عداء مصطنع


محمد حسن الغامدي


عداء مصطنع ومتوهَم.. ذلك الذي يحاول عقده عدد من كتابنا وكاتباتنا الذين تتصدَّر مقالاتهم أعمدة الصحف والمجلات، ويسبق أسماءهم حرف به تسنموا المناصب في الكليات والجامعات وغيرها من أجهزة الدولة.
نعم إنَّه عداء مصطنع.. وبين مَن؟ بين الرجل وشقيقته المخلوقة منه.. {يا أيُّها النَّاس اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها...} [النساء/1]. ومن هي تلك الشقيقة؟.. إنَّها أمّ الرجل أو أخته، أو زوجته أو ابنته أو خالته أو عمته أو قريبته..
سبحان الله! هل يعقل أن يكون هناك عداء بين هؤلاء؟ كلا، وإنما هي الحساسية المفرطة إزاء كل ما يصدر من الرجل متعلقاً بالمرأة من مقالات وأحاديث، بل ومن أنظمة، فنراهم يقرؤونها قراءة متعسفة، ويفسرونها بما يوافق أهواءهم ومعتقداتهم الفاسدة؛ من أجل إثبات ما يدّعونه من عداوة.
هي الحساسية المفرطة..، وهي أيضا اتخاذ ما اصطنعوه من عداوة حجة على احتقار الرجل المرأة، وتقليله من شأنها، واستهانته بقدراتها؛ وحينها "فالمرأة - مادامت مهانة ممتهنة - بحاجة إلى تحرير من رقّ الرجل، وبحاجة إلى مساواة به، حتى وإن كان ذلك التحرير وتلك المساواة مخالفة لشريعة رب العباد، ولما وافقها من أعرافهم وعاداتهم!
إذاً.. هو التحرير والمساواة، وهم أدعياء التحرير والمساواة، تلك الدعوة القديمة الحديثة، التي انكشف عَوارها، وظهر زيفها، وبان تهافتها وضعفها.
إنهم أعداؤك ـ أيتها المرأة ـ فاعرفيهم، وإيَّاكِ والانخداع بأساليبهم الماكرة، ووعودهم البرّاقة، وأدلتهم الفاسدة. ولا تنخدعي بدرجاتهم العلمية ومناصبهم، وما يذكرونه من ألفاظ التقدم والرقي، والمدنية والحرية... إلخ. إيَّاك والاغترار بقوم زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوها حسنة، ونسأل الله لهم الصلاح والهداية.
أختي المسلمة.. أنت شقيقة الرجل، أنتِ له الأمّ والأخت والزوجة والقريبة، أنتِ له السكن والراحة والمودة والرحمة، أنت جنة الدنيا وزينتها وبهجتها وخير متاعها، وقبل ذلك كنت المرضعة والمربية والسند والمعين بعد الله؛ فكيف بالله عليك ـ بعد كل هذا ـ يعاديك؟!
إنَّ التصرفات والأقوال الشاذة التي تصدر من بعض الرجال نحو النساء، إنَّما هي أمور فردية، لم يلتزم فاعلوها بأحكام الإسلام المتعلقة بالمرأة، التي حفظت للمرأة حقوقها كاملة، وحثَّت الشريعة على إكرامها ومعاشرتها بالمعروف، وكلها ـ بحمد الله ـ أحكام عدل ونور؛ لأنها من عند الحكيم الخبير المنزه عن السَّفه والغفلة والنقص.
فتاة الإسلام.. أيَّتُها المرأة المؤمنة، يا من استضأتِ بنور الإيمان، واهتديتِ بشريعة الإسلام، يا من رضيت بالله ربَّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم نبياً رسولاً؛ أوَ َلستِ تثقين بحكمة الباري ـ جلّ جلاله ـ في تفضيل الرجل على المرأة ببعض الصفات والحقوق، تفضيلاً لو نظرتِ فيه بعين العقل ـ لا العاطفة ـ لوجدته في صالح المرأة، بعيداً عن أن يكون فيه إهانة أو إذلال لها، أو نيل من كرامتها ومكانتها كما يدَّعي أولئك القوم؟!
أوَ َلست راضية ـ أختي المسلمة ـ بأحكام الله ورسوله في القضايا التي تمس شرفك وعفافك؛ كالحجاب، والاختلاط؟
بلى.. إنَّك راضية ـ وهذا الظن بابنة الإسلام التقيّة العفيفة ـ غير أنَّ مكر الليل والنهار يغوي، وكلام من: (إن يقولوا تسمع لقولهم) يُردي.
تذكري ـ أخيتي ـ عندما تقرئين لأولئك أو تسمعين إليهم ـ عبر وسائل الإعلام بأنواعها، وعلى مقاعد الدراسة في الكليات والجامعات- تكريم الإسلام للمرأة، وحفظه لحقوقها، وحث الرجل على إكرامها في أعظم موقف يوم حجة الوداع، اليوم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام.. في عرفات.. إذ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "فاتقوا الله في النساء، فإنَّكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله... ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (أخرجه مسلم: 1218). وبين صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في موضع آخرـ أن من خيريّة الرجل خيريته مع أهله فقال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"(أخرجه الترمذي: 3895). ومعروف للجميع أنَّ حق الوالدة مقدَّم على حقّ الوالد. والنصوص في هذا الشأن كثيرة.
تذكري ذلك ـ أخيتي ـ، ثم انظري فيما تقرئينه أو تسمعينه بعين العقل والبصيرة، فإن وجدت ما ادّعي من عداء يوحي الكلام بصحته؛ فاعلمي أنَّه خطأ من فاعليه في تطبيق أحكام الشريعة، وعدم التزام بها، والخطأ في التطبيق ليس خطأ في الشريعة نفسها.. واعلمي أيضاً أنَّ من صدر عنه ذلك، إمّا أنَّه جاهل بأحكام الدين، أو عنده علم بها غير أنَّه ليس ملتزماً بها، لذا فهو يتصرَّف بخلافها. وإمَّا أنَّه شخص مغرض صاحب هوى فاسد، يبغي تشويه دين الله، ويحمل البغض والعداء للمسلمات..لا لشيء سوى أنهن مسلمات.
وكل هذا لا يبرر اتخاذ ذلك القول أو الفعل الفردي دليلاً يُبنى عليه حكم عام هو العداء بين جنس الرجال وجنس النساء، وحتى لو كثرت تلك الأقوال والأفعال الفردية وصار لها ظهور عام؛ فإنَّ هذا لا يبرر ـ أيضاً ـ اتخاذها حجة على ذلك العداء؛ لأن الكثرة ليست معياراً صحيحاً. انظري إلى قول ربّنا تبارك وتعالى: {وإن تُطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} (الأنعام/116) وقوله: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} (يوسف/103).
ولا يبرر ذلك ـ أيضاً ـ تخويف النساء من الرجال، وحث الفتيات على عدم الزواج؛ طلباً للسلامة من ظلم الرجال ومكرهم بهن، وكذلك النظر إلى التفاني في طاعة الزوج وخدمته في تربية الأولاد، على أنَّه ضياع لعمر الزوجة وحياتها.
نحن مع نقد ومعالجة التصرفات والأقوال الخاطئة في حقّ المرأة، والمخالفة لأحكام ديننا؛ لكن وفقاً لأحكامه، وما وافقها من أحكام العقل الصحيح، وبعيداً عن الهمز واللمز، والمخادعة والمراوغة، وقلب الحقائق، والاستهزاء بأحكام الشريعة.
فليت أولئك الكتاب والكاتبات يركزون أحاديثهم على ذلك. نسأل الله لنا ولهم التوفيق لهذا المسلك.
وفي الختام.. نوجِّه الحديث إلى كلّ رجل.. ألاّ يكون من تلك الفئة من الرجال الذين سيطرت على عقولهم عادات وتقاليد ليست من الإسلام في شيء، وجهلوا أحكام الدين- أو لم يلتزموا بها - حتى أفضى بهم ذلك إلى احتقار المرأة، ومعاملتها بقسوة، دعك من عدم فهم دورها المهم في الأمَّة من تربية وإصلاح...إلخ.
فتلك الفئة من الرجال كان لها دور كبير في صنع واقع سيئ للمرأة، أدى إلى نظرة العداء تلك.

نقول لجميع رجال المسلمين: اتبعوا هدي نبيكم محمَّد عليه الصلاة والسلام في معاملته أزواجه بخاصة، ونساء المسلمين بعامة؛ تفلحوا.