شرح مشكل الوسيط لابن الصلاح








التعريف بالكتاب:

الفن: الفقه الشافعي.

سنة النشر: 1432هـ - 2011م.

رقم الطبعة: الأولى.

عدد المجلدات: (4 مجلدات).

إصدار: دار كنوز إشبيليا.


التعريف بالمصنف الإمام ابن الصلاح الشهرزوري (577-643هـ/ 1181-1245م)

اسمه ونسبه: هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي النصر الشهرزوري الكردي الشرخاني، أبو عمر، تقي الدين، المعروف بابن الصلاح، أحد المقدمين في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، ولد في شرخان قرب شهرزور، ولقب أبيه الصلاح، حفظ القرآن في بلدته وجوده، وتفقه على والده الصلاح أبي القاسم عبد الرحمن (نحو 539-618هـ)، وكان والده عالما، فقيها، مفتيا من جلة مشاهير شيوخ الكرد، وشيخ شهرزور في وقته، وكان قد دخل بغداد، واشتغل بها على شرف الدين أبي سعد ابن أبي عصرون، وتفقه بها، ثم سكن حلب، وتولى فيها تدريس المدرسة الأسدية، وتوفي بها.
تكمن أهمية الكتاب كونه معدودا ضمن الكتب الخمسة التي يدور عليها الفقه الشافعي

نشأته وثقافته: ظهرت نجابة ابن الصلاح منذ الصغر، فنقله والده إلى الموصل، فسمع الحديث من ابن السمين أبي جعفر عبيد الله بن أحمد الوراق، وقرأ عليه كتاب "المهذب" لأبي إسحاق الشيرازي في فقه الشافعي، وهو غض الصبا لم يطر شاربه. ومن شيوخه في الموصل: نصر الله بن سلامة الهيتي المقرئ، وعبد المحسن بن عبد الله المعروف بـ "ابن الطوسي"، ثم لزم شيخه العماد أبا حامد محمد بن يونس الإربلي الموصلي، إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف، ومدرس النظامية، ومصنف "المحيط" في فروع الشافعية.

وبعد أن أقام ابن الصلاح بالموصل زمنا، سافر إلى بغداد، وله بضع وعشرون سنة، وسمع الكثير من علمائها، ثم سافر إلى همذان، ونيسابور، ومرو في خراسان، وسمع من كبار علمائها، ثم دخل إلى بلاد الشام حوالي سنة (613هـ)، فسمع من كبار علماء حلب ودمشق، ثم أتى بيت المقدس، فتولى التدريس بالمدرسة الناصرية المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وأقام بها مدة، واشتغل الناس عليه وانتفعوا بعلمه.
ثم انتقل ابن الصلاح إلى دمشق، وتولى التدريس في المدرسة الرواحية التي أنشأها الزكي أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد بن رواحة الحموي، ولما بنى الملك الأشرف ابن الملك العادل بن أيوب دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه، واشتغل الناس عليه بالحديث، ثم تولى التدريس في مدرسة ست الشام زمرد خاتون بنت أيوب، وهي شقيقة شمس الدولة توران شاه بن أيوب، وأخت صلاح الدين، وكانت تلك المدرسة تقع داخل البلد قبلي البيمارستان النوري، وكان ابن الصلاح في عمله مثالا للعالم المخلص.
مكانته العلمية: نال ابن الصلاح مكانة علمية مرموقة بين علماء عصره، وبرز في علوم التفسير والحديث والفقه؛ إنه جمع في الفقه الشافعي بين طريقي المذهب (الخراساني والعراقي)، وروى في الحديث أمهات الكتب عن كبار مشايخه، وشهد له علماء عصره بغزارة العلم، وعمق النظر، وسعة الإطلاع.
قال تلميذه المؤرخ القاضي ابن خلكان في "وفيات الأعيان": "كان أحد فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة، وكانت فتاويه مسددة، وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم".
وقال تلميذه الفقيه الحنبلي صفي الدين أبو الصفاء المراغي: الشيخ الإمام الفقيه الحافظ ذو الفضائل.... أحد الأئمة المشهورين، والعلماء العاملين، والحفاظ المذكورين، جمع بين علوم متعددة: علم الفقه، وعلم أصوله، وعلم الحديث، وعلم العربية، مع ما أوتي من التحري والإتقان والتحقيق، مضافا إلى سلوك طريقة السلف، معظما عند الخاص والعالم، ولم أر مثله بعد شيخنا الإمام أبي محمد بن قدامة المقدسي".
وأشاد به الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه "تذكرة الحفاظ" قائلا: "كان ذا جلالة عظيمة، ووقار وهيبة، وفصاحة وعلم نافع، وكان متين الديانة، سلفي الجملة، صحيح النحلة، كافا عن الخوض في مزلات الأقدام، مؤمنا بالله وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته، حسن البزة، وافر الحرمة، معظما عند السلطان".
وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي في كتابه "البداية والنهاية": "هو في عداد الفضلاء الكبار، وكان دينا، زاهدا، ورعا، ناسكا، على طريقة السلف الصالح كما هو طريقة متأخري أكثر المحدثين، مع الفضيلة التامة في فنون كثيرة".
من مؤلفاته:

المقدمة في علوم الحديث.
شرح صحيح مسلم.
الأمالي.
النكت على المهذب، لأبي إسحق الشيرازي.
شرح مشكل الوسيط، لأبي حامد الغزالي.
صلة الناسك في صفة المناسك.
الفتاوي.
أدب المفتي والمستفتي.
طبقات فقهاء الشافعية.
المنتخب من كتاب المذهب في ذكر شيوخ المذهب للمطوعي.
حلية الإمام الشافعي.
الرحلة الشرقية (فوائد الرحلة).
وفاته: وتوفي ابن الصلاح سنة (643هـ) في دمشق، فازدحم الناس على نعشه، وصلي عليه مرتين، ثم شيعوه إلى مقابر الصوفية.
منهج ابن الصلاح في كتابه المشكل:


لم ينص رحمه الله في مقدمة كتابه على منهجه في الكتاب، غير أنه يمكن أن يبرز على النحو الآتي:
أولا: ضبط النص: حرص ابن الصلاح على تحري الصواب لضبط متن الوسيط، وإثبات الأصح فيه، ويظهر ذلك فيما يلي:

اعتماده على عدة نسخ للوسيط، ومقارنته بينها، وتوجيه ما فيها من اختلافات، مع إثبات الأصح من النسخ.
وقوفه على نسخة للوسيط بخط الغزالي.
رجوعه في الغالب إلى أصلي الوسيط: نهاية المطلب للجويني، والبسيط للغزالي، وذلك للضبط والتقويم.
ثانيا: شرح مشكل النص: لم يذكر ابن الصلاح ضابطا اتخذه وسار عليه في استخراج المشكل من الوسيط ثم شرحه، إلا أنه يمكن أن يستشف منهجه فيه كما يلي:

يورد من لفظ الوسيط ما ظهر فيه إشكال، ثم يزيل إشكاله.
يبين بالصورة والأمثلة ما فيه غموض وإبهام.
يهتم كثيرا بضبط ما قد يغلظ فيه من حيث الشكل، أو الأعلام أو أسماء الأمكنة.
يلتمس الأعذار والمخارج لما في الوسيط من مؤاخذات.
يقوم ألفاظ الوسيط التي يرى أنها لا تؤدي المعنى الذي أراده منها الغزالي.
يقيد ما يطلقه الوسيط وقد يكون في إطلاقه إشكال.
يتمم ما يراه ناقصا من كلام الغزالي، مما يكون في نقصه خطأ أو خلل في المعنى.
يحذف ما يراه زائدا، مما توجب زيادته خللا في ضابط أو غيره.
يصحح ما ينسبه الغزالي من الأقوال أو الأوجه مع بيان المشهور والأصح في كثير من الأحيان.
قد يدلل لما يذكره الغزالي من غير دليل.
ينص في الغالب على نقولاته، فيقول مثلا: قال صاحب الحاوي أو صاحب المهذب: كذا وكذا.
قد يثبت فوائد مهمة لم يتعرض لها الغزالي.
يصحح ما وهم فيه الغزالي من نسبة أقوال وغيرها.
ينتصر بشدة للمذهب، ويحشد الأدلة على صحته.
ينتصر للأحاديث وإن خالفت المذهب.
ثالثا: منهجه في الأحاديث: من ذلك:

يذكر من أخرجها، ويقتصر في الغالب على الكتب الستة، ولا يتعداها.
يذكر راويها من الصحابة.
يحكم عليها صحة وضعفا.
يعتمد في أحكامه على البيهقي في كتابيه السنن الكبرى والسنن والآثار.
يبين سبب الضعف في الغالب.
من موارد المصنف في كتابه: هي كثيرة جدا، ومنها على سبيل الإيجاز:
اعتمد رحمه الله على جملة مصادر منها:
الإبانة عن أحكام فروع الديانة للفوراني.
أحكام القرآن للشافعي.
الأحكام للإشبيلي.
إحياء علوم الدين للغزالي.
اختلاف الحديث للشافعي.
اختلاف العراقيين للشافعي.
الاستذكار للدارمي.
الإشراف على غوامض الحكومات للهروي.
الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر.
الإفصاح لأبي علي الحسن بن القاسم الطبري.
الأمالي لأبي الفرج السرخسي.
الأم للشافعي.
الأنساب للزبير بن بكار.
أهمية الكتاب:


تكمن أهمية الكتاب في كون متنه الذي هو (الوسيط) معدودا ضمن الكتب الخمسة التي يدور عليها الفقه الشافعي، وكتاب شرح المشكل فيه بيان لما أشكل من هذا المتن، ثم إن مؤلفه ابن الصلاح أحد كبار الأئمة المشهورين، عرف بمكانته العلمية بين علماء عصره، وشهد له الكبار بغزارة علمه وعمق نظره ودقة تحقيقه، مما يجعل الكتاب مهما في بابه، متميزا في فنه.
منقول