الأشجار الغضة


ليلى الجريبة
النظر في آيات الله الكونية وتدبُّرها سمة الصالحين ودأب العلماء، بل إنَّها طريقة الحكماء، ومن تأمَّل الشجرة في مرحلة تكاملها ونضجها وجدها قد ثبَّتت جذورها وامتدت فروعها وصلب ساقها، فإن كان ثمة مجال للتغيير فهو يتطلَّب جهداً كبيراً، وكذلك الشباب والشِيب، فالشباب هم الأشجار الغضة التي لا تزال قابلة للإصلاح، وأمَّا الشِيب فهم الأشجار الكبيرة التي تتعبك كثيراُ في إصلاح الاعوجاج والتعويد على الطيبات.
إننا بذلك لسنا ندعو إلى إهمال الشِيب، ولكننا ندعو إلى الاهتمام بالشباب فهم أكثر عدداً في المجتمع، وأكثر فاعلية وتأثيراً، كما أنهم أكثر قابلية ومرونة.
ومن المؤسف أن نرى مظاهر تدلُّ على سطحية في تفكير الشباب، ونلومهم على كثير من اهتماماتهم التي نراها ضرباً من إضاعة الوقت والجهد، ولكن الحلّ العملي هو أن نلقي اللوم جانباً وأن نُشّركهم معنا في اهتماماتنا الكبيرة وهموم الأمة والمجتمع.
لقد كان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- موفقاً في كلمته التربوية: " لاعب ابنك سبعاً، وأدّبه سبعاً، وصاحبه سبعاً". وعلَّق عليها الشيخ أبو بكر الجزائري ـ حفظه الله ـ في بعض دروسه بالحرم النبوي فقال: أي يلازمه في سنِّ المراهقة ما بين الخامسةَ عشرَ والحادية والعشرين.
إنَّ تلك الملازمة للشاب أو الفتاة في هذه السنّ كفيلة بزرع الثقة في نفسه، واشتراكه مع المربّي في الاهتمامات والهموم، وإمداده بالخبرة والعلم النافع، وتقريب الفجوة بين أبناء هذا الجيل وآبائهم. أما أن نترك الشباب ونهمل تربيتهم وإعدادهم، فكيف سيتعلَّمون دون تحمل المسؤولية و المشاركة في خدمة الأسرة والتفاعل مع الإخوة و الوالدين؟ إنَّنا بإغفالنا للشباب نجعل منهم أطفالاً، فلماذا لا يكون لابن الخامسة عشرة، وللبنت كذلك، دورهما في الأسرة؟ ولماذا يستأثر الوالدان بكل الوظائف المنزلية تاركين الشاب أو الفتاة رهناً للفراغ وفريسة للسلبية ونموذجاً للأنانية، وقطعة تزين الأسرة بلا فائدة؟ ولماذا نحطم قدراتهم ونفقدهم الثقة بأنفسهم ثم تفاجئهم الحياة بواجبات والتزامات لا قدرة لهم عليها؟
إنّ مواقفنا الخاطئة كثيرة في التربية؛ لبعدنا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة الأطفال والمراهقين وتعويدهم تحمل المسؤولية والمشاركة في جميع الميادين، ولعل الثراء والترف سبب آخر في تدليل الشباب وعدم الأخذ على أيديهم، وإعطائهم مساحة واسعة للترويح عن النفس، حتى وصلت إلى المحرمات – عياذاً بالله -، كما أنّ بعض المربِّين لا يريد أن يُتعب نفسه في تربية أولاده، أو يشفق عليهم شفقة زائدة عن الحدِّ المشروع، فتدفعه تلك الشفقة إلى تهميش دورهم، ونزعهم أعزَّ ما يملكون، وهو إحساسهم بأنَّهم قادرون على تحمل المسؤولية، وتقديم النافع للأسرة والمجتمع.

ولك أن تقارن بين الشاب الذي يحسّ أنه ذخر لوالديه ومعين لإخوانه وعُدَّة لأخواته، وأنَّ البيت إنِّما يقوم عليه، وعلى ألسنة الجميع دعاء واعتراف بفضله، وبين ذلك الشباب الذي لا تحتاجه الأسرة في شيء، بل وجوده في البيت أقلٌ أهمية من وجود الطفل؛ إذ الصغير يمنح الأسرة أنساً وغناء كتغريد العصافير، فإذا قارنت بين هذين الشابين ستجد بوناً شاسعاً..
فعليكم إخوتي بالأشجار الغضة!