سر السعادة (1من4)
كلنا نبحث عن السعادة، فهي الهدف المنشود لكل إنسان، حتى أهل الذنوب والمعاصي والفسق لم يسلكوا هذه الطريق إلا بحثاً عن السعادة، فسارق المال يظن أنه سيحقق له السعادة التي يرجوها ويطمح إليها!! ولو قرأت قصص واعترافات مدمني المخدرات والمسكرات لطالعك تبريرهم لأفعالهم بقول بعضهم: كنت أبحث عن السعادة وأريد حلاً للقلق والتعاسة التي أعاني منها فتعاطيت المسكر وأدمنت المخدر!!
كذلك الحال مع أولئك الذين يستمعون للأغنيات ويتابعون الفضائيات ويلهثون وراء الأقلام والمسلسلات والمباريات كل أولئك يبحثون عن السعادة !! وذلك الذي حزم أمتعته وجاب الفيافي والقفار وتكبد المشاق ومفارقة الأهل والأوطان لا شك أنه يبحث عن السعادة والأنس والراحة والبهجة .
إذاُ الناس جميعاً على مختلف فئاتهم وطبقاتهم وطبائعهم وأجناسهم يبحثون عن السعادة، فأين السعادة ؟!
هل هي في المال ؟ أم في المنصب والشهرة ؟ أم في الجمال؟ أم في القصور والمراكب الفارهة؟ أم في تعدد الأبناء أو كثرة الرحلات ؟ أم في التجوال في الحدائق والأسواق؟ أم في الصحة والأمن والأمان؟ أم في ذلك كله؟!
تعالي لنعرج على بعض هذه الأسباب لنرى هل هذه هي السعادة الحقيقية؟ لا شك أن بعض هذه الأسباب تعد من أسباب السعادة الدنيوية، لكن لا يمكننا القول بأن كل صاحب مال سعيد وكل محروم شقي! فكم أسعد المال أقوام وكم أشقاهم!
أسعد المال أبا بكر حيث أنفقه كله في سبيل الله، وأسعد عثمان الذي جهز به جيش العسرة، واسعد عبد الرحمن بن عوف الذي كان لأهل المدينة عليه ثلث يقترضهم ماله، وثلث يقضي دينهم، ويصل ثلثاً.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" غبطة لهذا الرجل الذي أسعده ماله في دنياه وآخرته .
لكن بعض الناس يخدم المال ولا يخدمه ماله ؛ تجده في قلبه وليس في يده، يشقيه حرصه عليه ويحزنه نقص شيء منه ويقلقه ! يقول أحد الدعاة: دخلت أنا وأخً لي على أحد المحسنين نريد منه المشاركة في عمل خيري وبعد عرضنا المشروع عليه وافق على التكفل بنفقاته وعندما أردنا الخروج استوقفنا وقال: أريد منكم قبل أن تخرجوا أن تجدوا حلاً لمشكلتي قلنا: وما هي؟ قال: إنني لا أكاد أجد للنوم حلاوة ولا طعماً وأنني أتقلب في فراشي الساعات الطوال بلا فائدة فهل لديكم علاج؟ فقلت له: وهل تشعر بمرض؟ قال: لا، قلت: إذاً ما الذي يقلقك؟ قال: إن أموالي في كل مكان في الشمال والشرق والغرب والجنوب ودائماً فكري متعلق بها وفي كيفية المحافظة عليها فأجبته: قلبك متعلق بمالك فاجعل مالك متعلق بربك حتى يتعلق قلبك بربك فتسعد وستجد الراحة والطمأنينة . فخرجنا من عند هذا الثري الذي يهرب النوم من عينيه وبعد عدة أمتار وعلى الرصيف من ذلك الشارع رأينا عاملا مسكينا قد افترش قطعة كرتون وبجانبه حباله التي يستخدمها في حمل الأمتعة وهو غارق في نومه تسمع شخيره من بعد، فأين أنت يا صاحب الفراش الوثير من صاحب هذه الكرتون ؟!
لم ينفع المال قارون حين خرج في زينته وتمنى القوم أن يكونوا مكانه لما رأوا ما كان عليه من العظمة والزينة فقالوا : "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم" ويظهر جزاء تكبره وغروره في قوله تعالى: "فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين".
لم ينفع المال كرستينا أوناسيس اليونانية التي ورثت عن والدها الجزر والأساطيل وشركات الطيران ! تزوجت بأمريكي فطلقها ، ثم يوناني فطلقها أو طلقته ، ثم تزوجت بروسي وفي حفل زفافها سألها الصحفيون كيف تلتقي الرأسمالية بالشيوعية؟ وكيف رضيت بالزواج للمرة الرابعة برجل فرنسي ؟! وفي مقابلة لها يوم زفافها سألتها صحفية هل أنت أغنى امرأة في العالم؟ قالت: نعم أنا أغنى امرأة ولكني أشقى امرأة في العالم !! وحين ماتت وجدوها جثة هامدة بإحدى الشاليهات بالأرجنتين .
المال أمره عظيم لذا جاء السؤال عنه يوم القيامة مرتين حيث قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – "لا تزولا قدما عبد حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به" .
وربما يكون المال سبباً لشقاء المرء في الآخرة إذا تملك قلبه ولم يعد يفرق بين حلاله وحرامه، وكم يدخل في المال من شبهة كالربا أو الرشوة، وكل تلك المحرمات أوصلت أصحابها إلى اللعن والطرد من رحمة الله !! وهذا أمر خطير وعظيم حيث قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) "والربا بضع وسبعون شعبة أدناه أن يزني الرجل بأمه" تفكري في بشاعة المال الحرام وعظم أمره .
· مفتاح السعادة
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقى هو السعيد ، فالتقي قد يسعده ماله في دنياه بصلة أرحامه ، وبإدخاله السرور على الآخرين ، وبكثرة الإنفاق على المحتاجين ، بل إن المال يساعده للقيام بكثير من أعمال الخير فقد يتصدق ويبني المساجد ويحفر الآبار ويعلم العلم ويشارك المسلمين في الحج والجهاد .. وكل ذلك خير يستطيع الحصول عليه بماله . قال عليه الصلاة والسلام (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض) .
· هل من أسباب السعادة وجود الأبناء ؟
قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا....) نعم لا شك في ذلك ولكن لو أكملنا الآية (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوباً وخير أملا) ولعل في الحياة نماذج ممن كان أبناؤهم سبباً لسعادتهم وممن كان أبناؤهم سبباً لشقائهم : سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما قال لابنه (إني أرى في المنام أني أذبحك) أجابه إسماعيل عليه السلام: (افعل ما تؤمر ستجدين إن شاء الله من الصابرين" أي بر بعد ذلك؟!
وكما أن قصص البر والطاعة كثيرة ولله الحمد ، فإن مآسي العقوق تبكي القلوب قبل العيون !! ولكن إذا أردنا أن يكون أبناؤنا سبباً لسعادتنا فلنربهم على طاعة الله وعلى البر والتقوى حتى نسعد بهم ، ولندعو لهم بدعوة إبراهيم عليه السلام (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) .
ومن أسباب السعادة التي يراها الناس الصحة والعافية والأمن والاستقرار لكن هل كان من يعاني من مرض شقي ؟ وكل صحيح البدن سعيد ؟ يقول أحد الشباب: ذهبت لمستشفى النقاهة على طريق الخرج ورأيت رجلاً لا يتحرك إلا رأسه يسير بكرسي متحرك ويغير اتجاهاته بفمه ، كان يعاني من شلل رباعي ، ومع ذلك ترى في وجهه الابتسامة، وجه مضيء مشرق مؤمن بقضاء الله وقدره ، يقرأ في كتاب الله بطريقته الخاصة ويراجع كتب العلم ، وعندما أجرينا مسابقة لنزلاء هذه المستشفى لندخل عليهم السرور ،ـ كان هذا الرجل يجيب على أكثر الأسئلة وتعجبنا من سعة ثقافته فلم يصده مرضه وعجزه عن القراءة في كتاب الله والاطلاع على كتب العلم، يعلم هذا الرجل علم اليقين أنه يمر في هذه الدنيا بامتحان عظيم واختبار لإيمانه فإما الفوز والفلاح وإلا الفشل والشقاء في الدنيا والآخرة. وكم من المعافين لم يصلوا إلى درجة هذا الرجل في سعادته الروحية التي يظهر أثرها على وجه مشرق .
منقول