تنمية محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" لدى الأطفال


محمد عرابي



إن تعميق محبة الله ورسوله " صلى الله عليه وسلم" في نفوس الأطفال ضرورة واجبة؛ لأنه كلما تمكنت المحبة في القلب تكون الدافع الإيماني القوي الذي يؤثر في السلوك فيدفع لفعل الطاعات واجتناب المنكرات. وقد حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- والسلف الصالح على أن يرسخوا قيمة هذا الحب في نفوس أطفالهم، ابتداء من مبايعته " صلى الله عليه وسلم" والانقياد لأوامره والدفاع عنه.

وحرصا على عدم انحراف فطرة الناشئة عن مسار الحب الصحيح للرسول " صلى الله عليه وسلم" ، فإن ذلك يتطلب إعدادهم وتهيئتهم لمعرفة مفهوم حبه " صلى الله عليه وسلم" ودلائله وأسبابه منذ الصغر، وترسيخ محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" في نفوسهم، وتنميتها في إطار المنهج الصحيح، والوسائل المشروعة توجيها لها نحو النموذج الكامل للإنسانية، والقدوة الحسنة للبشرية من خلال الاتباع والتأسي طاعة وتعبدا لله تعالى.

فتأصيل محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" وترسيخها يجب أن يبدأ منذ الطفولة؛ حتى نبني أجيالا من المسلمين الصالحين قد ترسخت في نفوسهم محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" منذ الصغر. ويحاول هذا المقال بيان سبل تنمية محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" لدى الأطفال، والتي تتمثل في:

توفير البيئة الصالحة

توفير البيئة الصالحة للأطفال التي تغرس محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" في نفوسهم، وتتعهد هذه المحبة، وتسعى إلى تنميتها ورعايتها. والبيئة هنا شاملة للبيئة التعليمية، والأسرية والمجتمعية؛ حتى تتكامل جميع المؤسسات في القيام بهذا الواجب، لتوفر في مجموعها بيئة صالحة تغرس هذه القيمة وتربي الأجيال عليها (1).

قراءة القرآن وتدبره

قراءة القرآن وتدبره، والعناية به وتربية النشء عليه، من شأنها تنمية محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" لدى الأطفال، ذلك أن القرآن اشتمل على جميع أساليب التربية الإسلامية في غرس محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" في نفوس الأطفال، فليس أعظم من القرآن في التعريف بالنبي " صلى الله عليه وسلم" ، وسيرته ومكانته وأخلاقه وشمائله في القرآن، كما أن القرآن يقدم الفهم الصحيح لمحبة النبي " صلى الله عليه وسلم" ، ويرسم منهجها الصحيح (2).

دراسة السنة النبوية

فمن اهتم بالسنة وطالع كتبها، وتزود من علومها وفنونها يحب النبي " صلى الله عليه وسلم" ؛ لأنها كلامه وأفعاله وسيرته وأقواله وصفاته وأخلاقه، وهي داعية لمحبة النبي " صلى الله عليه وسلم" . وحري بالمؤسسات التربوية من رياض أطفال ومدارس أن تهتم بتدريس سنته، وتزويد الأطفال بما يناسبهم منها، وبذل الجهود لتقريبها والعناية بها بما يتناسب مع حال الأطفال.

الأنشطة المدرسية

فالأنشطة أفضل أساليب تنمية محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" لدى الأطفال، ويعود السبب في ذلك إلى ميول الأطفال إلى هذه الأنشطة وتفاعلهم معها، وتشوقهم إليها؛ لما فيها من إشاعة روح المرح وإدخال السرور في نفوس الأطفال، فالاهتمام بالأنشطة مهم للغاية، وذلك تماشيا مع ما تنادي به التربية الحديثة، فهي مجال واسع لتنمية كثير من القيم التربوية، ويعول عليها كثيرا في ترسيخ أساسيات الحب الشريف للشخصية المحمدية، بحيث ينعكس هذا الحب، وما ينطوي عليه من قيم نبوية شريفة، على سلوكيات الأطفال، فالناشئة بحاجة ماسة إلى من يقدم لهم التعريف الصحيح بمحبة النبي " صلى الله عليه وسلم" بأسلوب تربوي جذاب ومشوق، وبعيد عن الغلو والجفاء (3).

والنشاط الديني إذا أحسنا اختيار ألوانه، وحددنا وظائف كل لون، وصدقنا في توجيهه، عالج لنا المستعصي من المشكلات، وحققنا به البعيد من الأهداف، فأخرجنا للوطن جيلا متدينا يجيد العمل، ويحسن المعاملة، ويتوق إلى الرقي والتقدم اللذين كانا عنوانين للإسلام في عصوره الزاهرات، فتكون التربية الإسلامية بذلك قد أدت رسالتها وبلغت غايتها، ولن يتم لها ذلك إلا باحتفائها بالنشاط وتفعيل دوره في جميع الأصعدة والساحات (4)، وفي ضوء ذلك يمكن تنمية محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" لدى الأطفال عن طريق:

- الأنشطة الكتابية وما يصاحبها من مسابقات تشجيعية فيما يخص الإنتاج الإبداعي حول حب النبي " صلى الله عليه وسلم" ، كتأليف قصة حول حب الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، وكتابة عبارات تشجيعية للحث على اتباع النبي " صلى الله عليه وسلم" ونصرته والدفاع عنه.

- استخدام الأسلوب القصصي: فهو أسلوب تربوي ناجح ومؤثر في وجدان الأطفال، فالقصص تساعد في تنمية القيم والفضائل والمبادئ الإسلامية، وتربية الانفعال والعواطف الوجدانية، وتدفع إلى السلوك السوي ومحاربة السلوك غير السوي. ولابد أن ينتقي المربون من القصص ما يناسب الأطفال من سيرة النبي " صلى الله عليه وسلم" ، وحياة الصحابة والصحابيات -رضوان الله عليهم- ما يثير وجدانهم، مثل طفولته " صلى الله عليه وسلم" ، وبعض حياته عند حليمة السعدية، وبعثته، وليلة الهجرة، والإسراء والمعراج.. وغير ذلك من الجوانب التي تظهر العناية الربانية به، وهذه القصص تملأ قلب الأطفال بمحبة النبي " صلى الله عليه وسلم" .

- الاهتمام بتكوين عادات وسلوكيات نابعة من الهدي النبوي الشريف؛ حتى يتعود الأطفال على الاستجابة لله وللنبي " صلى الله عليه وسلم" . وتكوين العادات من الأساليب التربوية التي تساهم في تنمية محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" ، وفي النشاط مجالات واسعة لتثبيت العادات والقيم والسلوكيات الدينية الصحيحة، وممارستها ممارسة ناجحة في مواقف طبيعية (5).

وإذا كانت التربية الإسلامية تسعى إلى غرس محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" في نفوس الأطفال، فهي كذلك معنية بالمحافظة على مستوى هذه المحبة، ورعايتها وتنميتها باستمرار، وترسيخها وتعميقها في وجدان الأطفال، وهذا يجعل التربية بكل مؤسساتها في تفاعل دائم وتطوير مستمر للطرق والأساليب التربوية المعينة على تحقيق غرس محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" في نفوس الأطفال.

الهوامش

1- حسن العيافي، منهجية التربية الإسلامية في غرس محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" وتطبيقاتها في المؤسسات التربوية، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، كلية التربية، 1429هـ، ص170.

2- حسن العيافي: منهجية التربية الإسلامية في غرس محبة النبي " صلى الله عليه وسلم" وتطبيقاتها في المؤسسات التربوية، مرجع سابق، ص180.

3- فوزية البقمي: دور الأنشطة غير الصفية في تنمية حب النبي " صلى الله عليه وسلم" ، رسالة ماجستير، جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، كلية التربية، 1431هـ، ص74.

4- حسن الخليفة وكمال الدين هاشم: فصول في تدريس التربية الإسلامية، الرياض، دار الرشد، 1426هـ، ص252.

5- فوزية البقمي: دور الأنشطة غير الصفية في تنمية حب النبي " صلى الله عليه وسلم" ، مرجع سابق، ص74.