الثقافة الراكدة


هند الزميع


إنّ ما يمر به الإنسان من متغيرات وظروف حياتية تؤثر غالبا على ثقافته سلبا أو إيجابا؛ فإما أن يرتفع المخزون الثقافي وتتسع المدارك والقدرات العقلية ومن ثم يكون هنالك مكسبا فكريا مميزا, وإما أن تدخل الثقافة فترة ركود لا حراك فيها, وهنا هي تحتاج إلى تحريك كي لا تموت مستسلمة للواقع الذي يعيش فيه صاحبها.
ومن هذا المنطلق يجب أن يلتفت الشخص لبيئته الثقافية ويحاول تكييفها وتحوير معطياتها لتخدم فكره وطموحاته, وترتقي به.
والطريق إلى ذلك هي أن يعرف الشخص أولا ماذا يريد؟، ويقوم بعمل تقرير عن واقعه, المعطيات والمفقودات التي تخدم ما يرنو إليه فيستفيد من المعطيات ويحاول إيجاد المفقودات, يبحث عنها أو يحاول توفيرها, وإن لم يستطع ذلك فليرتقي بنفسه حسب الإمكانات المتاحة والتي قد يكون غافلا عنها. أما أن يتناسى المعطيات ويشغل نفسه في البحث عن غير المتوفر فهذا طريق ممهد إلى الفشل وركود الثقافة وموت الإبداع, وهذا الصنف من الناس يحاول خداع نفسه بأنه يسعى للارتقاء بذاته وحقيقة هو يبحث عما ليس لديه فقط وعندها يضيع الوقت ويتقدم الركب وهو مازال في مكانه.
ومن الناس من يظلم ذاته فهو لديه مخزون ثقافي حقيقي ولكنه غير مستخدم وهذه مرحلة ركود ثقافي في أسوأ أحوالها؛ لأن الفكر ينمو بتبادل الأفكار لا بجمعها فقط.
إننا نلاحظ تأثير البيئة على الثقافة بصورة واضحة في الأطفال فمن حديثهم وطريقة تعاملهم نستقريء نوع البيئة التي يعيشون فيها وتعاطيهم مع تلك البيئة, وهذا يؤكد ضرورة توفير البيئة الفكرية الثقافية المناسبة للأطفال واختلاق الأفكار للادخار الثقافي لديهم, وحتى لو مروا مستقبلا بفترة ركود فإن أبسط عوامل الحراك الثقافي تستثير ما لديهم من مخزون ثقافي فتحركه وترتقي به, وتجعلهم أكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات الفكرية والثقافية وأكثر انتقائية بثقة.
فمن ينابيع الثقافة مجموعة الخبرات التي يكتسبها الشخص من البيئة المحيطة به .
إنه في زمن المعلوماتية والفكر لم يعد هناك مجال لأن نسمح للثقافة بالركود أو حتى أخذ قيلولة فكل ما حولنا في تسارع عجيب, والحراك الثقافي أكثر تسارعا من غيره فصار لزاما أن يتواكب الكل مع هذا الحراك لنصنع ثقافة نخبوية نميّز بها أجيالنا عمن يحيطون بهم في العالم لا أن نتركهم غنيمة باردة لثقافات حملت الغث والسمين تغذي به الأفكار.