الإسراء والمعراج.. منحة ربانية


هدى محمد نبيه




تولد المنح من رحم المحن، وبعد العسر يأتي اليسر، وقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمحن كثيرة، فقريش أغلقت الطريق في وجه الدعوة في مكة، وأحكمت الحصار ضد الدعوة ورجالها، وفقد النبي صلى الله عليه وسلم، عمه الشفيق، وتجرأ المشركون عليه، وفقد زوجه الحنون التي كانت تواسي وتعين، ثم حوصر بعد ذلك ثلاث سنوات، في شعب أبي طالب، وما صاحبه ذلك من جوع وحرمان، وما ناله في الطائف من جراح وآلام.

ومع ذلك كله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في طريق دينه ودعوته، صابر لأمر ربه، ومع اشتداد المحن وتكاثر الأحزان، كان النبي صلى الله عليه وسلم في أمسّ الحاجة إلى ما يعيد له طمأنينته، ويقوّي من عزيمته، فكانت رحلة الإسراء والمعراج، مكافأة ومنحة ربانية، حيث أُسري به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم عُرج به إلى السماوات العُلى، ثم عاد في نفس اليوم.


دروس وعبر


ولنستعرض سويا، أهم الدروس المستفادة، من رحلة الإسراء والمعراج, هذه الرحلة التي سجلها القرآن الكريم، في سورتي الإسراء والنجم، واستفاضت أحاديث السنة النبوية المطهرة عنها:

1- تعلمنا أن الدنيا دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، وأن من عرفها، لا يفرح لرخاء، ولا يحزن لشقاء، وأن الله قد جعلها دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.

2- يعلمنا أن للمحن والمصائب حكما جليلة، منها أنها تسوق أصحابها إلى باب الله تعالى، وتلبسهم رداء العبودية، وتلجئهم إلى طلب العون من الله.

3- تعلمنا أنه لا ينبغي أن تصدنا المحن والعقبات عن متابعة السير في استقامة وثبات، فيجب أن نعتقد، أن الله تبارك وتعالى معنا، وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله، وأنه ناصر الفئة المؤمنة، وكما روى الإمام أحمد والطبراني، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

4- إبراز لأهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، فهو مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماء، وكان قبلة المسلمين الأولى طيلة الفترة المكية، وهذا يوضح لنا المكانة العظيمة للمسجد الأقصى خاصة، وفلسطين عامة، وأنه يقع على عاتقنا، مسئولية تحرير المسجد الأقصى من يد غاصبيه.

5- درس لأصحاب الدعوات، فإذا كان أنبياء الله عز وجل، يُتهمون بالكذب والسحر والجنون، فليس في ذلك غرابة بعد ذلك، أن يتهم الدعاة إلى الله في واقعنا، بالتطرف والإرهاب والرجعية والتأخر.

6- وفيه التنويه بمنزلة الصلاة، وأنها أصل الإسلام بعد الشهادتين، وفي كونها فرضت في السماء، إشارة إلى أن العبد عندما يصلي، فكأنما يسري بروحه إلى ربه، ولهذا ورد في الحديث: ".. فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده حين يصلي له ، فلا يصرف عنه وجهه حتى يكون العبد هو ينصرف". (أخرجه بن خزيمة).

وفي الحديث القدسي: "إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها له، يقول عبدي إذا افتتح الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم، فيذكرني عبدي، ثم يقول الحمد لله رب العالمين، فأقول حمدني عبدي، ثم يقول الرحمن الرحيم، فأقول أثنى علي عبدي، ثم يقول مالك يوم الدين، فأقول مجدني عبدي، ثم يقول إياك نعبد وإياك نستعين، فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، وآخر السورة لعبدي ولعبدي ما سأل". (أخرجه الدارقطني)

7- الأخذ بالأسباب وبالوسائل الشريفة والقوية لبلوغ المقاصد، ويتجلى ذلك، عندما أراد الله تعالي الإسراء بنبيه صلي الله عليه وآله وسلم، اختار له في رحلته دابة يركبها هي البراق، تضع حافرها حيث منتهى بصرها، كما أن لفظ البراق في ذاته يدل علي القوة والسرعة، والقدرة علي قطع المسافات الطويلة في وقت قصير, وتذكرة بالبرق الخاطف السريع المضيء، وتبلغ سرعته أكبر من سرعة الضوء، فالله سبحانه وتعالي يعلمنا، من خلال نبيه صلي الله عليه وآله وسلم، درس الأخذ بالأسباب التي تؤدي بالمطلوب.


وستظل معجزة ورحلة الإسراء والمعراج، مدرسة للمسلمين، يستلهمون منها الدروس والعبر.