لحياة مشرقة بعد الخمسين


هدى محمد نبيه



سن الخمسين.. من منا لم تفكر بل وتخاف من الوصول لهذا السن؟ ومن وصلت لهذا العمر كيف هي حياتها؟ إن كبر السن شيء صعب لا مفر منه، لذلك فإن التعبير عنه يصاحَب بنبرات من الحزن والأسى، وتتفاوت مشاعر النساء حينما تصل لهذا العمر، فمنهن من تشعر بأن العمر قد ضاع، ومنهن من تشعر أن ما تبقى من العمر ثمين وينبغي أن تستمتع فيه بكل ممكن ومستطاع، وهناك من النساء من ترى أن لا فائدة فيما تبقى من السنين وتراها قد عزفت عن كل شيء في حياتها فأهملت نفسها وذبل جمالها، وما عادت تتمتع حتى بلقمة هنية ولا بملبس جديد ولا برحلة طيبة، ورغم ذلك فإن أغلبية النساء يحرصن على إخفاء عمرهن أو ذكر حقيقته، ربما كان هناك شيء ما في داخلهن يرفض تقدم العمر ويخفن منه. هذه المخاوف وهذا القلق وتلك الظنون استثمرها كثيرون في ترويج أوهام للمرأة من أجل المحافظة على شبابها بعد هذا السن، لكن قد لا تعرف الكثيرات أن الحياة تبدأ بعد الخمسين، حيث يؤتي تعب السنوات الماضية أكله ويكبر الأولاد، وتصقل الخبرات.
والكثيرات منهن ما إن تصل إلى سن الخمسين حتى ينتابها القلق من كثرة ما يتردد عن التغيرات التي تصيبها في هذه السن، فما هي حقيقة التغيرات الصحية والنفسية والاجتماعية والعائلية التي ترافق المرأة في هذا السن؟.. وهل تعيش المرأة مع زوجها وأسرتها بنفس الحيوية والمشاعر التي كانت تعيش بها من قبل؟ وكيف يمكن للمرأة توظيف كل هذه المتغيرات لصالحها؟ ولنتعرف أولا على أهم المتغيرات التي تحدث للمرأة في هذه المرحلة العمرية:
1 – التغيرات الفسيولوجية: في هذه المرحلة من العمر تظهر على الجلد تغيرات ملحوظة، حيث يفقد طراوته وبريقه، ويصبح رقيقاً حساساً ومترهلاً، وبسبب ذلك تظهر حول الفم والعينين وعلى الرقبة أخاديد وترهلات ظاهرة للعيان بوضوح، كما يحدث أيضا انقطاع الطمث، وهذا الانقطاع يحدث في نفس المرأة رجة نفسية نتيجة هذا التغيير الفسيولوجي في الجسم، وتبدأ المرأة في الشعور بأن الدنيا لم تعد دنياها، وهذه الرؤى غير صحيحة، لأن جمال المرأة يبقى مع العناية لما بعد الستين وليس الخمسين فقط، فإذا حافظت المرأة على بشرتها وصحتها، واستفادت من التقنيات الحديثة بالطب والرشاقة والتجميل فإن قوامها عند الخمسين لن يختلف كثيراً عن قوامها عند العشرين، أضف إلى ذلك الحكمة التراكمية عبر أكثر من أربعة عقود من الزمان؛ لتصبح المرأة على أعتاب الخمسين تكاد تكون قد ملكت كل شيء في الكون من جمال جسدي وحكمة وإبداع فكري.
2 – التغيرات النفسية والعصبية: في هذه المرحلة تتعرض المرأة لأعراض مؤقتة، وأكثرها شيوعا القلق النفسي والتفكير الدائم بفقدان المرأة لجاذبيتها وشبابها، ويتولد الخوف من البدانة وتسيطر عليها أوهام الإحساس بزوال أهميتها، وينعكس ذلك على تصرفاتها فتصبح عصبية سريعة الانفعال تغضب لأتفه الأسباب وتبكي دون مبرر، وتفقد شهيتها للطعام، وقد تصاب بالنسيان وعدم التركيز، وقد تشتكي من التعب والصداع المستمر وتبدو عليها إمارات الحزن والأسى، وقد تتطور بعض الحالات للإصابة بالإكتئاب .وللتغلب على هذه الأعراض يجب على المرأة أن تتكيف مع الإجهاد العصبي وتمارس نوعا من التحكم في حياتها، فيجب أن تغير سلوكها وتبطئ من إيقاع عواطفها الانفعالية، فعليها التعرف على الأسباب التي تشعرها بالإجهاد العصبي ولا تأخذها مأخذ الجد وتعمل على الابتعاد عنها، كما يمكنها ممارسة بعض تمارين الاسترخاء، كأن تجلس في ركن هادئ وتغلق عينيها وتفكر في بعض الأمور المبهجة.
3 – التغيرات الاجتماعية والعائلية: قد تعيش السيدة أول تجربة للوفاة لها في سن الأربعين، فقد تفقد الأب أو الأم أو شخصا عزيزا .. بل وتبدأ في التفكير في هذه الحقيقة لا أدري كم باقي من العمر؟ وتتوقف حياة المرأة عند هذا التفكير، وتهمل أصدقاءها وزوجها وحياتها.. غير عالمة أن الحياة الاجتماعية والأصدقاء هامة جداً في هذه المرحلة، فالحياة الاجتماعية تعطي طاقة كبيرة لاستمرار الحياة ولها تأثير كبير، فهي تبني المشاعر الخاصة وتجعل المرأة دائمة الانشغال إذا كانت تشعر بالوحدة.. تملأ حياتها وتشعرها بقيمتها.. وأنها مازالت مطلوبة من الآخرين الذين يشاركونها حياتها أيضاً، فعليها أن تلبي مطالب زوجها من حيث المأكل والمشرب والملبس وتلبي احتياجاته الشرعية وتحافظ على مواعيده وتذكره بها كما هي قبل سن الخمسين. بل تزيد من أناقتها واهتمامها به فهذا يجعله يزداد تعلقاً بها، وتشعره دائماً أنها تحبه إلى الأبد وتحتاجه، وتذكره بأجمل الذكريات بينهما. وعليها أن تفاجئه بوجبة طعام يحبها، أو تشتري له هدية يحبها، فمثل هذه الأشياء تذكي الحب وتجلب السعادة بين الزوجين.
*سيدتي لا تتوقفي عن الاستمتاع بحياتك:
من الأقاويل الشائعة أنك إذا كبرت في العمر فإنك لا تستطيعين الاستمتاع بحياتك كما في السابق، كنت تخرجين إلى الهواء الطلق وتشاركين رفيق حياتك حياة يملؤها الحب والبهجة، وتلبسين الألوان الجميلة التي تحبينها، إن كل هذه الأقاويل مجرد ترهات تستطيعين الرد عليها بممارسة حياتك بصورة إيجابية وتستمتعين فيها بكل لحظة مادام ذلك في إطار مقبول اجتماعيا، كما أن الحياة الراكدة وقلة الحركة وعدم اختيار الغذاء المناسب كلها عوامل لابد أن تعيد المرأة النظر فيها، وفي الوقت ذاته فإن المجتمع مطالب ببذل المزيد من الجهود لمساعدتها في تحسين نمط حياتها، كما أن المرأة هي ذاتها مطلوب منها أن تساعد نفسها.