ثم ماذا؟






بالروح بالدم نفديك يا فلسطين..
لقد بحَّت أصواتنا من ترديد تلك العبارة منذ ما يربو على الخمسين عاماً..
ثم ماذا؟!
أشلاء متناثرة.. ودماء مراقة..
ونواح ثكالى.. وصيحات يتامى..
ورصاص لا يسكت دويه.. وقصف متوال.. وتشريد، بل إبادة..
ثم ماذا؟!
عيون تقلب طرفها في جلِّ قنوات التلفاز المصوَّرة للمأساة أدق تصوير.. تبكي تلك العيون وقريبٌ من أفواهها وجبة سريعة من أحد المطاعم الأمريكية؛ التي ملأت البلاد، وجمَّدت مشاعر العباد.
وصحفٌ أكثر من ذرات الرمل تنضحُ بقصائد الحماسة، ومقالات الشجب والاحتجاج.. وفور الانتهاء من مطالعتها تُمسح بها خزائن ملابس ملأى بأشهر الماركات اليهودية!!
ثم ماذا؟!
نطلقها مجدداً.. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين..
وأي روح ستفدي فلسطين وهي لا تملك سوى لسانُ يرددها، وقلب لا يعيها؟!
لسنا جمادات لا تشعر، فنحن ـ والحقُّ يقال ـ نستهلك كل مراتب البكاء عندما نشاهد المأساة الفلسطينية، ابتداء بالغصَّة، وانتهاء بالنحيب.. فلقد بكينا، وبكينا، وبكينا، وما جفَّت الدموع!!
ثم ماذا؟!
لا القدس عادت، ولا إسرائيل ماتت.
نعم.. أسطورة البكاء تسكننا، والشجب والاستنكار علامة فارقة تلازمنا، وفصاحة اللسان أصلٌ فينا، فالتاريخ يشهد ببلاغتنا نحن العرب، وما زال يشهد!!
لكنني أرى ابتسامة ساخرة منه، تنادي باستبدال عبارة "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين".. إلى عبارة "بالشجب والعويل نفديك يا فلسطين"!
منقول