بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله: أن الحنيفية ملة إبراهيم، أن تعبد الله مخلصاً له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
فإذا عرفت: أن الله خلقك لعبادته؛ فاعلم؛ أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد؛ كما أن الصلاة: لا تسمى صلاة، إلا مع الطهارة؛ فإذا دخل الشرك في العبادة، فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة، كما قال تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون)
فمن دعا غير الله، طالباً منه، ما لا يقدر عليه إلا الله، من جلب خير، أو دفع ضر، فقد أشرك في عبادة الله، كما قال تعالى: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين)
فأخبر تبارك وتعالى: أن دعاء غير الله شرك، فمن قال: يا رسول الله؛ أو: يا عبد الله بن عباس؛ أو: يا عبد القادر؛ أو: يا محجوب؛ زاعماً أنه يقضي حاجته إلى الله تعالى، أو أنه شفيعه عنده، أو وسيلته إليه، فهو الشرك الذي يهدر الدم، ويبيح المال، إلا أن يتوب من ذلك، وكذلك: من ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله، أو توكل على غير الله، أو رجا غير الله، أو التجأ إلى غير الله، أو استغاث بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهو أيضاً: شرك
وما ذكرنا من أنواع الشرك، فهو: الذي قال الله فيه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً)
ويتضح: بمعرفة أربع قواعد؛ أولها: أن تعلم أن الله هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، الضار، النافع، المدبر لجميع الأمور؛ والدليل على ذلك، قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون)
والقاعدة الثانية؛ وهي: أنهم يقولون، ما توجهنا إليهم، ودعوناهم، إلا لطلب الشفاعة عند الله، نريد من الله لا منهم، لكن بشفاعتهم؛ والدليل على ذلك، قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) و القاعدة الثالثة؛ وهي: أن منهم من تبرأ من الأصنام، وتعلق بالصالحين، مثل عيسى، وأمه، والأولياء؛ قال الله فيمن اعتقد في عيسى وأمه: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون، قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم)
والرسول صلى الله عليه وسلم: قاتل من عبد الأصنام، ومن عبد الصالحين، ولم يفرق بين أحد منهم، حتى كان الدين كله لله

القاعدة الرابعة؛ وهي: أن الأولين يخلصون لله في الشدائد، وينسون ما يشركون، كما قال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) وأهل زماننا: يخلصون الدعاء في الشدائد لغير الله، فإذا عرفت هذا، فاعرف: أن شرك المشركين، الذين كانوا في زمان رسول الله أخف من شرك أهل زماننا، لأن أولئك: يخلصون لله في الشدائد؛ وهؤلاء: يدعون مشائخهم، في الشدة، والرخاء؛ -- وقال-التوحيد، الذي هو حق الله على العبيد هو أفرض من الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، فرحم الله امرءاً نصح نفسه، وعرف أن وراءه جنة وناراً، وإن الله عزَّ وجلَّ جعل لكل منهما أعمالاً، فإن سأل عن ذلك، وجد رأس أعمال أهل الجنة: توحيد الله تعالى؛ فمن أتى به يوم القيامة، فهو من أهل الجنة، قطعاً، ولو كان عليه من الذنوب مثل الجبال
ورأس أعمال أهل النار: الشرك بالله، فمن مات على ذلك، فلو أتى يوم القيامة بعبادة الله الليل والنهار، والصدقة والإحسان، فهو من أهل النار قطعاً؛ كالنصارى، الذين يبنى أحدهم صومعة في البرية، ويزهد في الدنيا، ويتعبد الليل والنهار، لكنه خلط ذلك بالشرك بالله، تعالى الله عن ذلك، قال الله عزَّ وجلَّ: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً) وقال تعالى: (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء)
فرحم الله امرءاً، تنبه لهذا الأمر العظيم، قبل أن يعض الظالم على يديه، ويقول: (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا)
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
أصل الحنيفية: عبادة الله وحده لا شريك له، وتجنب الشرك، كما قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) ومغلظ الكفر: الكبر، والشرك؛ فإن كان الإنسان ما عبد الله، فهو مستكبر، مثل ما يقع من غالب البدو، من التهزى بالوضوء، والصلاة؛ فإن كان عبد الله، وعبد معه غيره، فهو مشرك، مثل ما يقع من كثير من العباد، مثل النصارى، وجنسهم، ولكن فيهم رقة
فإذا عرفت هذا، وعرفت ما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم من سد
الذرائع، مثل كونه نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، ونهى المصلي أن لا يصمد للسترة، وألا يستقبل النار، ونهى المأمومين عن القيام، إذا صلى الإمام جالساً، وأمرهم بالجلوس وغير ذلك

فإذا عرف الإنسان: أنه أمر بالجلوس إذا جلس الإمام، والإخلال بالركن، لأجل المشابهة، لما يفعله الكفار لعظمائهم، ونظر لما يجري من الناس من التكبر، والقيام والخضوع، وغير ذلك، عرف نفسه، وعرف ربه، وما يجب له من الحقوق، لعله واقع في شيء من هذا
وعرف: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً ينفع أمته إلا أمرهم به، ولا شيئاً يضرهم إلا نهاهم عنه، وكذلك كونه يعرف أن أصل الشرك الإعتقاد في الصالحين، وغيرهم، وهو: الذي فارق النبي صلى الله عليه وسلم قومه، وقاتلهم عنده
وقال رحمه الله تعالى:
إذا أمر الله العبد بأمر، وجب عليه فيه: سبع مراتب؛ الأولى: العلم به؛ الثانية: محبته؛ الثالثة: العزم على الفعل؛ الرابعة: العمل؛ الخامسة: كونه يقع على المشروع خالصاً صواباً؛ السادسة: التحذير من فعل ما يحبطه؛ السابعة: الثبات عليه
إذا عرف الإنسان: أن الله أمر بالتوحيد، ونهى عن الشرك؛ أو عرف: أن الله أحل البيع وحرم الربا؛ أو
عرف: أن الله حرم أكل مال اليتيم، وأحل لوليه أن يأكل بالمعروف، إن كان فقيراً،
وجب عليه أن يعلم المأمور به ويسأل عنه إلى أن يعرفه، ويعلم المنهي عنه، ويسأل عنه إلى أن يعرفه
واعتبر ذلك بالمسألة الأولى، وهي: مسألة التوحيد، والشرك
أكثر الناس: علم أن التوحيد حق، والشرك باطل، ولكن أعرض عنه، ولم يسأل؛ وعرف: أن الله حرم الربا، وباع واشترى ولم يسأل؛ وعرف: تحريم أكل مال اليتيم، وجواز الأكل بالمعروف؛ ويتولى، مال اليتيم ولم يسأل
المرتبة الثانية: محبة ما أنزل الله، وكفر من كرهه، لقوله: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) فأكثر الناس: لم يحب الرسول، بل أبغضه، وأبغض ما جاء به، ولو عرف أن الله أنزله
المرتبة الثالثة: العزم، على الفعل؛ وكثير من الناس: عرف وأحب، ولكن لم يعزم، خوفاً من تغير دنياه
المرتبة الرابعة: العمل؛ وكثير من الناس: إذا عزم أو عمل وتبين عليه من يعظمه من شيوخ أو غيرهم ترك العمل.
المرتبة الخامسة: أن كثيراً ممن عمل، لا يقع خالصاً، فإن وقع خالصاً، لم يقع صواباً
المرتبة السادسة: أن الصالحين يخافون من حبوط
العمل، لقوله تعالى: (أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) وهذا من أقل الأشياء في زماننا

المرتبة السابعة: الثبات على الحق، والخوف من سوء الخاتمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن منكم من يعمل بعمل أهل الجنة، ويختم له بعمل أهل النار " وهذه أيضاً: من أعظم ما يخاف منه الصالحون؛ وهى قليل في زماننا؛ فالتفكر في حال الذي تعرف من الناس، في هذا وغيره، يدلك على شيء كثير تجهله؛ وقال -و
اعلم : أن التوحيد الذي فرض الله على عباده، قبل الصلاة والصوم، هو: توحيد عبادتك، فلا تدعو إلا الله وحده لا شريك له، لا تدعو النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره؛ كما قال تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) وقال- إن دين الإسلام، هو: دين الله، الذي أمر به الأولين والآخرين،وأن الله سبحانه، بعث محمداً بتحقيق التوحيد، وتجريده، ونفى الشرك بكل وجه، حتى في الألفاظ.
و أن العبادة التي شرعها الله تعالى كلها، تتضمن إخلاص الدين كله لله، تحقيقاً لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)
- ويقول إذا عرفت : دين الله الذي بعث به الرسل، من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه ؛ وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه، من الجهل بهذا، أفادك فائدتين .... الفرح بفضل
الله وبرحمته، قال الله تعالى : ( قُل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون
وأفادك أيضاً : الخوف العظيم [الدرر السنية فى الاجوبة النجدية باختصار]