أحوال الطفل المهمل
د. حميد مسرار

الأطفال هبة الله ووديعته التي استودعها عباده، فهم بهجة الدنيا وزينتها، وهم مستقبل الأمة وحاملو لواء حضارتها، إنهم العالم المليء بالبراءة والطهر والنقاء، هم رجال ونساء الغد، الذين تعقد عليهم الآمال في حمل مشعل الأمة،
والدفاع عن الحق في سبيل إعلاء كلمة الإسلام. لذلك عني الإسلام بالطفل عناية خاصة، فشرع له من الحقوق ما يكفل سعادته، ويحفظه من الانحلال الخلقي، بل يقومه على المنهج الرشيد والسلوك السوي، عاهدا أمره إلى أسرة
يربطها رباط مقدس، تضمن له البقاء، وتحقق له السعادة.


إلا أن بعض النفوس الضعيفة أبت إلا أن تسير في ركاب الغرب حيث سار، فأقبلت على الملذات وتكالبت عليها، ضاربة عرض الحائط كل القيم والأعراف، ما ضعضع أركان الأسرة، وهدم بنيانها، فكانت ثمرة ذلك أطفال مصيرهم
الإهمال والضياع، أطفال شاءت لهم الظروف أن يولدوا في جو لا يحتفي بهم، ولا تطلق الزغاريد عند حلولهم ضيوفا جددا على هذا العالم، صغار رمت بهم الأقدار على أرصفة الشوارع أو أبواب المساجد والمستشفيات، ليجدوا
مؤسسات خيرية محضنا لهم، بل مستقرهم إلى حين ظهور كافليهم أو آبائهم.
وعليه فقد اعتنى الإسلام بالطفل عناية بالغة، لا أقول منذ ولادته، بل قبل أن يولد، فالإسلام حرم السفاح وشرع النكاح، ودعا إلى تكوين الأسرة من أجل الطفل حتى ينشأ في ظل محضن سليم، وفي رحاب أبوة راعية وأمومة حانية،
وينال حقه من حسن التربية، ونظرا لما قد يحدث من إشكالات قد توجده بعيدا عن محضنه الأصلي؛ إما لقيطا أو يتيما، يوسم مهملا في مراكز خيرية، فالتعريف بهم وبإشكالاتهم، بل الأسباب المؤدية إلى إهمالهم واجب شرعي على
الأفراد والمجتمع أن يقوم به تخفيفا من الظاهرة، بل معالجة لها من مهدها، لتنشئة جيل يعتز بأسرته، وينتمي إليها عاطفيا، فينعكس ذلك على انتمائه لوطنه وأمته.
اللقيط وأحكامه

عرفه ابن قدامة بأنه الطفل المنبوذ، ثم قال: «واللقيط بمعنى الملقوط، فعيل بمعنى مفعول، كقولهم: قتيل وجريح وطريح» (1).
وعرفه السرخسي بقوله: «مولود طرحه أهله خوفا من العيلة، أو فرارا من تهمة الريبة» (2).
أما الكاساني فقال: «لغة فهو فعيل من اللقط، وهو اللقطاء بمعنى المفعول، وهو الملقوط وهو الملقى أو الأخذ والرفع، وأما العرب فتقول هو اسم للطفل المفقود، وهو الملقى أو الطفل المأخوذ والمرفوع عادة، فكانت تسميته لقيطا باسم
العاقبة، لأنه يلقط عادة، أي يؤخذ ويرفع، وتسمية الشيء باسم عاقبته أمر شائع في اللغة، قال الله تعالى: {نِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} (يوسف:36)، وقال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} (الزمر:30) (3).
وقد اختلف الفقهاء في تفسيره، فذكر بعضهم أن المنبوذ من طرح عندما ولد، وشأنه فيمن ولد زنا، واللقيط ما طرح في الشدائد والحرب لا عندما ولد، وهذا ما قاله مالك رحمه الله، فيمن قال لرجل: يا منبوذ، قال: لا يعلم منبوذ إلا ولد الزنا
(4).
أحكامه:

يعد اللقيط حرا، لأن الحرية هي الأصل في الناس، وولاؤه للمسلمين، ويحكم له بحكم الإسلام إن كان التقاطه في ديار المسلمين، وينبغي للملتقط الإشهاد على التقاطه، حتى لا ينسب إليه كولده (5).
يقول ابن رشد الجد في المقدمات الممهدات: «وقد اختلف في اللقيط، إنه عبد لمن التقطه، وقيل: إنه حر وولاؤه للمسلمين، وقيل: ولاؤه لمن التقطه، لأنه لا يخلو من أن يكون ابن أمة، فهو لسيدها لا ينتقل ملكه عنه، إلا بما تنتقل به
الأملاك، أو يكون ابن حرة فهو حر، والصواب الذي عليه أهل العلم أنه حر، لأن الناس كلهم من آدم وحواء، فالأصل الحرية، وذلك مروي عن عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" أنه قال: «المنبوذ حر، وقال علي "رضي الله
عنه" : اللقيط حر وتلا قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} (يوسف:20) وموضع الحجة في الآية أن اللقيط لو كان مملوكا لمن التقطه لما احتاجوا إلى شرائه (6).
أما نسبه، فيعد مجهولا إلى أن يثبت العكس، فإن دعاه أحد، سمعت دعوته، وأما علاقته بمن التقطه فهو أولى بإمساكه من غيره، حتى يكبر، ونفقته من بيت المال، إذا لم ينفق عليه الملتقط استدلالا بحديث متين أبي جميلة أنه قال: وجدت
منبوذا على بابي فأتيت به عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" فقال عمر: هو حر، ونفقته علينا (7).
اليتيم وأحكامه

اليتيم هو الذي لا أب له، ما لم يبلغ الحلم، أي حتى تنتهي مرحلة الطفولة، ويصبح رشيدا، وقد روي عن رسول الله " صلى الله عليه وسلم" «لا يتم بعد احتلام».
ولقد جاء ذكر اليتامى في القرآن الكريم بالجمع والمفرد ثلاثا وعشرين مرة، منها خمسة مواضع تكون أحكاما شرعية واجبة التنفيذ قضاء، وأحد عشر موضعا تكون أحكاما شرعية واجبة النفاذ ديانة فقط، والنوع الأول خاص بأموال
اليتيم، والثاني خاص بالحث على حسن معاملته (8).
وعليه فقد جاءت أحكام الشرع تدعو إلى حفظ ماله وحسن معاملته.
حفظ ماله

لقد جاء التشديد في تحريم أكل أموال اليتامى في القرآن الكريم والسنة النبوية، قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (الأنعام:152)، ويقصد بذلك أن الولي أو الوصي على اليتيم يجب عليه إدارة أموال
اليتيم إدارة حسنة، ولا يأخذ منها إلا بحق كما في قوله عزوجل: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.} (النساء:6).
ويمنع الشرع التعدي على أموال اليتيم لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } (النساء:10).
لذا على الوصي رد المال إلى اليتيم عند بلوغه سن الرشد، قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} (النساء:6)، وقوله عزوجل: {وَآتُوا الْيَتَامَى
أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} (النساء:2).
بل أمر الأوصياء والأولياء بتنمية أموال اليتيم، فضلا عن الحفاظ عليها وعدم المساس بها، أو الأكل منها، فقد روي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من ولي يتيما فليتاجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة».
< حسن معاملته:

لقد راعى التشريع حق الأيتام في: الاعتناء بهم وحسن معاملتهم، فحث على إعطائهم شيئا من التركة، مع أنهم غير وارثين، لقوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} (
النساء:8).
كما حذر من الإساءة إليه، حيث أخرج الإمام البخاري في كتابه: «الأدب المفرد، وابن ماجه في سننه» عن أبي هريرة أن الرسول " صلى الله عليه وسلم" قال: «خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في
المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه» (9).
ومما تقدم يتضح أن الشريعة الإسلامية قد استهدفت أن ينشأ اليتيم فردا صالحا كريما عزيزا، لا يشعر بالعزلة أو المهانة بين أفراد المجتمع، وفي سبيل ذلك حذرت من تحقيره أو الاعتداء عليه، أو على ماله، بأبلغ عبارات التهديد
والوعيد، بل أمرت بحمايته ورعايته والإحسان إليه، وإكرامه بما لا مزيد بعده.
من هنا سيكون المجتمع في مأمن من انحراف اليتيم وتشرده، إذا راعى حقوقه التي كفلتها له الشريعة الإسلامية.
الإهمال: أسبابه ونتائجه

من أهم أسباب الإهمال ما يلي:

أ- الأسباب الاقتصادية

ويمكن إجمالها في الفقر والبطالة

1- الفقر
يعد الضيق الاقتصادي عاملا أساسيا في إهمال الأطفال والتخلي عنهم، ذلك بأن الفقر من شأنه أن يؤثر سلبا على تماسك الأسرة وتكاملها، فعجز الأب أو رب الأسرة عن تلبية مطالب وحاجيات أبنائه من مسكن وملبس وغذاء وصحة،
قد يدفع به إلى إهمال أبنائه مكرها تحت ضغط ظروف لا حول ولا قوة له بها.

2- البطالة
نعني بالبطالة عدم توفر العمل بصفة دائمة، أو توفره بصفة متقطعة، مما يؤدي إلى الشعور بعدم الاستقرار والإحباط، فعدم التوفر على دخل كاف يؤثر سلبا على الأبناء، وذلك بحرمانهم من إشباع حاجاتهم المادية والمعنوية، حيث يقيم
الطفل مقارنة بينه وبين أقرانه، ليخلص إلى مأساة نفسية تعود عليه وعلى أبويه بما لا يقدران عليه، فيؤدي ذلك إلى إيداعه بإحدى المراكز.
ب- الأسباب التربوية

قد يغفل الآباء جانب التربية، مكتفين بما هو اقتصادي، ظنا منهم أن الابن لا يحتاج إلا إلى الملبس والغذاء، ومما يمكن ملاحظته والوقوف عنده في الواقع ثلاثة أمور، ألا وهي:

1- الحماية المفرطة للطفل
فالإهمال قد ينتج بسبب العناية المفرطة، وذلك بإرضاء حاجات الطفل إرضاء تاما، وإظهار الحب والعطف له، مما يؤدي به إلى استغلال هذا الاتجاه في السيطرة على والديه، فهذا النوع من المعاملة يمنع نضج الطفل الاجتماعي،
ويحول دون تحرره، والتدرب على الأخذ والعطاء، فينعكس ذلك سلبا على شخصيته.

2- شدة الضبط وغياب الحوار
يتجسد في رغبة الآباء فرض تعاليم صارمة ودقيقة، مجبرين الأبناء على اتباعها، وكل مخالفة لهذه التعليمات تقابل بعقاب من قبل الأب، مما يؤدي بالطفل إلى الإحساس بالظلم والقهر، فيقع فريسة سهلة للحيرة والضياع والقلق،
ويدفعه هذا الشعور إما إلى الانقياد أو الخنوع، أو إلى العصيان والتمرد حين تسمح له الظروف.

3- إحساس الطفل بالرفض من قبل والديه
حيث يتمثل في عدم الاهتمام بالطفل، وإهمال متطلباته المادية والمعنوية، والتقصير في إظهار العطف والحنان والرعاية اللازمة، أو الشعور بعدم الرغبة فيه، وبكونه يشكل عبئا ثقيلا على كاهل الأسرة، وأن ميلاده كان نتيجة خطأ،
أو سوء تقدير، إضافة إلى انشغال الوالدين عن الأبناء، وعدم تخصيص أوقات معينة لهم.
ج- التفكك العائلي

يشكل التفكك العائلي تهديدا وتعطيلا للدور الطبيعي للأسرة في التربية ورعاية الأبناء، فعرفه بعضهم بأنه «تصدع الأسرة» في حالة تعدد الزوجات، أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما أو الطلاق، وأطلق عليه البعض الآخر تعبير
البيوت المحطمة بسبب الطلاق، أو الفراق، أو موت أحد الوالدين أو كليهما، بينما أطلق عليه فريق ثالث «الأسرة المحطمة» التي تتحطم بالطلاق، أو بالمشاجرة المستمرة، أو الوفاة، أو السجن لأحد الوالدين، أو غيابه بصورة
مطردة، وفريق آخر يطلق عليه تعبير «التفكك العائلي» أو «التفكك الأسري». غير أن هذا التنوع في الألفاظ لا يخرج عن كونها جميعا تشترك في معنى واحد (10).
إن الحياة المضطربة وتفكك الروابط الأسرية وكثرة الخلافات، من شأنه أن يؤثر سلبا على الأطفال، مما يجعلهم عرضة للضياع والتمزق، الشيء الذي يؤدي بهم إلى الإهمال.
د- الفساد

حيث تفشى بنسب كبيرة في المجتمع العربي، ومن بين أسبابه.
1- ما يبث في وسائل الإعلام

إن ما يبث في وسائل الإعلام من سموم مقصودة تؤدي إلى التقليد الأعمى، وهذا ما يلاحظ في صفوف المراهقين الذين يقلدون الممثلين والمغنين في اللباس والمظهر، ويتهافتون على أحدث صيحات الموضة، ظنا منهم أنهم يسايرون
التطور، مستبيحين لأنفسهم علاقات غير شرعية، يكون ثمرتها أطفالا أبرياء، مصيرهم الإهمال والضياع.
2- عدم مراقبة الآباء لأبنائهم

انشغال الآباء عن أبنائهم يجعلهم عرضة للفساد، لما لأصدقاء السوء من أثر جلي على نفسية الأطفال، فعن أبي موسى الأشعري "رضي الله عنه" ، أن النبي " صلى الله عليه وسلم" قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء
كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا نتنة» (صحيح مسلم).
نتائج الإهمال

لا مراء في أن لإهمال الأطفال نتائج وخيمة، تؤثر سلبا على شخصية الطفل، تبعا لنشأته في أوضاع غير متزنة وفي مناخ يطبعه التوتر وعدم توفر الشروط الموضوعية للنمو السوي، فيكون بذلك مهددا لولوج مختلف دروب الانحراف
والإجرام، لتقبر سواعد كان يمكن أن يعول عليها في بناء المستقبل.
1- الآثار النفسية للإهمال

إذا تعددت مواقف الحرمان، وزادت شدتها، فإن الطفل يمكن أن يفقد توازنه النفسي فيصاب باضطرابات تعيب شخصيته، وتكون مصحوبة بقلق واكتئاب، وشعور بعدم الاستقرار، تجعله من غير الممكن أن يدرك الواقع إدراكا
صحيحا، مما يدفع به إلى الميل نحو العزلة والانطواء، فاقدا بذلك الثقة في كل من حوله لعدم شعوره بالأمان، إلى أن يصل إلى درجة الرغبة في إيذاء الآخرين بتمرده، لأنه شخص غير مرغوب فيه حسب اعتقاده.
2- الانحراف

أضحت ظاهرة انحراف الأطفال المهملين من أكبر الإشكاليات المطروحة، نظرا لخطورة العواقب التي تهدد مستقبل الناشئة، متخذة تجليات عدة نذكر منها:
< الإدمان على المخدرات

حيث يلجأ إليها الكثير من الشباب لتسكين القلق، وتناسي الأزمات النفسية التي يعيشونها.
< الاستغلال الجنسي

شهدت هذه المشكلة تناميا ملحوظا خاصة مع تصاعد موجة الفساد، ما جعلها مادة للندوات والمؤتمرات الدولية، ولكن ما يجب الإشارة إليه هو ذلك الصمت الرهيب الذي ساهم فيه كل من المجتمع المدني والضحايا، في مقابل الأعداد
الهائلة من الأطفال الذين يتعرضون للاستغلال الجنسي.
< التشرد

المتشرد هو من لم يكن له محل إقامة مستقر ولا وسائل للعيش، ولا يتعاطى عادة صناعة ولا حرفة، فالشارع ملاذهم الوحيد الذي لا بديل لهم عنه، فيه وجدوا الرفيق الذي احتضنهم بعد أن ضاقت بهم كل السبل، وأغلقت في وجوههم كل
الأبواب، فلفهم بين جناحيه، ومنه تجرعوا القطرة الأولى للتشرد، إنهم أطفال مازالوا في عمر الزهور، أذاقتهم الحياة كل أنواع الحرمان العاطفي والمادي، فلم يجدوا بديلا عن التشرد، واختاروا الشوارع والأزقة، ومن أدبياتها تعلموا،
فتنامي ظاهرة التشرد قاد إلى ظهور مآس أخرى، تمثلت خاصة في امتهان التسول كوسيلة لضمان لقمة العيش، الأمر الذي يدفع إلى إعادة التفكير في السياسات الاجتماعية المتبعة، وتحسين الظروف المعيشية، وخلق مراكز لإيوائهم،
تتم فيها إعادة تكوينهم واسترجاع ثقتهم بنفسهم، كخطوة أولى لتقليص حدة هذه الظاهرة.
وللحد من هذه الظاهرة لابد من البحث عن حلول ناجعة. من بينها ما يلي:
< خلق منظومة اقتصادية متكاملة، للحد من ظاهرة الفقر، التي تعد من أهم روافده.
< ترسيخ معالم الدين الإسلامي في الأسرة والمجتمع، وذلك ببناء الأسرة على تعاليم الدين الإسلامي، سواء من حيث اختيار الزوج أو الزوجة، أو من حيث التربية الملقاة على عاتق الآباء.
< تصميم وتنفيذ حملات إرشادية عبر وسائل الإعلام المختلفة، والوسائل الإرشادية الأخرى، كإعداد كتيبات ونشرات، وتنظيم الزيارات الميدانية، وتنظيم الندوات وورش العمل الموجهة نحو أفراد المجتمع وأسره بشكل عام.
< تشجيع الزواج له ارتباط وثيق بالمنظومة الاقتصادية، فدحض أعراف البذخ تجعل الزواج ميسرا، مما يضيق دائرة هذه الظاهرة.
< القيام بدراسة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية المساهمة بشكل كبير في ظاهرة التفكك الأسري.
< التنسيق مع الجهات والمؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة ذات العلاقة والاهتمام، بهدف توفير الأوضاع والظروف الصحية والنفسية والاجتماعية، التي تساعد على تجنب وقوع المشكلة.


الهوامش


1- الإمامان: موفق الدين وشمس الدين بن قدامة: «المغني والشرح الكبير على متن المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل» الجزء 6، دار الفكر، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م، ص 403.
2- الإمام علاء الدين أبوبكر بن مسعود الكاساني الحنفي: «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» الجزء 6، دار العربي، بيروت - لبنان، ص 197.
3- المرجع نفسه، ص 198.
4- أبوعبدالله محمد الأنصاري المشهور بالرصاع: «تحقيق محمد أبوالأحقاف والطاهر المعموري، شرح حدود بن عرفة» الجزء 2، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1993م، ص 565.
5- الإمام أبي الوليد محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» الجزء 2، دار القلم، بيروت - لبنان 1408هـ-1988م، ص 309.
6- أبوالوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي: «المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات» تحقيق أحمد أعراب، الجزء الثاني، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، ص 476.
7- السرخسي، «المبسوط» الجزء 7 ص 177.
8- محمد عبدالجواد محمد «حماية الطفولة والأمومة» منشأة المعارف الإسكندرية، 1990م، ص 37.
9- عبدالكريم زيدان: «المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية» الجزء 8، مؤسسة الرسالة، ص 104.
10- جعفر عبد الأمير ياسين: «آثار التفكك العائلي في انحراف الأحداث، عالم المعرفة، بيروت، ص 22-23.