ابن اعتمادكَ على نفسك .. وانطلق !



دلال الضبيب




عندما يولد الطفل فإنّ أقرب تشبيه له فيما يخصّ شخصيّته وتصرفاته هوَ "الإسفنجة"، فهوَ يمتصّ كلّ ما يراه أو يسمعه من حوله، وبهذا فإنّ الشكل النهائيّ للإنسان البالغ مرآة لما كانَ عليه في الصغر. بالتأكيد أنّ لكلّ شخص شخصيّته المستقلّة؛ ولكنّها مكتسبة وعلى نحوٍ كبير من طفولته.

الجميل في الأمر هوَ إدراكنا ووعينا لهذا الأمر، وبذلك قدرتنا على تحويل أطفالنا إلى أشخاص قادرين على مواجهة العالم غداً، وصُنع شخصيّات مؤثّرة في مُحطيها.

ولكي يُكون قويّاً، و يبني خطواتِه، ويُشكّل سلّم نجاحاته يجب أن يكون أوّلاً وأخيراً مُعتمداً على نفسه، قادراً على أن يُشكّل من خياله واقعاً ملموساً، دارياً بأنّه يمكن لوحده ومن دون انتظار المساعدة من أحد ما .. أن يُشكّلَ أيّ شيء في أيّ وقت.

الاعتماد على النفس من أهمّ الصفات التي يمكن أن تنشأ في نفس أيّ شخص، فوجودها في الشخصيّة.. يُمكن أن تُرى بسهولة من خلال تصرفاته وردود أفعاله.. . لأنّ الاعتماد على النفس ببساطة تعني القدرة على الصّنع.

ولكي يكون الشخص معتمداً على نفسه أكثر عليه أن يبدأ بتعزيز الثقة في النفس .. وغرس أواصر الثقة يبدأ من الصّغر، عندما تكون البدايات في خطوات بسيطة كـفتح الخيار أمام الطفل لاختيار ما شاء من ملابسه، أو اختياره وجبة الطعام في المطعم، أو تخييره بين لعبتين ليشتريها. فعندما توضع هذهِ اللبنة منذ الصغر سيكون نماؤها سريعاً جداً ! فهي المولّد الأوّل لاندفاع الشخص في مُعترك هذهِ الحياة، والسرّ الأوّل وراء المشي بقوّة وراحة في نفسِ الوقت. هيّ أهمّ ما يُمكن للشخصيّة أن تمتلكه، هيّ مفتاح للكثير من الأبواب .. وفي كلّ العُصور!

وعليه أيضاً أن يهتمّ أكثر ببناء الشخصيّة، وجعلها مُتكوّنة بشكل يكون قادراً فيها على مواجهة تعرّيات الحياة وتقلّباتها .. وليس هناك ما هو أكثر فعاليّة من القراءة؛ فالقراءة تفتحُ آفاقاً من المعرفة، و سيلاً من التفكير والخيال الخصب. والقراءة تجعل اطلاعكه أوسع وأكثر عمقاً، وبزاوية تكشف كلّ مايدور حوله .. تجعل معلوماته كبحر لا ينضب، وتعطي روحكه القدرة على التحليق والتنفّّس. القراءة تُتمّي تلك القدرة على التعبير .. وتكوين الأفكار وجمعها، لكي يكونَ عندها الإنسان قادراً على اختيار طريقه.. تحت مظلّة فكره الخاصّ .. ولهدفه الخاصّ.

كما أنّ عليه أن يقوم بالأعمال اليوميّة بنفسه، مهما بلغت .. سواء كانت بسيطة أو صعبة، سواء كانت روتينيّة أو غير اعتياديّة. كلّ تلكَ الزوايا التي يمرّ بها، وتلك المواقف التي يواجهها، و الأشخاص الذين يحتكّ بهم، كلّ ذلك سيولّد خبرة عميقة، تمكّنهُ من تحديد قراراته بسهولة أكثر، وعندما تكون قرارته خاطئة ذلك سيبعث الإصرار في نفسه أكثر، لأنّه تعوّد أن يكونَ الأفضل، لأنّ ثقته بنفسه تقول لهُ أن يصحّح بثقة، أمّا لو كانت قراراتهُ صحيحة، ذلكَ سيبعث طاقة من القوّة تنمّي ثقته في نفسه، فيكونَ قادراً أكثر على مواجهة كلّ شيء لوحده.

عليهِ إذا أراد القيام بأمر ما أن يهتمّ بالتفاصيل .. حتّى الدقيقة منها، فرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- قال: " من عمل منكم عملاً فليتقنه"، ولو نظرنا إلى النتائج المترتّبة على ذلك لوجدناها عميقة وكثيرة. فهو بهذا الأمر يعوّد نفسه على أن يكون الأفضل دائماً..وعندما يقدّم عملاً اهتمّ به من كلّ النواحي .. سيكون التقدير بعد ذلك كبيراً، ويكونُ واثقاً بأنّ الجهود تُثمرُ دائماً !

عليه قبل كلّ وأيّ شيء أن يضع بينَ عينيه ربّه – سُبحانه-، وأن يكون اتكاله تامّاً وخالصاً لوجه، وأن يكون إيمانه بأنّه – سُبحانه- الوحيد القادر على النفع والضرّ، وأنّ ما يُصيبنا لم يكن ليُخطئنا و ما أخطأنا لم يكنْ ليُصيبنا، وأنّ دائماً الخيرة فيما اختارهُ الله.


عندها .. يُمكن أن يُقال له .. اعتمدتّ على الله ثمّ على نفسك .. وتعبتَ وبنيت وخطّطت ورسمت، فاحصدْ ثمار ما زرعت.
قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير".