لَقِيط









أوضحت الشريعة المطهرة الأحكام المتعلقة بكل إنسان على وجه الأرض وما له من حقوق وما عليه من واجبات..

ولم يترك اللقيط ولم يعتبره كائنا بلا كرامة..بل حدد له ما يخصه هو الآخر من أحكام شرعية لا يتهاون بها..

التّعريف:

اللّقيط في اللغة : الطّفل الّذي يوجد مرمياً على الطرق لا يعرف أبوه ولا أمه.

واصطلاحاً: طفل غير مميّزٍ لا يعرف نسبه ولا رقه طرح في شارعٍ أو ضلّ الطّريق ما بين ولادته إلى سنّ التّمييز.

فاللقيط هو الإنسان الضائع , مما به يظهر شمول أحكام الإسلام لكل متطلبات الحياة , وسبقه في كل مجال حيوي مفيد , على نحو يفوق ما تعارف عليه عالم اليوم من إقامة دور الحضانة والملاجئ للحفاظ على الأيتام ومن لا عائل لهم من الأطفال والعجزة , ومن ذلك عناية الإسلام بأمر اللقيط , وهو الطفل الذي يوجد منبوذا أو يضل عن أهله ولا يعرف نسبه في الحالين .



حكم التقاط اللّقيط :

ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ التقاط المنبوذ فرض كفايةٍ إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين وإلا أثموا جميعاً لقوله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى } ولأنّ فيه إحياء نفسٍ , قال تعالى : {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } إذ بإحيائها يسقط الحرج عن النّاس لأنّه آدمي محترم .

هذا إذا لم يوجد غيره سيراه , فإن علم أنّه لا يوجد غيره كان التقاطه فرض عينٍ .



الأحق بإمساك اللّقيط :

الملتقط أحق بإمساك اللّقيط من غيره وليس لغيره أن يأخذه منه لأنّه هو الّذي أحياه بالتقاطه ولأنّه مباح الأخذ سبقت يد الملتقط إليه , والمباح مباح من سبق لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به » , وهذا أصل متّفق عليه بين المذاهب إذا تحقّقت في الملتقط الشروط الّتي اعتبرها كل مذهبٍ فإن تخلّف شرط منها انتزع من يده .



وعلى ذلك فإنّ الحاكم ينتزعه من يد الملتقط في الأحوال الآتية :

أ - إذا التقطه صبي أو مجنون لعدم أهليّتهما.

ب - إذا التقطه محجور عليه لسفه فإنّه ينتزع منه لأنّه لا ولاية له على نفسه فعلى غيره أولى.

ج - إذا التقطه فاسق فإنّه ينتزع منه لأنّ العدالة شرط في إقراره في يد الملتقط.



حرّيّة اللّقيط ورقه :

ذهب الفقهاء إلى أنّ اللّقيط حر من حيث الظّاهر لأنّ الأصل في بني آدم إنّما هو الحرّيّة فإنّ اللّه تعالى خلق آدم وذرّيّته أحراراً وإنّما الرّق لعارض فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل.



الحكم بإسلام اللّقيط أو كفره :

اختلف الفقهاء في الأصل الّذي يحكم به على اللّقيط من حيث الإسلام أو الكفر , هل يكون الأصل في ذلك هو الدّار الّتي وجد فيها من حيث كونها دار إسلامٍ أو دار كفرٍ أو أنّ الأصل في ذلك هو حال الواجد من كونه مسلماً أو غير مسلمٍ ؟

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المعتبر في ذلك هو الدّار الّتي يوجد فيها اللّقيط فإن كانت الدّار دار إسلامٍ حكم بإسلامه تبعاً للدّار الّتي وجد فيها , والدّار الّتي تعتبر دار إسلامٍ عندهم هي :

أ - دار يسكنها المسلمون ولو كان فيها أهل ذمّةٍ تغليباً للإسلام ولظاهر الدّار ولأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

ب - دار فتحها المسلمون وقبل ملكها أقروها بيد الكفّار صلحاً .

ج - دار فتحها المسلمون وملكوها عنوةً وأقروا أهلها عليها بجزية .

د - دار كان المسلمون يسكنونها ثمّ أجلاهم الكفّار عنها .

ففي هذه الأماكن يعتبر اللّقيط الّذي يوجد فيها مسلماً لكن بشرط أن يوجد بها مسلم يمكن أن يكون اللّقيط منه لأنّه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليباً للإسلام .

فإن لم يكن فيها مسلم , بل كان جميع من فيها كفّاراً فهو كافر كما إذا وجد بدار كفّارٍ لم يسكنها مسلم يحتمل إلحاقه به , فإن كانت الدّار دار كفرٍ وكان فيها مسلمون كتجّار وأسرى فأصح الوجهين عند الشّافعيّة وفي احتمالٍ للحنابلة أنّ اللّقيط فيها يعتبر مسلماً تغليباً للإسلام, وفي الوجه الثّاني عند الشّافعيّة والاحتمال الآخر للحنابلة يحكم بكفره تغليباً للدّار والأكثر.

وعند الحنفيّة إذا وجد في في مصرٍ من أمصار المسلمين أو في قريةٍ من قراهم , فإنّه في هذه الحالة يحكم بإسلامه حتّى لو مات يغسّل ويصلّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين .

وإن وجده مسلم أو ذمّي في بيعةٍ أو كنيسةٍ أو في قريةٍ ليس فيها مسلم فإنّه يكون ذمّياً تحكيماً للظّاهر .

وقال المالكيّة : إذا وجد اللّقيط في بلاد المسلمين فإنّه يحكم بإسلامه , لأنّه الأصل والغالب وسواء التقطه مسلم أو كافر , وإذا وجد في قريةٍ ليس فيها من المسلمين سوى بيتين أو ثلاثةٍ فإنّه يحكم بإسلامه أيضاً تغليباً للإسلام بشرط أن يكون الّذي التقطه مسلم, فإن التقطه ذمّي فإنّه يحكم بكفره على المشهور.

وإذا وجد في قرى الشّرك فإنّه يحكم بكفره سواء التقطه مسلم أو كافر تغليباً للدّار والحكم للغالب.



نسب اللّقيط :

إذا ادّعى اللّقيط شخص واحد سواء أكان هو الملتقط أو غيره فإن كان رجلاً مسلماً حراً لحق نسبه به إن أمكن أن يكون منه بأن تتحقّق فيه شروط الاستلحاق.

فإن أقر رجل أو أقرت امرأة بأن اللقيط ولده أو ولدها لحق به ; لأن في ذلك مصلحة له باتصال نسبه , ولا مضرة على غيره فيه ; بشرط أن ينفرد بادعائه نسبه , وأن يمكن كونه منه , وإن ادعاه جماعة ; قدم ذو البينة , وإن لم يكن لأحد منهم بينة , أو كانت لهم بينات متعارضة , عرض معهم على القافة , فمن ألحقته القافة به , لحقه ; لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم , والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه , ويكفي قائف واحد , ويشترط فيه أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة .



نفقة اللّقيط :

اتّفق الفقهاء على أنّ نفقة اللّقيط تكون في ماله إن وجد معه مال من دراهم وغيرها كذهب وحليٍّ وثيابٍ ملفوفةٍ عليه ومفروشةٍ تحته ودابّةٍ مشدودةٍ في وسطه , أو كان مستحقاً في مالٍ عامٍّ كالأموال الموقوفة على اللقطاء أو الموصى بها لهم .

فإن لم يكن له مال خاص ولم توجد أموال موقوفة على اللقطاء أو موصى لهم بها فإنّ نفقته تكون في بيت المال.

فإن تعذّر الإنفاق عليه من بيت المال فعلى من علم حاله من المسلمين الإنفاق عليه لقول اللّه تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى } , ولأنّ في ترك الإنفاق عليه هلاكه وحفظه عن ذلك واجب كإنقاذه من الغرق وهذا فرض كفايةٍ إذا قام به قوم سقط عن الباقين فإن تركه الكل أثموا.



جناية اللّقيط والجناية عليه :

إن جنى اللّقيط الجناية الّتي تتحمّلها العاقلة كالخطأ فأرشها على بيت المال لأنّ ميراثه ونفقته في بيت المال فكان عقله فيه كعصباته , وإن كانت الجناية عمداً فحكمه فيه حكم غير اللّقيط : فإن كان بالغاً عاقلاً اقتصّ منه , وإلا فالدّية في ماله إن كان له مال , وإن لم يكن له مال ففي ذمّته حتّى يوسر كسائر الديون .

وإن جنى أحد على اللّقيط فإن قُتل خطأً ففيه الدّية وتكون لبيت المال لأنّها من ميراثه كسائر ماله وهذا إن لم يكن وارث , فإن كان له زوجة مثلاً فلها الربع والباقي لبيت المال . وإن قتله أحد عمداً عدواناً فوليه الإمام لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « السلطان ولي من لا وليّ له » , وعلى ذلك فللإمام إن شاء أن يقتصّ من القاتل وإن شاء أخذ الدّية حسب الأصلح لأنّه حر معصوم.

* * *

للتوسع:

1) الموسوعة الفقهية الكويتية، مصطلح (لقيط).

2) الملخص الفقهي، الشيخ صالح الفوزان، الجزء الثاني، باب في أحكام اللقيط.

3) أحكام اللقيط في الفقه الإسلامي، أبو بكر كمارا، الجامعة الإسلامية، كلية الشريعة قسم الفقه، رسالة ماجستير 1406 هـ.

4) اللقيط في الفقه الإسلامي، عبد الرحمن بن عبد الله العيسى، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن، ماجستير، 1409 هـ.

5) أحكام اللقيط في الفقه الإسلامي، عمر بن محمد السبيل، جامعة أم القرى، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، ماجستير، 1406 هـ.

6) أحكام اللقيط في الشريعة الإسلامية، عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، 1408 هـ.

7) أطفال بلا اسر : دراسة في الفقه الإسلامي والقانون في حقوق اللقيط على المجتمع و ما يتعلق بحضانته والولاية عليه ومسئوليته الجنائية والمدنية وطرق اثبات و نفي النسب، عبد الله محمد عبد الله.
منقول