نصفــــــان


نور الهدى سعد

القضية شائكة.. والحديث فيها سيغضب الكثيرين والكثيرات، وربما جلب رياحاً عاتية من النقد والتجريح، ولكن إخفاء الرؤوس في الرمال، وإغماض العينين عن الظواهر السلبية؛ لنوهم أنفسنا بأنها اختفت - لمجرد أننا لا نراها - أعتى وأشد، ويوفر بيئة تترعرع فيها المشكلات، وتتعمق فيها السلبيات التي تلقي بذورها في بيوتنا، وتمتد فروعها الشوكية إلى خارج هذه البيوت.. إلى المجتمع كله.
كثيرات أسررن إلي بأنهن لا يشعرن بحب الأزواج ولا حنانهن إلا لحظة واحدة.. لحظة قد يحول إيقاع الحياة وازدحام مشكلاتها دون تكرارها، وهي لحظة العلاقة الحميمة الخاصة، ولذلك يعتبرنها فرصة ذهبية لابتزاز الزوج، والحصول منه على وعود بتنفيذ ما عجزن عن تنفيذه خلال الأوقات العادية، حيث العبوس، والشجار، واصطياد الأخطاء، وتضخيم الهفوات، وامتهان الشريك، وتحقير رفيق الرحلة.
الشكوى قد تبدو في ظاهرها تافهة، وربما مبتذلة، والأمر خاص جداً - كما نرى - ولكن التافه المتكرر مأساة ، والخاص ينعكس على العام، وبيوتنا المسلمة التي نطمح أن تؤسس في مجموعها مجتمعاً مسلماً حقاً، لا يمكن أن تكون على مستوى هذا الطموح، ورجالها لا يرون في الزواج سوى مدخل للإشباع الغريزي، ونساؤها يتعذبن بإحساسهن بأن الأزواج اختزلوهن إلى مجرد أجساد لا تشعر ولا تفكر.
وإذا كان الإعفاف والإحصان من الأغراض الأساسية للزواج في الرؤية الإسلامية، فإن إهمال باقي الأهداف وتجاهلها يجرد هذه الرؤية من تميزها وتكاملها، ويخليها من عنصري المودة والرحمة، وهما العنصران اللذان يهوى بدونهما الزواج مهما كان إطاره الجسدي متيناً راسخاً.
وحينما استنكر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن يضرب الرجل المرأة نهاراً ثم يجامعها ليلاً وكأن شيئـًا لم يحدث، كان يرمي ـ والله أعلم ـ إلى أن الزواج علاقة شاملة متكاملة، وأن إهدار إنسانية المرأة، وعدم احترام مشاعرها، وكذلك تحقير عقلها، يصيبها بالجراحات النفسية، التي لا يضمدها إشعارها في لحظات بعينها أنها ملكة متوجة على عرش الجمال، والفتنة، والأنوثة.
العلاقة الخاصة في الزواج ليست المنفذ الوحيد لإظهار المشاعر الجميلة نحو الزوجة، وليست لحظة ابتزار مادي، إنها تتويج لعلاقة معنوية وعقلية وشعورية ناجحة، لا يصلح الجماع وحده لصنعها.
والذين يقدمون لأنفسهم بالبشاشة، والرقة، واللين، في لحظاتهم الخاصة، لن يخسروا شيئـًا إن ادخروا بعض هذه المشاعر الحلوة لباقي اليوم صفواً، وفهماً، واحتراماً، وحباً .
وباسم كل من اجترأن وشكون ومن يعانين في صمت، أقولها لرجالنا المسلمين: المرأة السوية كيان لا يتجزأ، كيان يتكامل نصفاه الأعلى والأسفل، وفي النصف الأعلى قلب وعقل.