أخطر أنواع الكذب



هدى محمد نبيه





الشائعات هي نوع من أخطر أنواع الكذب، و هي إظهار ونشر للأخبار من غير تثبت وتحرٍ للصواب، وكم من الإخوة والأخوات من يقوم بتوزيع وترويج عشرات الرسائل يومياً دون تثبت أو تروّ، ومن أكثر الوسائل التي تستخدم في ترويج الشائعات هي مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى قدر ما لها من أهمية كبرى في العلاقات بين الناس، إلا أنها قد تستخدم في الشر أيضا، ومن وسائل استعمالها في الشر بث الشائعات بألوانها المختلفة وبريقها الخادع ومبرراتها الملتوية المصحوبة بالكذب والخداع وبث بذور الفتنة في المجتمعات.

ولقد حذر علماء الدين من خطر الشائعات على أمن واستقرار المجتمع العربي والإسلامي، في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها بعض الدول العربية، حيث تكثر وتنتشر الشائعات المدمرة والمحرضة على الفتنة وتسيل بسببها دماء الأبرياء.



الحكم الديني في من يروج الشائعات:

منذ قرابة قرن ونصف، جاءت التعاليم الربّانية إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - بحرمة ترويج الشائعات، ووجوب التثبت من الأخبار قبل نشرها، ولم يكن في عصرهم لا جريدة ولا هاتف ولا وسيلة إعلامية قوية تعادل قيمتها واحد بالمائة من قوة سلاح عصرنا الجديد الإنترنت، وهو أولى وأدعى للمسلمين في هذه الأيام بتدبر هذا النهي الرباني والتوجيه النبوي.

فقد قال الله - تعالى -: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة)، ويظن البعض هنا أن الآية تعني إباحة نقل الأخبار من غير الفاسق (أي الملتزم بتعاليم دينه)، ولكن قراءة سبب نزول الآية تؤكد أنها جاءت لتحذر من أي خبر فيه تهويل أو تزييف بغض النظر عن مروّجه.



ولكن ما هو السر وراء نهي الإسلام عن ترويج الشائعات؟

سر نهي الإسلام عن ترويج الإشاعات نجده في الكثير من الأسباب، فقد تروّج شائعة تتسبب في هزيمة جيش، أو قيام حرب، أو قتل نفس، أو إفساد في الأرض، أو إقامة بدعة لا أصل لها أو هدم سنة ثابتة في الشرع، أو صرف المسلمين عن قضية من قضاياهم المصيرية. وقد يكون مصدر الإشاعة غير المسلمين وكتبت بما يوحي الحرص على الإسلام، فينخدع بها المسلمين ليكونوا جنودا في ترويجها.

كما أن الانشغال بإشاعة الأخبار السيئة، وتضخيم أخطاء الناس، والحرص على تصيدها ومتابعتها والتفكه بعرضها في المجالس يشيع الاضطراب والقلق في النفوس، ويكون من باب إشاعة الشعور بالإحباط واليأس عند كثير من الناس، ومن باب نشر الفتنة، وتهوين نقلها بين الشباب، وربما قاد ذلك إلى تهوين ارتكابها في نفوسهم، يقول الله - تعالى - في سورة النور: ((إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)).



كيف يتعامل المسلم مع الشائعات؟

والجواب: إن القرآن الكريم والسنة النبوية رسمت لنا طريقاً واضحاً للتعامل مع الشائعة يتجلى ضمن ما يلي:

1 - التثبت والتبين دون قبول مضمون ما في الشائعة وعدم العمل بمقتضاها؛ قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) الحجرات.



2 - مشاورة المختصين والرجوع إلى المصادر الموثوقه قبل نشر الخبر؛ فمن الخطر الجسيم إعادة نشر أي خبر قبل التثبت من مصدره ومن مضمونه ومن الهدف منه وما قد يترتب عليه، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى ذم المنافقين بإذاعة الأخبار الكاذبة؛ قال الله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ هُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].قال العلامة ابن كثير رحمه الله في تفسيره:"قوله:{وإذ ا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.



3 - ظن الخير بالغير والتماس العذر للآخرين ما أمكن؛ قال الله تعالى) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات ُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْر وقالوا هذا إفك مبين..( [النور:12]. وإن التماس العذر للآخرين من محاسن الأخلاق.



4 - الستر مطلوب وهو أنفع من التشهير ولو مع فرض صحة الخبر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعين أحداً عندما ينتقد سلوكاً معيناً منه.

ولا شك أن المجتمع المسلم في زماننا هذا بحاجة إلى جهود كبيرة لانتشاله من كثير من العادات المنحرفة المسيطرة عليه سواء أكانت عادات متوارثة أو مكتسبه، ومن أكثر هذه العادات سوءا وأكثرها انتشارا هي ترويج الشائعات، فعلينا التخلص من تلك العادة وذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء كذبا» وفي رواية: إثما أن يحدث بكل ما سمع».....