الزوجان تحت مظلّة العبوديّة


فهد بن محمد الشمري

في زمان الفتن المضلّة تشتدّ الحاجة إلى التذكير بالعبادة؛ وأقصد العبادة بمفهومها العامّ، وهي كلّ ما يربط بالله – تعالى- من عمل صالح ظاهر وباطن..
وقد جاء في صحيح مسلم أنّه - عليه الصلاة والسلام- قال:"العبادة في الهرج كهجرة إلي" . وذلك أنّ الفتن المضلّة تجعل الحليم حيران، وتنقلب فبها الموازين، ويلتبس فيها الحقّ بالباطل، فيحتاج العبد حينها إلى سلاح يتسلّح به، وركن يعتصم به، ولا أقوى من سلاح العلم بالله، وما يقرّب إليه، ولاأشدّ من الاعتصام بالله واللياذ بحماه - جلّ وعلا-..
ولهذا، لمّا قامت الفتنة بين الصحابة - رضي الله عنهم- زمان النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم- ذكّرهم الله – سبحانه- بهذا الأمر، فقال – سبحانه- :"يا أيّها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم".
وبيت الزوجيّة ليس بمنأى عن رياح الفتن المضلّة وآثارها المدمّرة, وليس من الملاغة القول بأنّ الفتن المضلّة هي من الأسباب الرئيسة في ارتفاع نسب الطلاق وتفكّك الأسرة، واضطراب العلاقة بين الزوجين..
والبيت المسلم معقل من معاقل الإسلام الذي يجب أن يكون حصيناً منيعاً أمام تيّار الفتن المضلّة الجارف؛ ولهذا، واجب على حرّاسه من زوج وزوجة أن يكونا يقظين فطنين متسلّحين بالسلاح الأقوى ،وهو الاعتصام بالله – سبحانه- ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يتعاونا ويتآزرا لتحقيق ذلك..
والناظر في سنّة النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم- ليجد أنّ النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم- قد أبدى في هذا الأمر وأعاد وأعطاه حقّه من التوجيه والرشاد...ففي الصحيحين من حديث أمّ سلمة _رضي الله عنها_ قالت: استيقظ رسول الله ليلة فزعاً يقول:" سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات _يريد أزواجه_لكي يصلين؟ربّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة" .
فليت شعري لماذا الصلاة ؟ ولماذا في الليل؟ والأمر بالإيقاظ؟ وللزوجات خاصّة؟ فلقد أخبر - صلّى الله عليه وسلّم- بوقوع الفتن وفتح الخزائن، وأرشد إلى ما تحصل به الخيرات وتستدفع به الشرور ثم لم ينس - بأبي هو وأمي- ؛ فهل يعي هذا كل زوجين مسلمين؟.
وهذا في وقته - صلّى الله عليه وسلّم- وقد كنّ أمانا لأمته، فكيف بزمان مثل زماننا والله المستعان . قال تعالى:"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنّها لكبيرة إلا على الخاشعين"،وقال - جلّ وعلا- :"ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً". وقال –سبحانه- :"وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً والعاقبة للتقوى".
وقال - عزّ من قائل- :"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة...".
هذه أنوار ربانيّة تجيبك عمّا تقدم من تساؤلات، وفي ذات السياق: التعاون بين الزوجين يقول المصطفى _صلّى الله عليه وسلّم_كما في الحديث الصحيح:"رحم الله رجلاً أيقظ أهله للصلاة؛ فإن أبت نضح الماء في وجهها ، ورحم الله امرأة أيقظت زوجها للصلاة؛ فإن أبى نضحت في وجهه الماء".
إنّه دعاء ممّن هو حريّ بالإجابة - صلّى الله عليه وسلّم- ؛ فأين التسابق يا معاشر الأزواج، وأين التنافس، إنّنا نريد منافسة تبدأ بالحرص على صلاة الصبح أوّلا، ثمّ تتعدّى هذا لتظفر بمزيد خير ؛فتفوز بلقاء الله – تعالى- حين يغفل الغافلون، وتغطّ في سبات عميق جيوش النائمين، إنّه لفوز بصلاة الثلث الأخير من الليل حين يكون الدعاء أسمع، والعبد من ربّه أقرب، حين تذلّ الرقاب لمولاها فتسكب الدمعات وترتفع الدعوات وتسمو النفوس ؛ فتسبح في عالي الملكوت ؛استجابة لنداء من يدعوني ؟ من يستغفرني ؟ من يسألني ؟ الله أكبر نادى عليكما يا قرّة العين يا أيّها الزوجان المسلمان أن تصفّا قدميكما بين يديّ الله – سبحانه- فتظفرا بجائزة :"فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" ،وجائزة :"إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين لله والذاكرات..
ولا يقف الأمر بالتعاون بين الزوجين على الصلاة فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى كلّ ما له بالآخرة، بل يجاوزه إلى أمر الدنيا أيضاً، وفي هذا يقول - صلّى لله عليه وسلّم-:"ليتخذ أحدكم قلبا شاكراً،ولساناً ذاكراً ،وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة"،وفيه أيضاً يقول عليه الصلاة والسلام :"زوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس".
ما أجمل أن تغطي سحائب الإيمان أجواء بيوتات المؤمنين؛ فتمطر أنواراً يشعّ منها كلّ ركن من أركان البيت، فتنبت سكينة وطمأنينة تعمّ أرجاءه، وتثمر صفاء ونقاء ووضاءة ورحمة، فيسود الوئام ويفوح عبق المحبّة. .
وإنّي لأهمس في أذنك أخي الزوج : إن لديك كنزاً ثميناً لا يقدّر بثمن، ودرّة لا تعدلها جواهر الدنيا ،إنّها زوجتك؛ نعم زوجتك! تلك الياقوتة التي لم يطلع على حسنها إلا أنت، فقلّب عينيك في حسنها، وغضّ طرفك عمّا لا يخلو منه بشر، تمتّع بها في رياض الإيمان تفاؤلاً بالتمتع الألذّ في رياض الجنان؛ أي : ما أحوجك إلى ريّانة غيداء تذهب ما خلّفته مفاتن الفتن في صدرك، وأحلف ولا أحنث لن تجد ألذّ من مؤمنة طاهرة عفيفة وليست سوى زوجتك..
أي أخيّة، يا ثمرة الفؤاد : هلمّي إلى جنان العفاف والطهر، هيّا ادخلي بساتين الإيمان، وتنعّمي بما لذّ وطاب من ثمارها، خذي بيد رفيق دربك ،وصفّي روحك، كوني خير معين له بعد لطف الله وعونه على السلامة من أعاصير الفتن، ثمّ اعلمي يا قمر الزمان ولؤلؤة الدهر أنّك لن تعملي عملاً أحبّ إلى الله – تعالى- من إعفاف زوجك، وإعانته على طاعته؛ فكوني على العهد..
وأخيراً وليس آخرها، تذكرا حبيببيّ معي قول الله - سبحانه وتعالى- :"من عمل صالحاً من ذكر أوأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعصمني واياكما وكل مؤمن ومؤمنة من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن ,وأن يجعلنا من أوليائه وحزبه المفلحين ،ومن أحب عباده اليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.