المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات فقد طبع المجلد الأول من هذه السلسلة التي أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفع بها الجامع والقارئ والسامع وعموم المسلمين فقد طبع المجلد الأول من السلسلة الصحيحة ثم تلاه طباعة المجلد الأول من السلسلة الضعيفة ونحن الآن في عداد طباعة المجلد الأول من " إرواء الغليل "
ويرى القارئ اللبيب في هذا المجلد الوقف على السهو والخطأ والوهم والتصحيف وذلك مكمن الطبيعة البشرية ونحن نذكر ما ند به قلم مؤلفه رحمه الله من سقط أو وهم أو ما يقاربه بعيدا عن الاستطراد والحشو بأدنى عبارة واضحة تنبئ على سعة إطلاع لمؤلفه وحضور ذهن وتفنن في استطراد المراجع والمصادر الحديثية
ومع ما ذكرنا فيه إلا إننا لا ندعي إنا استوفينا حقه وما هي إلا بضاعة مزجاة وربما يكبو النظر ويصرف القلم ولكل جواد كبوة
وسارعت فيما جمعت رجاء عظيم الثواب وطمعا في النجاة يوم الحساب والله من وراء القصد وهو حسبي وإليه المآب "
وكما ذكر الحافظ الذهبي في " التذكرة " ( 627/ 2 ) :
( فبالله يا شيخ ارفق بنفسك وإلزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشزر ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا .... وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن إعوزك المقال : من أحمد ؟ ومن ابن المديني ؟ وأي شي أبو زرعة وابوداود ؟ هؤلاء محدثون ولا يدرون ما الفقه ؟ وما أصوله ؟ ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله تعالى بالدليل ولا هم من فقاء الملكة فاسكت بحلم وانطق بعلم فالعلم النافع هو ما جاء به أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل فمن اتقى الله وراقب الله واعترف بنقصه " ا ه .
وكما أنه ينبغي الإذعان لأقوالهم ولا يرمق الأئمة الأعلام إلا جاهل
وكما قال العلائي رحمه الله في " النقد الصحيح لما اعترض من أحاديث المصابيح " ( ص 26 )* :
" متى ما وجد في كلام أحد من المتقدمين الحكم على حديث لشيء كان معتمدا لما أعطاهم الله من الحفظ العظيم والإطلاع الغزير وإن أختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح وهذا التعذر إنما يجيء في الحاديث المحتملة وإلا فكثير من الأحاديث جدا يشهد القلب بوضعها وهو حال كتاب الموضوعات لابن الجوزي والله أعلم "
وكما ذكر الإمام مسلم رحمه الله في " التمييز " ( 2/ ب ) :
" ومع ما ذكرت لك من منازلهم في الحفظ ومراتبهم فيه فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضيين إلى زماننا وإن كان من أحفظ الناس واشدهم توقيا واتقانا لما يحفظ وينقل إلا والغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله "
ومنهجنا في هذا المجلد :
" أن نورد فيه من ذكرهم الشيخ الألباني رحمه الله في " إروء الغليل " بوهم أو سقط أو خطأ نتيجة لغفلة أو سهو أو عجلة أو عدم انتباه أو سقط أو خوان حفظ وذلك مكمن الطبيعة البشرية وأردنا بذلك بيان الحق والنصح للمسلمين ورحم الله الإمام أحمد حيث قال : " ومن يعرى من الخطأ والتصحيف "
ولعل ما جاء فيه يعد غريبا بعض الشيء ولكن لكل قوم منه نصيب ولكل منهم وارد ومشرب ولعل بعض من البشر يسيء الظن بنا ويرمق النظر إلينا ولكن كما قيل " ما نحن فيما سبق إلا كبقل في إصول نخل طوال "
وما حالنا إلا كما قال الإمام أبو محمد الحسين ابن مسعود الفراء البغوي رحمه اله في مقدمة " شرح السنة " ( ج1/ ص 2-3 ) :
" وإني في أكثر ما أوردته بل في عامته متبع إلا القليل الذي لاح لي بنوع من الدليل في تأويل كلام محتمل أو إيضاح مشكل أو ترجيح قول على آخر إذ لعلماء السلف رحمهم الله تعالى سعي كامل في تأليف ما جمعوه ونظر صادق للخلف في أداء ما سمعوه والقصد بهذا الجمع مع وقوع الكفاية لما علموه وحصول ( الغنية ) فيما فعلوه الاقتداء بأفعالهم والانتظام في سلك أحد طرفيه متصل بصدر النبوة والدخول في غمار قوم جدوا في إقامة الدين واجهدوا في إحياء السنة شفقا بهم وحبا لطريقتهم وإن قصرت في العمل عن مبلغ سعيهم طمعا في موعود الله سبحانه وتعالى عن لسان رسوله صلى الله عليه وسلم " المرء مع من أحب ..." ا ه
وما كان فيه من حق وصواب فمن الله وما كان فيه من خطأ وزلل فمني ومن الشيطان واستغفر الله العظيم وما أبريء نفسي فإن النفس أمارة بالسوء والله ورسوله منه بريء "
فيا أيها القارئ اللبيب والناظر الحبيب فيه هذه بضاعة مزجاة مسوقة إليك وهذا فهمه معروض عليك لك غنمه وعليه غرمه كما أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفع بها القارئ والكاتب والسامع عامة المسلمين إنه سميع قريب مجيب الدعاء "
كما أنه قد يقع من المؤلف – الألباني رحمه الله – في بعض الأغلاط واعلق أحيانا على حسب ما يقتضيه الأمر أن أمكن واصحح وأنبه على الأصل فيما أمكن والسهو من طبع البشر وجل من لا يضل ولا ينسى " والمعصوم من عصمه الله "
وإن مما يلفت النظر ويدل على فضل المؤلف رحمه الله إنصافه احيانا يرجع عن ما يراه منتقدا فيه واحيانا يتعقب في بعض المواطن ويكون الصواب حليفه في الغالب واحيانا يقع في الوهم وذلك مما زاد في قيمة الكتاب وكما أنه لا يخلو من فوائد حديثية وفقهية
وكما أنه احيانا ينفرد بأبحاث ومسائل وفرائد وفوائد خلت منها كتب الرجال يبحث في مواطن لم يبحث فيها في كتاب بذكره وهذا ما لا تراه في كتاب فعض عليها بالنواجذ " وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكما قيل " كم ترك الأول للآخر "
وكما قال الذهبي في " السير "
" إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه وإتباعه يغفر له خطأه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه نعم لا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك "
وأختم هذه المقدمة بقول الإمام القلقشندي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه " صبح الأعشى " فأقول :
" وليعذر الواقف فنتائج الأفكار على اختلاف القرائح لا تتناهى وإنما ينفق كل أحد على قدر سعته لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ورحم الله من وقف فيه على سهو أو خطأ فأصلحه عاذرا لا عاذلا ومنيلا لا نائلاً فليس المبرأ من الخطل إلا من وقى الله وعصم وقد قيل : " الكتاب كالمكلف لا يسلم من المؤاخذة ولا يرتفع عنه القلم " !
" والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " .