أربعينية في ربيع العمر..!



مها الجريس




تمتلئ الكتب الطبية والمعلومات الصحية بالحديث عن المرأة الأربعينية..ماذا عليها أن تأكل وماذا عليها أن تفعل وما هي تغيراتها النفسية المحتملة وكيف تتعامل مع هذه السن الحرجة التي تقف فيها على أعتاب سن اليأس!

وكلمة ( اليأس) هي مصطلح جاء من وصف قرآني كريم في قوله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ...) الآية {الطلاق/4}.

ويقصد بها توقف دورة التبويض عند المرأة وهو ما ينتج عنه اليأس من المحيض!

هذا المسمى يحمل دلالة فسيولوجية ربما تنسحب تباعاً على بعض الأمور السيكولوجية النفسية، فالطب يخبرنا أن تلك التغيرات تصاحبها انفعالات وتغير نفسي وهرموني يحتاج إلى نوع من الانتباه وتغيير نمط الغذاء والمكملات الأخرى لتجنب أية مخاطر نفسية وجسدية محتمله.

بعيداً عن فلسفة الطب، والتغذيه..نقف قليلا عند مشاعر الأربعين عند المرأة..

المرأة في الأربعين..هي أنثى خلعت عنها رداء ثلاثة عقود من الزمن..زادتها علماً وخبرة في الحياة، كما زادتها ثقة وحكمة في التعامل مع مجرياتها.

أربعينية القلب..أدفأ عاطفة وأثبت مودة وأحرص على استقرار الحياة مهما هزتها الرياح.

تلك الأربعينية ليست يائسة من الحب وإن يئست من الإنجاب!

ليست يائسة من البذل والتضحية وإن ترهل جسدها قليلا أو فقد شيئا من مياسة القوام!

تلك الأربعينية كانت أدفأ قلبٍ احتوى أعظم نبي في أول عمر النبوة!

أربعينية تعيش معه صلى الله عليه وسلم شاباً عشريناً في ربيع عمره فتحتوي ألمه وتعبه ومعاناته وتكون له خير معين فلا يزال يذكرها حباً ومودة تثير غيرة الصغيرات من نسائه من بعد وأولهن حبيبته ذات الخمسة عشرة ربيعاً!

خديجة رضي الله عنها بدأت مشوار حياتها الزوجية الثالثة وهي في الأربعين، كانت ثقة وحكمة المرأة الأربعينية تأييد من الله تعالى لقلبه صلى الله عليه وسلم حين كان الوحي يأتيه فيخاف ويقول دثروني زملوني!

لقد دثرته رضي الله عنها بحكمتها وعقلها الراجح والذي بلغ تمام أشده و استوى!

وهي التي أنجبت له كل أولاده عدا إبراهيم، فهي لم تيأس بعد!

إننا حين نتحدث عن الأربعينية ندعو الأزواج إلى أن يعيشوا مع نسائهم بركة هذا العمر وحميميته وألا يستخفوا بتلك الأربعينية التي ذبلت نضارتها بزعمهم أو فقدت حيويتها فيبحثوا عن ذات العشرين لتعيد لهم شبابهم كما يزعمون!

تطالعنا اليوم وسائل الإعلام عن قصة الاسكتلندية سوزان بويل والتي صعدت في برنامج مواهب غنائيه للأصوات الشابة في بريطانيا يتابعه الملايين وهي في عامها الثامن والأربعين وكانت ترعى أمها حتى توفيت في العام الماضي، وأرادت أن تغني وفاءً لها بينما كانت نظرات لجنة المحكمين تتبعها بازدراء.

هذه المرأة أبهرت الجمهور بصوتها الجميل الدافئ بعيدا عن شكلها غيرالمتأنق! ونالت أعلى درجة في التصويت واشتهرت بسرعة صاروخيه!

لست ممن يروجون للغناء، لكني أرى أن هذه الحادثة دليل واضح على أن الأربعينية تملك حسا دافئاً يمكن أن يكون مصدر فخر وسعادة لمن حولها وألا ينظروا إليها كامرأة منتهية الصلاحية.

لكل امرأة في مراحل عمرها المختلفة نكهة روحية مميزة، تمنح الحياة الزوجية طابعاً متجدداً يصعب تكراره، فتقلبات العشرين واندفاعها يعقبها نضج الثلاثين يتبعها دفء واستقرار الأربعين ولن يكون الخمسين بل ولا الستين إلا وفاءً ومودة أعمق وأبقى وأنقى..
فاستمتعوا بفصول العمر كله فالسعادة ما ترونه أنتم جميلا، لا ما هو كذلك دوماً!