حديث : " كل خلق الله حسن " : يحول إلى " الضعيفة "
روى أبو الفضل الزهري في " حديث الزهري " ص 150 هذا الحديث :
أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْفَضْلِ الزُّهْرِيُّ، نا الْحَسَنُ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا رَوْحٌ، نا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفَ حَتَّى أَخَذَ بِثَوْبِهِ , فَقَالَ: «ارْفَعْ إِزَارَكَ»، فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَحْنَفُ فَتَصَطَّكَ رُكْبَتَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ حَسَنٌ " .
قَالَ: فَلَمْ يُرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَّا وَإِزَارُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ حَتَّى مَاتَ
ورواه الطحاوي في " المشكل " 4 / 409 فقال :
وَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ , قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ , أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ , يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ حَتَّى هَرْوَلَ فِي إثْرِهِ حَتَّى أَخَذَ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: " ارْفَعْ إزَارَكَ " فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إنِّي أَحْنَفُ، وَتَصْطَكُّ رُكْبَتَايْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ خَلْقِ اللهِ حَسَنٌ " فَلَمْ نَرَ ذَلِكَ الرَّجُلَ إلَّا وَإِزَارُهُ إلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ حَتَّى مَاتَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ كَالْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْضًا
وهذا إسناد ظاهره الصحة ؛ لكنه معل ؛ فقد رواه أحمد في " المسند " 4 / 390 فقال :
حدثنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد عن أبيه، أو عن يعقوب بن عاصم: إنه سمع الشريه يقول: أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يجر إزاره، فأسرع إليه أو هرول، فقال: " ارْفَعْ إِزَارَكَ، وَاتَّقِ الله" ، قال: إنى أحنف تصطك ركبتاي ؟
قال " ارْفَعْ إِزَارَكَ، فَإِنَّ كُلُّ خّلْقِ الله حَسَنٌ " .
فما رؤي ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه، أو إلى أنصاف ساقيه .
فقد خالف : زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ – وهو وإن كان ثقة – من هو أوثق منه ؛ بل هو إمام في التثبت والثقة ألا وهو : سفيان بن عيينة الذي رواه على الشك .
فالسند على هذا الشك لا يمكننا تصحيحه ؛ لأنه جاء من طريق يعقوب بن عاصم عن الشريد به .
ويعقوب هذا قال ابن حجر : مقبول - يعني إذا توبع - ولم يتابع فقد تفرد به من هذا الوجه - لأن الطريق الأخرى ( مشكوك فيها ) فلا يمكن القول بأن عمرو بن الشريد تابعه إلا إذا جاء بصيغة العطف (عمرو ويعقوب ) فعندئذ يكون عمرو قد تابع يعقوب – وعليه فالحديث منكر لتفرد هذا المقبول به ؛ ولا يحتمل منه التفرد !
أما رواية الطبراني في " الكبير " 7 / 316 :
حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُسْبِلُ إِزَارَهُ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ , أَوْ هَرْوَلَ إِلَيْهِ , فَقَالَ: " ارْفَعْ إِزَارَكَ، وَاتَّقِ اللهَ " , قَالَ: إِنِّي أَحْنَفُ السَّاقَيْنِ تَصْطَكُّ رُكْبَتِي، قَالَ: " كُلُّ خَلْقِ اللهِ حَسَنٌ " .
قَالَ: " فَمَا رُؤِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَّا وَإِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، أَوْ يَضْرِبُ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ " :
قال الطبراني : لَمْ يَذْكُرْ أَسَدُ بْنُ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ الشَّكَّ فِي عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، وَيَعْقُوبَ بْنِ عَاصِمٍ .
فأقول : لا قيمة لرواية أسد بن موسى المخالفة التي لم يذكر فيها الشك - كما أشار إلى ذلك الطبراني - فإنها من طريق المقدام بن داود عنه والمقدام قال النسائي : ليس بثقة ! وقال الدارقطني : ضعيف .
فمثله لا يستشهد به فضلاً عن أن يحتج به !
وقد روى ابن قانع في " معجم الصحابة " 2 / 215 فقال :
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ، نا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ، نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نا الْوَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو مُسْبِلًا إِزَارَهُ , فَقَالَ : "ارْفَعْ إِزَارَكَ يَا عَمْرُو ".
قَالَ: إِنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ قَالَ: " كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ حَسَنٌ " .
وهذا منكر جداً تفرد به على بن يزيد وهو الألهاني : متروك على الصحيح .
وإسماعيل بن الفضل هو البلخي قال الدراقطني : لا بأس به .
ويعقوب وثقه أبو حاتم وغيره . وابن قانع متكلم فيه ؛ وقال الخطيب : لا أدرى لماذا ضعفه البرقاني ؟ فقد كان ابن قانع من أهل العلم والدراية، ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه .
وقد رواه أحمد في " المسند " 29 / 321 فقال :
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ: بَيْنَا هُوَ يَمْشِي قَدْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ، إِذْ لَحِقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَخَذَ بِنَاصِيَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ " .
قَالَ عَمْرٌو: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ حَمْشُ السَّاقَيْنِ ؟
فَقَالَ: " يَا عَمْرُو، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، يَا عَمْرُو " وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ مِنْ كَفِّهِ الْيُمْنَى تَحْتَ رُكْبَةِ عَمْرٍو، فَقَالَ: " يَا عَمْرُو، هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ" ثُمَّ رَفَعَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بَأَرْبَعِ أَصَابِعِ مِنْ تَحْتِ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ ، ثُمَّ قَالَ: " يَا عَمْرُو، هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ " ثُمَّ رَفَعَهَا، ثُمَّ وَضَعَهَا تَحْتَ الثَّانِيَةِ فَقَالَ: " يا عَمْرُو، هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ " .
وهذا من تدليس الوليد بن مسلم ؛ فإنه مشهور بتدليس التسوية ؛ فلا بد من أن يصرح بالتحديث عن شيخه وكل من فوقه ؛ فقد أسقط من سنده على بن يزيد الألهاني ودلسه فصار الوليد يروي عن القاسم والقاسم يروي عن عمرو بن فلان الأنصاري ؛ بينما القاسم يروي عن أبي أمامة الأنصاري ؛ ولم يذكروا له رواية عن عمرو بن فلان أصلاً !
على أن القاسم نفسه متكلم فيه حتى قال أحمد : حدث عنه علي بن يزيد بأعاجيب ما أراها إلا من قبل القاسم !
وَقَالَ أيضاً : فِي حَدِيْثِ القَاسِمِ مَنَاكِيْرُ مِمَّا تَرْوِيْهِ الثِّقَاتُ .
نعم وثقه بعض الأئمة ؛ لكنه لا يحتمل منهم تفرده بهذا الحديث من دون أصحاب وتلاميذ أبي أمامة .
وقد يكون الاضطراب من الوليد بن سليمان ؛ فإنه كان يذكر الألهاني مرة ولا يذكره أخرى ؛ وهو وإن وثقه بعضهم ؛ فقد قال البغوي : بلغني أنه لين الحديث .
والحديث صححه شيخنا الألباني في " الصحيحة "
برقم ( 1441 ) وجعل رواية زكريا متابعة لرواية سفيان ؛ مع أن الأصح أن تكون رواية سفيان معلة لرواية زكريا ! كما تقدم ؛ لما علم من الفرق بينهما في التثبت والضبط ؛ فسفيان يرويه على الشك وزكريا يرويه على عدم الشك !
ثم خرجه شيخنا في " الصحيحة " برقم ( 2682 ) من رواية الوليد بن مسلم حدثنا الوليد بن سليمان أن القاسم بن عبد الرحمن حدثهم عن عمرو بن فلان الأنصاري ... وقال : " وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي القاسم بن عبد الرحمن - وهو صاحب أبي أمامة - كلام لا يضر " !
كذا قال رحمه الله تعالى ؛ وقد تقدم حمل أحمد على القاسم !
هذا مع أن الوليد بن مسلم يدلس ويسوي .
والخلاصة : الحديث لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ؛ فيحول من " الصحيحة " إلى " الضعيفة " والله تعالى أعلم .
__________________
اللهم اجعلنا هداة مهتدين وصل علينا صلاة قوم أبرار يقومون الليل ويصومون النهار ليسوا بأثمة ولا فجار
كتبه الشيخ علي رضا المدني