تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رد العلامة ابا بطين على أبيات فى - بردة البوصيري

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد العلامة ابا بطين على أبيات فى - بردة البوصيري

    قصيدة البردة التى نظمها " البوصيري " : وهو : محمد بن سعيد بن حمّاد الصنهاجي ، ولد سنة 608ه*ـ ، وتوفي سنة 696 هـ *. اشتملت على كفرٍ صريح، وقد تتابع العلماء من أهل السنَّة والجماعة على نقضها ، وتبيين عوارها ، وكشف زيغها ومخالفتها لتوحيد العبادة التى أمرت به الرسل . ومن أبرز هؤلاء العلماء الذين قاموا بالرد العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين -قال العلامه ابا بطين في الرد على البردة :
    قوله :
    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
    إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل : يا زلة القدم
    فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم
    مقتضى هذه الأبيات إثبات علم الغيب للنبي صلى الله عليه وسلم وأن الدنيا والآخرة من جوده وتضمنت الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم من أعظم الشدائد ورجاءه لكشفها وهو الأخذ بيده في الآخرة وإنقاذه من عذاب الله ، وهذه الأمور من خصائص الربوبية والألوهية التي ادعتها النصارى في المسيح عليه السلام وإن لم يقل هؤلاء إن محمداً هو الله أو ابن الله ولكن حصلت المشابهة للنصارى في الغلو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله " والإطراء هو المبالغة في المدح حتى يؤول " الأمر إلى " أن يجعل المدح شيء من خصائص الربوبية والألوهية .
    وهذه الألفاظ صريحة في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم كقوله :
    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواكأي وإلا فأنا هالك والنبي
    أي وإلا فأنا هالك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : " لا ملجأ منك إلا إليك " .
    وقوله :
    إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** ومنقذي من عذاب الله والألم
    أو شافعاً لي . [ أي ] وإلا هلكت ، وأي لفظ في الاستغاثة أبلغ من هذه الألفاظ وعطف الشفاعة على ما قبلها بحرف أو في قوله : " أو شافعاً لي " صريح في مغايرة ما بعد أو لما قبلها وأن المراد مما قبلها طلب الإغاثة بالفعل والقوة . فإن لم يكن فبالشفاعة .

    وقول المعترض يحتمل أن العطف هنا للتفسير، وهذا من جهله، فإن عطف التفسير إنما يكون بالواو، لا بغيرها من حروف العطف، ذكره ابن هشام وغيره ; ومحل عطف التفسير إذا عطف لفظا على لفظ معناهما واحد، مع اختلاف اللفظ، كما ذكره من قول الشاعر: وألفى قولها كذبا ومينا، والمين هو الكذب.
    وأما قول الناظم: ومنقذي من عذاب الله والألم، أو شافعا لي... إلخ ; فمعنى الإنقاذ غير معنى الشفاعة، قال الله تعالى عن صاحب يس: {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ} [سورة يس آية: 23].
    ولم يقل أحد من المفسرين: إن عطف الإنقاذ على الشفاعة من عطف التفسير ; بل فسروا الإنقاذ بالنصر، والمظاهرة بالفعل، وفسروا الشفاعة بالمعاونة بالجاه؛ وهذا ظاهر، لكن لأجل تخبيط هذا الجاهل الأحمق، أوجب بيان جهله وغلطه.

    ومن كلام ابن القيم رحمه الله على هذه الآية، قال بعد كلام سبق: فإن العابد يريد من معبوده أن ينفعه وقت حاجته دائما، وإذا أرادني الرحمن الذي فطرني بضر، لم يكن لهذه الآلهة من القدرة، ما تنقذني بها من ذلك الضر، ولا من الجاه والمكانة عنده ما تشفع لي إليه، لأتخلص من ذلك الضر، فبأي وجه تستحق العبادة ؟ إني إذا لفي ضلال مبين، إن عبدت من هذا شأنه ; انتهى.
    ونقول أيضا: أنه إذا خوطب الرسول أو غيره من الأموات والغائبين، بلفظ من ألفاظ الاستغاثة، أو طلب منه حاجة، بنحو قول: أغثني، أو أنقذني، أو خذ بيدي، أو اقض حاجتي، أو أنت حسبي، ونحو ذلك، يتخذه واسطة بينه وبين الله في ذلك.
    فهذا شرك العرب الذين بعث الله إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كما وضحه الله سبحانه في كتابه في مواضع، مخبرا عنهم أنهم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [سورة الزمر آية: 3]، {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [سورة يونس آية: 18]، ولم يقولوا: إن آلهتهم تحدث شيئا، أو تدبر أمرا من دون الله ; قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [سورة يونس آية: 31] الشرك في الألوهية، إذا اعترفتم بالربوبية: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [سورة المؤمنون آية: 84-85] الآيات.

    والآيات في هذا كثيرة، يحتج عليهم سبحانه بإقرارهم بتوحيد الربوبية، على إشراكهم في توحيد الألوهية، كما قال سبحانه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [سورة يوسف آية: 106]، فسر إيمانهم في هذه الآية، بإقرارهم بتوحيد الربوبية ; وهو: أنهم إذا سئلوا من خلق السماوات والأرض؟ ومن ينـزل المطر وينبت النبات، ونحوه ؟ قالوا: الله ; ومع ذلك يعبدون غيره.
    وفسر إيمانهم في الآية: بإخلاصهم الدعاء لله في الشدائد، كما في قوله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة العنكبوت آية: 65]، ونحو ذلك من الآيات، ويشركون في الرخاء بدعاء غيره ; فهذه نصوص القرآن صريحة في أنهم يعترفون بتوحيد الربوبية اعترافا جازما، وأنهم ما أرادوا من آلهتهم إلا الشفاعة عند الله.
    وأما من ظن أن مدعوه ومسؤوله يحدث شيئا من دون الله، ويدبر أمرا من دون الله؛ فهذا شرك في توحيد الربوبية والألوهية معا، ولم يدع ذلك أحد من المشركين، الذين بعث الله إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم، وإنما أرادوا من آلهتهم الشفاعة إلى الله، الذي بيده الضر والنفع، بجاههم ومنْزلتهم عنده، كما أخبر الله عنهم بذلك.
    والناظم آل به المبالغة في الإطراء الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا الغلو والوقوع في هذه الزلقة العظيمة ونحو ذلك قوله في خطابه للنبي صلى الله عليه وسلم :
    الأمان الأمان إن فؤادي ***** من ذنوب أتيتهن هراء
    هذه علتي وأنت طبيبي ***** ليس يخفى عليك في القلب داء
    فطلب الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم وشكا إليه علة قلبه ومرضه من الذنوب فتضمن كلامه سؤاله من النبي صلى الله عليه وسلم مغفرة ذنبه وصلاح قلبه ، ثم أنه صرّح بأنه لا يخفى عليه في القلب داء فهو يعلم ما احتوت عليه القلوب . وقد قال سبحانه : { وممن حولكن من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ( التوبة آية 101 ) وقال : { وآخرون من دونهـم لا تعلمونهم الله يلعمهم } ( الأنفال آية 60 ) وخفى عليه صلى الله عليه وسلم أمر الذين أنزل الله فيهم : { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } ( النساء آية 107 ) الآيات حتى جاء الوحي وخفى عليه صلى الله عليه وسلم أمر أهل الإفك حتى أنزل الله القرآن ببراءة أم المؤمنين رضي الله عنها وهذا في حياته فكيف بعد موته وهذا يقول : " وليس يخفى عليه في القلب داء " يعني أنه يعلم ما في القلوب والله سبحانه يقول : { والله عليم بذات الصدور } ( آل عمران آية 154 / والمائدة آية 7 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار " . -
    قول الناظم : إن من جودك الدنيا وضرتها : أ ي من عطائك وإنعامك وإفضالك الدنيا والآخرة ، وهذا كلام لا يحتمل تأويله بغير ذلك ، ووازن بين قول الناظم من جودك الدنيا وضرتها وبين قوله تعالى : ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) [ الجن : 21 ] . وقوله ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ) [ الأنعام : 50 ] .
    قال ابن كثير : " قل لا أقول لكم عندي خزائم الله " أي خزائن رزقه فأعطيكم ما تريدون ( ولا أعلم الغيب ) فأخبركم بما غاب مما مضى وما سيكون ( ولا أقول لكم إني ملك ) ؛ لأن الملك يقدر على ما لا يقدر عليه الآدمي ويشاهد ما لا يشاهده الآدمي .
    وقوله تعالى : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السـوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) [ الأعراف : 118 ]

    وازن بين قول يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك ، وبين قول الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أجعلتني لله ندًّا حيث قال له ما شاء الله وشئت " . فهذا لو قال ما لي من ألوذ به إلا الله وأنت ، لكان أقبح من قول القائل ما شاء الله وشئت ؛ لأن الله أثبت للعبد مشيئة لقوله : لمن شاء منكم أن يستقيم [ التكوير 28 ] فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ الإنسان : 29 ] فكيف إذا أفرد الرسول باللياذ والالتجاء من عذاب ذلك اليوم لا تكلم فيه نفس إلا بإذنه !-[الرد على البرده -الدرر السنية]----------
    وقال العلامة المجدد عبدالرحمن بن حسن :
    وقد اشتهر في نظم البوصيري ، قوله :
    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم !َ!
    وما بعده في الأبيات ، التي مضمونها : إخلاص الدعاء ، واللياذ والرجاء والاعتماد في أضيق الحالات ، وأعظم الاضطرار لغير الله .
    فناقضوا الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتكاب ما نهى عنه أعظم مناقشة ، وشاقوا الله ورسوله أعظم مشاقة .
    وذلك أن الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم ، في قالب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه . وأظهر لهم التوحيد والإخلاص ، الذي بعثه الله به في قالب تنقصه .
    وهؤلاء المشركون هم المتنقصون الناقصون ، أفرطوا فى تعظيمه بمانهاهم عنه أشد النهي ، وفرطوا في متابعته . فلم يعبؤوا بأقواله وأفعاله ، ولارضوا بحكمه ولاسلموا له ، وأنما يحصل تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بتعظيم أمره ونهيه .
    وهؤلاء المشركون عكسوا الأمر . فخالفوا ما بلَّغ به الأمة ، وأخبر به عن نفسه صلى الله عليه وسلم . فعاملوه بما نهاهم عنه : من الشرك بالله ، والتعلق على غير الله ، حتى قال قائلهم :
    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
    إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل : يا زلة القد
    فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم
    فانظر إلى هذا الجهل العظيم ، حيث اعتقد أنه لا نجاة له إلا بعياذه ولياذه بغير الله .
    وانظر إلى هذا الإطراء العظيم ، الذي تجاوز الحد في الإطراء ، الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبدٌ ، فقولوا عبدالله ورسوله " رواه مالك وغيره . وقد قال تعالى : ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكن إني ملك ) [ الأنعام : 50 ] .
    فانظر إلى هذه المعارضة العظيمة للكتاب والسنة ، والمحادة لله ورسوله . وهذا الذي يقوله هذا الشاعر هو الذي في نفوس كثير ، خصوصاً ممن يدعي العلم والمعرفة ، ورأوا قراءة هذه المنظومة ونحوها لذلك وتعظيمها من القربات ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

    [فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد]


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    فليتأمل مريد نجاة نفسه، بيان حقيقة الشرك، الذي أرسل الله الرسل من أولهم إلى آخرهم، ينهون عنه، وأنه الذي يسميه بعض الناس مجازا في هذه الأزمنة تشفعا وتوسلا، وبعض الضّلاّل يسميه مجازا; يعني بذلك أن استغاثتهم بالمقبورين والغائبين، وسؤالهم قضاء حاجاتهم، وتفريج الكربات على سبيل المجاز، وأن الله هو المقصود في الحقيقة.
    وهذا معنى قول المشركين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}
    وقد لبس الشيطان على كثير من الناس، خاصة ممن ينتسب إلى طلب العلم بأن السكوت عن الكلام في هذا الباب، هو الدين والورع، فتولد من ذلك الإعراض عن الاعتناء بهذا الأمر الذي هو أصل الدين، حتى صار جاهلا به، ثم آل الأمر ببعض هؤلاء إلى استحسان الشرك، والنفرة من ذكر التوحيد.
    ولم يدر هذا المتورع الورع الشيطاني أن أفرض العلوم، معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته، ومعرفة حقه على عباده، الذي خلق الجن والإنس لأجله، وهو توحيد الألوهية، الذي أرسل به جميع الرسل، وأنزل به جميع الكتب ; قال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [سورة محمد آية: 19]، وقال: {أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ} [سورة هود آية: 14]، أي: واعلموا أن لا إله إلا هو.
    وقال: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [سورة إبراهيم آية: 52]، فبين سبحانه أن من الحكمة في إنزال القرآن، ليعلم الله بما فيه من الحجج والبراهين، أنه هو المستحق للألوهية وحده، ففرض على عباده العلم بأنه لا إله إلا هو وحده، وأخبر أنه ضمن كتابه من الأدلة والبراهين ما يدل على ذلك.
    فيتعين على كل مكلف معرفة معنى لا إله إلا الله، الذي هو

    أصل الأصول، وأوجب العلوم؛ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" ، فرتب دخول الجنة، على العلم بأنه لا إله إلا الله؛ وهذا يبين معنى أحاديث أخر، كقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة" ، و "من قال لا إله إلا الله صدقا من قلبه، دخل الجنة" ، وغير ذلك من الأحاديث، وأن المراد من هذه الأحاديث ونحوها، العلم بأن لا إله إلا الله.
    وهذه الأمور التي انتشرت في أكثر الأمصار، من الاستغاثة بالمقبورين في تفريج الكربات، وسؤالهم قضاء الحاجات، والتقرب إليهم بالنذور، والذبائح، وغير ذلك من أنواع القربات، من لم يعرف أن هذا تأله لغير الله، وشرك عظيم تنفيه لا إله إلا الله، فهو لم يعلم أن لا إله إلا الله حقيقة العلم.
    وزعم المعترض أننا بإنكارنا ما تضمنته الأبيات المشار إليها، من الغلو فيه صلى الله عليه وسلم، متنقصون لجنابه صلوات الله وسلامه عليه؛ فهذا قوله مثل قول النصارى لما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن عيسى عبد الله مربوب، قالوا: إنه يسب المسيح وأمه، ووشوا به عند النجاشي؛ وهذا ما يلقيه الشيطان على ألسنة المشركين قديما وحديثا، إذا قال الموحدون: إن آلهتكم باطلة، وإنها لا تستحق شيئا من العبادة، اشمأزوا من ذلك، وزعموا أن من سلبهم ذلك، فقد هضم مراتبهم، وتنقصهم.
    فلهم نصيب من قوله: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [سورة إبراهيم آية: 52]، {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} [سورة غافر آية: 12].
    وقد أحسن القائل، رحمه الله تعالى، وهو ابن القيم:-----------------قالوا تنقصتم رسول الله وا ... عجبا لهذا البغي والعدوان
    أنتم تنقصتم إله العرش والقـ ... ـرآن والمبعوث بالقرآن
    ونظير هذا قول أعداء المسيـ ... ـح من النصارى عابدي الصلبان
    إنا تنقصنا المسيح بقولنا ... عبد وذلك غاية النقصان
    وكذاك أشباه النصارى من غلوا ... في دينهم بالجهل والطغيان
    صاروا معادين الرسول ودينه ... في صورة الأحباب والإخوان
    فانظر إلى تبديلهم توحيده ... بالشرك والإيمان بالكفران
    وانظر إلى تجريده التوحيد من ... أسباب كل الشرك بالرحمن
    اجمع مقالتهم وما قد قاله ... واستدع بالنقاد والوزان
    عقل وفطرتك السليمة ثم زن ... هذا وذا لا تطغ في الميزان
    فهنا تعلم أيما حزبينا هو الـ ... ـمنتقص المنقوص ذو العدوان
    رامي البريء بدائه ومصابه ... فعل المباهت أوقح الحيوان
    كمعير للناس بالزغل الذي هو ... ضربه فاعجب لذا البهتان
    يا فرقة التنقيص بل يا أمة الـ ... ـدعوى بلا علم ولا عرفان
    والله ما قدمتم يوما مقا ... لته على التقليد للإنسان
    تبا لكم ماذا التنقص بعد ذا ... لو تعرفون العدل من نقصان
    والله أمركم عجيب معجب ... ضدان فيكم ليس يتفقان
    تقديم آراء الرجال عليه مع هذا ... الغلو فكيف يجتمعان
    كفرتم من جرد التوحيد جهـ ... ـلا منكم بحقائق الإيمان
    لكن تجردتم لنصر الشرك والبـ ... ـدع المضلة في رضى الشيطان
    والله لم نقصد سوى التجريد للتـ ... ـوحيد ذاك وصية الرحمن
    ورضى رسول الله منا، لا غلو ... المشرك أصل عبادة الأوثان
    ولقد نهى ذا الخلق عن إطرائه ... فعل النصارى عابدي الصلبان
    ولقد نهانا أن نصير قبره ... عيدا حذار الشرك بالرحمن
    ودعا بأن لا يجعل القبر الذي ... قد ضمه وثنا من الأوثان
    فأجاب رب العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران
    حتى غدت أرجاؤه بدعائه ... في عزة وحماية وصيان
    ولقد غدا عند الوفاة مصرحا ... باللعن يصرخ فيهم بأذان
    أعن] الأولى جعلوا القبور مساجداً ... وهم اليهود وعابدو الصلبان
    والله لولا ذاك أبرز قبره ... لكنهم حجبوه بالحيطان
    قصدوا إلى تسنيم حجرته ليمـ ... ـتنع السجود له على الأذقان
    قصدوا موافقة الرسول وقصده التـ ... ـجريد للتوحيد للرحمن
    فلينظر المنصف وليتأمل، فالأمر كما قال رحمه الله: أمركم عجيب معجب ; وهذا حال غلاة زماننا، تشابهت قلوبهم فتشابهت أقوالهم، جمعوا بين الضدين: الغلو، والتنقص ; فجعلوا للنبي صلى الله عليه وسلم خصائص الربوبية والألوهية، بل جعلوها لمن دون الرسول، وبدَّعوا من جرد التوحيد، بل كفروهم.[الدرر السنية]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •