ثقافة الاعتذار







هو معنى من أهم المعاني الإنسانية التي تزيد من درجة السمو والرقي في التعامل مع الآخرين، وهو ثقافة كاملة لو تحلت بها المجتمعات لاستطاعت أن ترتقي في سلم الحضارة والتقدم، لأنه يساهم في خلق مناخ من التراحم والتسامح والقدرة على تجاوز الصعاب، إنه معنى الاعتذار.

الاعتذار قيمة إنسانية نبيلة لا يمكن لمجتمع كامل أن يتحلى بها وتصير ثقافة حقيقية له راسخة في جذوره، ما لم تكن هذه القيمة تعيش بالفعل داخلنا كأفراد وجماعات، لأن القدرة على الاعتذار تحتاج إلى تربية معينة وقدرة على نسيان حظ النفس والشعور بتقدير واحترام الآخرين.

ليس صعبًا أن يكتسب الإنسان صفة الاعتذار ويجعلها طبعًا أساسيًا في شخصيته، لأن القدرة على الاعتذار غاية يمكن الوصول إليها من خلال تهذيب النفس وترويضها وتعليمها ضرورة رؤيسة الآخرين والتفكير في مشاعرهم وآلامهم وأحزانهم.

كما أنه لم يشكر الله من لم يشكر الناس فكذلك لا يمكن أن يستغفر الله من لا يستطيع أن يعتذر للناس، ذلك أن الإحساس بالندم والرغبة في التوبة والشعور بالأسى على خطأ معين أو ذنب ما لابد أن يكون نابعًا من قلب يتسم بالصدق والإحساس ومن لوازم هذا الصدق أن يكون ذلك القلب قادرًا على تقديم الاعتذار للآخرين بدون تكلف أو غضاضة.

وفيما يلي نتناول مجموعة من الأمور التي تتعلق بثقافة الاعتذار:


أولاً: الحذر من الكبر


لا يمكن للقلب أن يكون على استعداد دائم للاعتذار عن أي خطأ يقع فيه في حق الآخرين إلا إذا كان هذا القلب بعيدًا كل البعد عن الكبر، والكبر هو بطر الحق وغمط الناس، فالإنسان الذي يشعر أنه غير قادر على رؤية الحقيقة طالما أنها لا تصب في مصلحته ويتكبر عن الاعتراف بالواقع ويرفض أن يتعامل مع الناس من منطلق المصداقية والمنطق هو إنسان من المستحيل أن يقدم الاعتذار عن أخطائه، وكذلك الإنسان الذي يحتقر الآخرين ولا يرى لهم فضلاً ويستخف دائمًا بما يقدمونه وما يدافعون عنه وينحازون له كمبادىء وقيم لا يمكن أن يتقدم لهم باعتذار لو صدر منه ما يؤذيهم لأنه في داخله يريد أن يتغافل عن فضلهم ووجودهم ولا يرى إلا نفسه فقط.

ثانيًا: اختيار التوقيت


من الضروري عنما نقرر تقديم الاعتذار أن نتخير الوقت المناسب ففي بعض الأحيان يكون من الضروري أن نعطي الطرف الآخر الذي يستحق منا الاعتذار فسحة من الوقت حتى يستطيع أن يفرغ طاقة الغضب والانفعال في داخله ثم بعد ذلك ننتظر قليلا حتى يهدأ ثم نبدأ في تقديم الاعتذار، لأن عدم اختيار الوقت المناسب للاعتذار سيجعله بلا جدوى وغير ذي تأثير.

ثالثًا: كيفية الاعتذار


قد تكون النية صادقة في الاعتذار ولكن أسلوب اختيار الكيفية التي نقدم بها هذا الاعتذار هو المهم ففي بعض الأحيان يكون تقديم الاعتذار من خلال الهاتف أو عبر البريد الإلكتروني بمثابة إهانة جديدة للشخص الذي نعتذر له إما لمكانته الخاصة أو لطبيعة الموضوع نفسه الذي يستدعي تقديم الاعتذار.
منقول