأن الامتحان أمر طبيعي ومتوقع لتحديد اختلاف القدرات (6).

< أسباب غير واضحة: قد تحدث بعض مخاوف الأطفال لأسباب غير مفهومة وغامضة. لكن سرعان ما تتلاشى وتنمحي إذا تم تجاوزها ولم يتم الاهتمام الشديد بها وعدم التركيز عليها.

طرق المواجهة

بعد أن استعرضنا مجموعة من الأسباب التي تجعل الطفل يتوجس ويزداد خوفا من المدرسة، يكون لزاما طرح واقتراح مجموعة من الحلول لمواجهة هذه الظاهرة، أو على الأقل الحد من استفحالها. وفيما يلي أبرز الطرق:

< المواكبة والمصاحبة عن بعد: من خلال زرع الثقة بنفس الطفل، وتشجيعه بالتربية على الاختيار والاستقلالية. من جهة أخرى، فإن الإكثار من العطف الزائد والرعاية الزائدة واتهامه بالجبن وغير ذلك من الأساليب القاسية، من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الإحساس بالخوف ليصبح مشكلة مرضية.

< الدعم النفسي: عندما يجد الأطفال أن هناك من يشاركهم في مشاعرهم من الجو المخيف الذي يعيشون فيه، فإنهم يتعلمون أن الهموم والمخاوف هي أمور مقبولة، لكن يجب عدم المبالغة في ذلك، كأن يشارك الطفل الراشدين في مشاعرهم وأفكارهم، وإنما التحدث عن المخاوف الواقعية التي توجد لدى الجميع (7).

< الاستفادة من نماذج: ومن الأمثلة على ذلك استخدام نماذج متلفزة من الرفاق لمساعدة الطفل في التغلب على قلق الامتحان، فقد تم تعريض النماذج بشكل تدريجي لمواقف امتحان تزداد إثارتها للخوف شيئا فشيئا، وبذلك أصبح الأطفال الذين قاموا بالملاحظة أقل خوفا من الامتحانات المدرسية (8).

< مكافأة الشجاعة: إن مكافأة الطفل على السلوك الشجاع؛ درءا لمخاطر الخوف المرضي من المدرسة، من شأنها أن تعزز الثقة في نفس المتعلم، وتشجعه على التعلم الطبيعي، وتنمي فيه الرغبة الجامحة في الإبداع والابتكار، وتكسر حواجز الخوف التي تعترض مسيرته الدراسية.

وختاما؛ فالخوف قد يكون حالة شعورية طبيعية وتلقائية تظهر عند الطفل في حالته المدرسية الأولى من منطلق لكل مبتدئ دهشة، إذ سرعان ما يزول بتكيفه وتوافقه مع الوسط المدرسي وتفاعله معه. لكن في المقابل يوجد خوف مرضي (فوبيا المدرسة) يلحق الضرر الشديد بالمتعلم فيعجزه عن الاندماج والاستمرار في التعلم، فتظهر عليه علامات وأعراض مستمرة من آلم البطن والرأس والتلعثم والعجز عن الكلام... وقد تستمر معه مدى الحياة إن لم يتم تدارك الموقف، ما يستدعي المتابعة والمصاحبة الأسرية والنفسية والاجتماعية، لتجاوز هذه الحالة المرضية، لتصبح لحظة عابرة طبيعة.


الهوامش

1 - عبدالعزيز القوصي، 1982م: أسس الصحة النفسية، دار النهضة، الطبعة الأولى، القاهرة، ص316.

2 - إبراهيم وجيه محمود، 1980م: مدخل علم النفس، دار المعارف، الطبعة الأولى، ص50.

3 - أسعد رزق، 1977م: موسوعة علم النفس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، ص128.

4 - عبدالعزيز محمد نعيم، 2011م: خوف الطلاب الجدد من المدرسة، مجلة بحوث التربية النوعية، جامعة المنصورة، عدد خاص 20، ص92.

5 - شارلز شيفر وهوارد ميلمان، 2001م: مشكلات الأطفال والمراهقين وأساليب المساعدة فيها، ترجمة نسيمة داود ونزيه حمدي، منشورات الجامعة الأردنية، الطبعة الأولى، عمان، ص132.

6 - محمد سعيد عبدالغني، 1996م: آراء علماء النفس في الخوف ومثيراته، مكتبة زهراء الشرق، الطبعة الأولى، القاهرة، ص109.

7 - شارلز شيفر وهوارد ميلمان، 2001م: مرجع سابق، ص183.

8 - شارلز شيفر وهوارد ميلمان، 2001م: مرجع سابق، ص141.