أولادنا ليسوا غراسا بعلية!


هند الزغيِّر

تربية الأولاد: زراعة لغراس لا بد من رعايتها وريها وحمايتها من الآفات الضارة المتطفلة؛ لتؤتي أُكلها عطاءً وإيجابية.
أولادنا يحتاجون رعاية ومتابعة وليسوا غراسا بعلية مهملة؛ بانتظار المطر القادم من الغيب.
إن تربية الأولاد هندسة دقيقة وعملية منظمة وليست تسير بتلقائية سير الأيام والسنين كما يظنها البعض.
أثناء عبور الطفل مراحل نموه المختلفة علينا أن نعي ملامح هذه المراحل وما يلزم الطفل في كل منها.
منذ ولادته تبدأ رعايته بتقديم الغذاء اللازم والملبس والدفء والحنان، بعدها يبدأ وعي الطفل بالبيئة من حوله والتفاعل مع عناصرها بالشكل المحسوس. في هذه المرحلة لا بد من توفير الخبرات والمثيرات الملموسة وإفساح المجال أمامه ليتفاعل معها حيث يعمل هذا على زيادة وعيه لما يدور حوله.
يبدأ بعد ذلك بربط المحسوس بمنظومة ذهنية تساعده في رسم صور للمفاهيم المختلفة، وتأخذ هذه القدرة بالنمو التدريجي إلى أن يصل الطفل إلى فهم المعطيات المجردة مستدلا عليها بعمليات عقلية مربوطة بما يحس ويلمس.
خلال هذه المراحل جميعا: يمر الطفل بمراحل محاذية لها، هي: النمو العاطفي والقيمي. فيبدأ بتحديد ميوله نحو الخبرات المختلفة، ويبدأ بتكوين منظومة عاطفية وجدانية جنبا إلى جنب مع المنظومة المعرفية والعمليات العقلية؛ لتكتمل الصورة برسم ملامح شخصيته وتجسيد ميوله واتجاهاته والقيم التي يؤمن بها ويتمثلها في أرض الواقع.
إن فهمنا الواعي لما يمر به الطفل من تغيرات على الجانبين الجسدي والانفعالي يضع معالم واضحة في طريق التربية الآمنة.
فيكون على الآباء أن يراقبوا أطفالهم في كل المراحل التي يقطعونها ويسلطوا الضوء على كل نشاط يقوم به أطفالهم، ويحللوا هذه الأعمال والنشاطات ويفهموا ردود الأفعال تجاه مختلف المثيرات. فيقود كل ذلك إلى الدخول إلى عوالمهم ومشاركتهم اهتماماتهم وأنشطتهم مما يولد الثقة المتبادلة فيجعل عملية التربية سلسة منسابة.
أما أن نغمض أعيننا لا نهتم إلا بالجانب المادي دون الالتفات إلى الحاجات الانفعالية فهذا ينأى بكل منهما إلى ضفة أخرى ويجعل التواصل أصم عقيما.
من أجل أن نتجنب الوقوع في هذه الفجوة علينا الاستغراق في فهم أولادنا وتحليل كل ما يقومون به وربطه بأسباب ودوافع فيقود ذلك إلى الفهم الواعي لسماتهم الشخصية المميزة والذي بدوره يساعدنا في توفير ما يحتاجون لممارسة هواياتهم وتمثل ميولهم بالطرق الإيجابية.
وبين الاستغراق وتأمين اللازم للتنمية يجب الاهتمام بعنصر الوقت وإدارته بطريقة تخدم ميولهم وتصقلها وتوجهها .
والحديث عن الوقت يقود دوما إلى العدو الأكبر وهو الفراغ والذي لا بد من محاربته والقضاء عليه؛ وذلك ليس صعبا إذا ما عمل الآباء منذ البداية على فهم ميول أطفالهم فيوجهون هذا الفهم لتيسير التفاعل بين ما يحتاج الأطفال وبين الوقت المتاح؛ فتتطور هذه العملية مع مرور الزمن ويواكبها نمو مواهب الطفل وإبداعاته المختلفة، مما يجعل من الفراغ الوحش المرعب الذي يكرهه ويحاربه، فيشب رجلا يحترم الوقت ويحمل بين طيات نفسه قيما وفي شخصيته ميولا لاتجاهات إيجابية يتقدم بها إلى الأمام.
وهكذا فإن تربية الأولاد هندسة تحتاج لدقة ومتابعة ليقوم البناء سليما متينا.