قدِّريهم يقدروكِ



عادل عبدالله هندي





إنها حكمة أحب أن أحيا بها وقد تعلمتها في الحياة: "قدِّريهم يقدروكِ".

يعد هذا السلوك الإنساني من أهم الخطوات الجذابة العملية في كسب قلوب الناس، وقد أكَّد ذلك علماء العلاقات الإنسانية ورجال التنمية البشرية.

فمن وسائل الشخصية الإيجابية عند التعامل مع الأصدقاء والجيران والأهل، احترام الآخرين وتبجيلهم والاهتمام بأمرهم، ويُعَلَّل ذلك: بـ"أن ثلاثة أرباع من ستقابليهم غدًا من الناس ظمأى إلى عطفك وتقديرك، فأروي ظمأهم يهبوكِ قلوبهم جزاءً وفاقا".(1)

فكما أن الناس تطمح - بحكم الطبيعة - وتتلهف إلى تحقيق السعادة في الحياة، بتوافر صحة جيدة وغذاء وكساء، واكتفاء جنسي، ورفاهية للأهل والأقارب، فإن الناس كذلك تتلهف إلى الشعور بالأهمية والتقدير.

يقول توماس دورتي (رئيس بنك فليك بأمريكا): "إنها الطريقة التي يتعامل بها الناس يوميا، الناس يحبون معاملتهم على أنهم أفراد ويستحقون الاحترام". (2)

شرع حنيف ونبي رحيم ورؤوف:

إن ما سبق ذكره يتوافق بكل تأكيد مع نصوص الشريعة الإسلامية ومواقفها العظيمة الواقعية؛

ففي قصة عدي بن حاتم الطائي، وقدومه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد أن أُسرت أخته ثم أطلق سراحها النبي فأكرمها، ثم جاء أخوها عدي إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - وكان الاستقبال الكريم لعدي، رغم أنه كان كافرا، ولعل النبي تذكر مواقف أبيه (حاتم الطائي) - الرجل الكريم - فلما حضر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذه النبي وأدخله بيته وجاء بوسادته الخاصة ووضعها له ليجلس عليها، فقال عدي: بل أنت اجلس عليها، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لا، إنما هي لك!"، وَسُرَّ عَدِيّ بذلك، حتَّى أعْلَنَ إسْلامَه. (3)

فإن إعطاء الآخرين حقهم المناسب من المدح والتقدير - عند القيام بأي عمل متميز - نوع ودلالة على سعة الصدر ويؤكد الإحساس والشعور بالآخرين، كما أن هذا الاحترام والتقدير لا يكلف مالا ولا جُهْدًا شاقًّا.

ويؤكد كارنيجي أن معظم دراسة الفلاسفة وعلماء النفس - قديما وحديثا - قد أنتجت قاعدة مهمة في العلاقات الإنسانية وهي: "عامل الناس بما تحب أن تعامل به". (4)

نفحة نبوية

عَنْ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏أَنَّ ‏رَجُلًا أَسْوَدَا ‏‏أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ‏‏كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَالنَّبِيُّ ‏- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ‏عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: "أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي ‏بِهِ، ‏دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ - ‏أَوْ قَالَ: - قَبْرِهَا، ‏‏فَأَتَى قَبْرَهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا". (5)

فالسوداء الضعيفة جزء من الحياة الإسلامية، ويجب تقديرها. وإذا كان هذا حال التقدير للأموات، فكيف بالتقدير للأحياء؟

نموذج وعبرة:

معلوم شأن خالد بن الوليد قبل الإسلام من درجة عدائه البالغ للإسلام وأهله، بيد أن النبي عليه الصلاة والسلام قام بتقدير خالد بن الوليد – رضي الله عنه - وقد أرسل له كتابًا على يد أخيه الوليد بن الوليد، وكان قد دخل في الإسلام في عمرة القضية، "وأرسل الوليد إلى خالد رسالة وفيها: سألني رسول الله عنك - وكان خالد كافرًا وقتها - فقلت: يأتي الله به!!، فقال الرسول: "ومثله يجهل الإسلام؟!". يقول سيدنا خالد: "فلمَّا جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبةً في الإسلام، وسرَّني سؤال الرسول عنِّي، فعزمت الخروج لإعلان إسلامي وإتيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".

ومما نستفيده دعويًّا هنا أنَّ من فنون الدعوة الثناء على الآخرين ومدحهم وتقديرهم، وذكر المزايا التي يتميزون بها، والتي لو سخروها من أجل خدمة الخير والإسلام لكان خيرا لهم، بدلا من ضياع الأوقات وتسخيرها في الشر واللهو.





(1) ديل كارنيجي- كيف تكسب الأصدقاء، ص182.


(2) اكتشف القائد الذي بداخلك/ 142.

(3) ينظر القصة بأكملها في:- البداية والنهاية لابن كثير ج 3 / 127 : 129 ط. دار البيان العربي – مصر. وقد ورد طرف من القصة في البخاري – ك: المغازي – باب: قصة وفد وعدي بن حاتم (4394).
(4) كيف تكسب الأصدقاء/ 106.