سوء المعاملة وتدمير الطفولة







حوار:هناء الحمراني





سوء معاملة الأطفال مصطلح فضفاض..يحمل في داخله كل ما يعرقل مسيرة حياة الطفل ونموه الطبيعي،ما هو مفهوم (سوء المعاملة)،وما أضراره،وهل يمكن للطفل أن يتخطى هذه المأساة ويتجاوزها ليصبح مواطنا صالحا نافعا؟

في هذا الحوار نستضيف الدكتورة سميرة حسن عبد الله أبكر،أستاذ مشارك الصحة النفسية و رئيسة قسم التربية وعلم النفس بالكلية سابقاً وحالياً أكاديمية في كلية التربية للبنات الأقسام الأدبية ورئيسة مركز الإرشاد النفسي والتوجيه بالكلية واستشارية بجمعية الشقائق الاجتماعية .



1.هل يمكنك تعريفنا بمفهوم سوء المعاملة بشكل عام؟

وبالرغم من الصعوبات التي واجهت هذا التعريف. إلا أنه يمكن تحديد المفهوم من عنصرين :

1- نتائج الإساءة 2- القصد في الإساءة .

وعليه فقد عرفها " ديفيد بأنها " أي فعل من جهة الآباء أو شخص ما أو مؤسسة أو من المجتمع ككل يؤدي إلى حرمان الطفل من المساواة في الحقوق والحرية أو يؤدي إلى عرقلة قدرات الطفل وإبعادها عن تحقيق أفضل تطور ونمو لإمكانياته بالقهر أو بالقوة.







2.يظن بعض الآباء أن سوء معاملة الأطفال ينحصر في العنف وحسب..ما هي الصور الأخرى لسوء المعاملة؟

اختلف كثير من العلماء حول نتائج الإساءة كأساس أو محك لتصنيف فعل الإساءة وللتفرقة بين ما إذا كان الفعل أو السلوك يمكن أن يعتبر إساءة للطفل ورغم ذلك لا يفضي إلى جروح جسمية ظاهرة ولاختلاف هذا الأمر من مجتمع لآخر فما يعتبر في جهة أنه إساءة في معاملة الطفل في مجتمع مثل إرهاق الطفل والقسوة علية بالعمل وكسب العيش نجده في مجتمع آخر يعتبر إهانة وقسوة في مجتمع آخر

وقد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أن مفهوم سوء المعاملة يقصد به الإساءة البدنية ولكن في الحقيقة أن هذا المفهوم يتسع ليشمل كل إساءة سواء كانت بدنية أو نفسية أو عقلية أو نمائية أو علاجية أو تهديد لصحته وسعادته .

والأمثلة على ذلك كثيرة منها : الضرب والتعريض للإصابات التي يمكن ملاحظتها إكلينيكيا والاعتداءات التي لا تترك آثاراً جسمية ظاهرة بل تترك آثاراً نفسية سيئة مثل الطرد من المنزل الشتم السخرية الاستهزاء عدم الاحترام والتقدير لشخصه عدم تلبية احتياجاته إهمال حل مشكلاته الاهانة له مناداته بأقبح الصفات والأسماء . التحرش الجنسي والاعتداءات الجنسية وغيرها .



ـ



3.يشير علماء النفس إلى أن العنف الذي يتعرض له الطفل في السنوات الخمس الأولى من حياته تؤثر سلبيا على حياته فتجعل منه مواطنا غير صالح..

أسئلتنا حول هذه النقطة هي:

هل هناك دراسات علمية تثبت جنوح نسبة كبيرة من الأطفال الذين يتعرضون للعنف في هذا السن؟

نعم توجد دراسات كثيرة في المجتمعات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص منذ الستينات وبدأ الاهتمام بمثل هذه الدراسات في بعض المجتمعات العربية.







هل هناك فرق بين أن يتعرض الطفل للعنف قبل السنوات الخمس الأولى وأن يتعرض له بعد هذه السنوات؟

نعم لأن الطفل خلال الخمس السنوات الخبرات التي يمر بها تنطبع في ذهنه وتؤثر على نفسه كثيرا كخبرات سيئة.







4.ما هو تعريف العنف الأسري تحديدا؟

هو سلوك يصدر من أحد الوالدين يتسم بالعنف والإساءة على جسد الطفل ويسبب له جروحاً ظاهرة في بدنه وجروحا أعمق في نفسه تترك أثارها على شخصيته فيما بعد بالعنف تجاه الآخرين أو تجاه نفسه.







5.في العالم العربي..هناك أنواع أخرى من سوء المعاملة التي يتعرض لها الأطفال..هل هناك فرق بين العالم الغربي والعالم العربي والدول النامية الأخرى في جنوب شرق آسيا من حيث تعدد أنواع سوء المعاملة وعدد الأطفال المعرضين لها؟

طبيعي أن المجتمعات تختلف من حيث النظر إلى الإساءة وطبيعتها وشكلها . وما يعتبر في مجتمع أنه عنف لا يعتبر كذلك في مجتمعات أخرى وذلك باختلاف الثقافات

لا نوجد إحصاءات عن معدلات تعرض الأطفال للإساءة سواء في المؤسسات الخاصة أو العامة وما يوجد من معلومات لا يمكن الاعتماد عليها كلية للوصول إلى تقييم أ, تقدير لمدى شيوع هذه الظاهرة أو حصر لعددها.





6.هل يمكن معالجة الطفل مما تعرض له من عنف في طفولته المبكرة لمحو آثارها السلبية من حياته؟

ينبغي أن يعرف أن حالات الأطفال الذين يتعرضون للإساءة لا تستجيب كلها بنفس القدر من النجاح للعلاج النفسي . وأنه في الحالات التي تستوجب التدخل العلاجي لابد من حسن اختيار الحالات واستخدام فنية العلاج المناسبة لكل حالة وهذا يتوقف على طبيعة شخصية الطفل وطبيعة الأعراض وشدة الاضطراب النفسي الذي يعاني منه الطفل نتيجة لصدمات الإساءة .

كما يرى فريق من المعالجين أن علاج المشكلة يتعدى مجرد تقديم الرعاية والعلاج بل لابد عند إعداد برامج الرعاية لهم أن تراعى :

أن ينظر للطفل المساء إليه على أنه حالة تحتاج إلى تدخل علاجي عاجل .
اعتبار الطفل هو الضحية ولذا يجب حمايته من التعرض لمزيد من الإساءة بنقله إلى مؤسسة علاجية أو أحد من الأقارب
أن يتوقع مقاومة الأهالي المتباينة عند تدخلهم لعلاج المشكلة
وهناك فنيات العلاج بالملاحظة وباللعب ....الخ







7.كيف يمكن توعية الطفل في المدرسة لحماية نفسه من العنف الأسري،والعنف المدرسي؟

ينبغي أن تخصص حصص للإرشاد والتوجيه يعطى فيها الطفل أساليب الحماية والدفاع عن نفسه ويبصر بوسائل الوقائية لحماية نفسه من العنف الأسري والمدرسي .







8.ما دور الأقارب والأهل الذين يعرفون بوجود هذه المشكلة؟

دورهم يكون من شقين :

توجيه وإرشاد الأهل لعلاج هذه المشكلة بالطرق التربوية والدينية .
محاولة تغيير البيئة المحيطة بالطفل إذا كان الإساءة تصدر من أحد الوالدين أو كلاهما فيبعد الطفل إلى مؤسسة علاجية أو إلى مربين آخرين وذلك لحماية الأطفال من الإساءة إليهم.







9.ما هي أهم أسباب تعرض الطفل لسوء المعاملة،وهل يعتبر الفقر هو القاسم المشترك الأكبر بين جميع الأسر والبلدان التي تسيء معاملة الأطفال؟

معظم الدراسات النفسية تعتبر الفقر عاملاً من العوامل التي تكون سببا في كثير من المشكلات على مستوى الأفراد بصفة خاصة أو على مستوى المجتمع بصفة عامة .

ولكن من وجهة نظري أن الفقر في حد ذاته لا يعتبر سببا في الإساءة للأطفال..

وإنما يرجع ذلك إلى طبيعة شخصية الوالدين والبيئة التي نشأ فيها وما نتج عن ذلك من خصائص يتصف بها الوالدين مثل :

· الاضطراب النفسي والسلوكي .

· الإدمان .

· التنشئة الأسرية التي تتصف بالقسوة والتسلط والاستبداد .

· الإحباطات الشديدة لكثير من حاجاتهما ورغباتهما .







10- وهل هناك دراسة علمية تثبت كون الفقر عاملا مهما في حدوث هذا العنف؟

توجد دراسات كثيرة وكل منها يحدد عوامل حسب بيئة العينة وخصائص المجتمع





11- هل يعد ضرب الأبناء بين فترة وأخرى نوعا من العنف؟قد نقول أنه لا ينبغي ضربهم،ولكن لنفترض حدوث ذلك فهل يعتبر من ضمن العنف الذي قد يسبب أضرارا نفسية على الطفل؟

لا يعتبر الضرب في حد ذاته عنفا ولكنه وسيلة للتأديب وتعديل السلوك وهو نوع من العقاب ولابد إذا أساء الطفل أن يعاقب حتى لا يكرر هذا السلوك . و للعقاب شروط قد بينها العلماء والمربون المسلمون كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه ولكن ما يحدد كون الضرب عنفا كيفية الضرب وشدته وما يصاحبه من أساليب تشعر الطفل بالمهانة بالإضافة إذا كان لا يتناسب مع حجم الذنب الذي صدر عن الطفل . وأمر مهم أن يعلم الطفل لماذا يعاقب . ويقر بنفسه بالخطأ الذي صدر منه .







12- كيف يمكن للآباء الذين يعانون من سوء تعاملهم مع أبنائهم أن يقلعوا عن ذلك ويتصرفوا كآباء متفهمين رحماء ؟

حتى يتحقق ذلك لابد أن يعلموا يقينا أنهم مخطئون في تعاملهم بالقسوة مع أبنائهم ثم لابد من حضور دورات تربوية لمعرفة كيفية التعامل مع أخطاء الأبناء بالإضافة إلى ضرورة الإكثار من قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والنظر في أحاديثه , بالإضافة إلى ضرورة جلسة حوار مع أبنائهم لمعرفة حاجاتهم ومعرفة مشكلاتهم لمساعدتهم في تقديم الحل المناسب .







13- ما هو دور المدرسة عند سماعها بما قد يشي بتعرض أحد طلابها للعنف الأسري؟وهل تكتفي بسؤال ولي الأمر عن وجود هذا العنف؟أم أن عليها القيام بإجراءات أكثر واقعية من ذلك؟

قد تكتشف المدرسة عن طريق المدرسين الواعيين بطبيعة دورهم التربوي فتكون بذلك قد وضعت الطفل أمام أول خطوات العلاج . وعليها أن تتثبت من طبيعة المشكلة والمتسبب الفعلي في حدوثها ثم محاولة الحوار معه ليس بأنه المتسبب لهذه المشكلة ولكن على اعتبار أن هذه المشكلة المتعلقة بابنه تؤرقه ونحن نريد مساعدته في حلها . وإن لم يستجيب لهذه المحاولات والمشكلة تشكل خطورة على الابن فلابد من القيام بإجراءات أكثر لحماية الطفل من عنف والده .


أسأل الله التوفيق والمعونة للجميع