الدرس التاسع عشر
التنبيه الثاني / حكم الإسلام في الدنيا يشمل من أظهر شعائر الإسلام.
أي أننا نجري حكم الإسلام في الدنيا بحرمة الدم والمال على كل من أظهر الإسلام وذلك:
- أن ينطق بالشهادتين.
- ولا يمتنع عن الشعائر الظاهرة.
ونكل سريرته إلى الله – تعالى – الذي يعلم السر وأخفى، فإن الخلق مجموعون ليوم الحساب؛
لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ:
(أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُول الله ، وَيُقيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ،
فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلاَّ بحَقِّ الإسْلاَمِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تَعَالَى) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
فالإسلام يدخل فيه أنواع:
1) مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الْمَحْضُ.
2) وَيَتَنَاوَلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ مَعَ التَّصْدِيقِ الْمُجْمَلِ فِي الْبَاطِنِ وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْوَاجِبَ كُلَّهُ لَا مِنْ هَذَا وَلَا هَذَا
وَهُمْ الْفُسَّاقُ يَكُونُ فِي أَحَدِهِمْ شُعْبَةُ نِفَاقٍ.
3) وَيَتَنَاوَلُ مَنْ أَتَى بِالْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْإِيمَانِ ؛ وَلَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ.
وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا فُسَّاقًا تَارِكِينَ فَرِيضَةً ظَاهِرَةً وَلَا مُرْتَكِبِينَ مُحَرَّمًا ظَاهِرًا
لَكِنْ تَرَكُوا مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبَةِ عِلْمًا وَعَمَلًا بِالْقَلْبِ يَتَّبِعُهُ بَعْضُ الْجَوَارِحِ مَا كَانُوا بِهِ مَذْمُومِينَ .
وَهَذَا هُوَ " النِّفَاقُ " الَّذِي كَانَ يَخَافُهُ السَّلَفُ عَلَى نُفُوسِهِمْ . فَإِنَّ صَاحِبَهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ شُعْبَةُ نِفَاقٍ .
4) الْأَبْرَارُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ وهم من أَتَوا بِالْإِسْلَامِ الْوَاجِبِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْإِيمَانِ ؛
وأَتَوا بِتَمَامِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبَةِ عِلْمًا وَعَمَلًا بِالْقَلْبِ.
5) الْمُقَرَّبِونَ وهم من زادوا على الأبرار في الطاعات مِنْ بَابِ الْمُسْتَحَبَّا تِ.
التنبيه الثالث : ضابط تحديد دار الإسلام .
الذي يظهر من كلام المحققين أن الاعتبار بالسيادة والغلبة وظهور شعائر الإسلام ؛
"لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بمجرد استيلائهم عليها . بل حتى تنقطع إقامة شعائر الإسلام عنها،
وأما مادامت شعائر الإسلام أو غالبها قائمة فلا تصير دار حرب " (حاشية الدسوقي : 2/ 188) .
وقال الشوكاني - رحمه الله -:
" أقول : الاعتبار بظهور الكلمة ؛ فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام
بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام ؛ فهذه دار إسلام.
ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار, ولا بصولتهم
كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في المدائن الإسلامية,
وإذا كان الأمر العكس فالدار بالعكس " (السيل الجرار: 4/575) .
التنبيه الرابع : اعلم أنه يمكن أن يجتمع في الدار, وفي الشخص كفر وإيمان وفسق وإسلام،
كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في بيان حكم (ماردين) بقوله :
"الحمد لله دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا فى ماردين أو غيرها.
وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل ماردين
أو غيرهم والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه وإلا استحبت ولم تجب ...
وأما كونها دار (حرب) أو (سلم) فهي مركبة فيها المعنيان
ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ,
ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار.
بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه , ويقاتل الخارج عن شريعة الاسلام بما يستحقه.
مجموع الفتاوى (28|240)
وقال شيخ الإسلام : " الناس قبل مبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا في حال جاهلية منسوبة إلى الجهل؛
فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جهال, وإنما يفعله جاهل.
وكذلك كل ما يخالف ما جاء به المرسلون من يهودية ونصرانية فهي جاهلية , وتلك كانت الجاهلية العامة.
فأما بعد ما بعث الله الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فالجاهلية المطلقة قد تكون في مصر دون مصر كما هي في دار الكفار.
وقد تكون في شخص دون شخص كالرجل قبل أن يسلم فإنه يكون في جاهلية , وإن كان في دار الإسلام؛
فأما في زمان مطلق فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم؛
فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة.
والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين , وفي كثير من المسلمين كما قال - صلى الله عليه وسلم -:
" أربع في أمتي من أمر الجاهلية", وقال لأبي ذر : " إنك امرؤ فيك جاهلية " ونحو ذلك "
( اقتضاء الصراط المستقيم : 79) .
الفوائد المنتقاة :
1) إن الانقياد التام : هو خضوع العبد وإذعانه للشرائع النبوية – ظاهراً وباطناً - .
2) إن الانقياد لهد بالطاعة هو الجانب العملي من الإسلام المفضي إلى الشريعة الصحيحة
تحت عنوان السنة التي حقيقتها شهادة ( أن محمداً رسول الله ).
3) الأصول التي ينبني عليها الانقياد.
الأصل الأول : تعظيم الرسول – صلى الله عليه وسلم – و إجلاله و محبته.
الأصل الثاني : تصديق الرسول – صلى الله عليه وسلم – في خبره ، وطاعته في أمره.
الأصل الثالث : أن لا يعارض العبد شيئاً مما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم - بشيء من المعارضات الأربعة المسماة:
بالمعقول والقياس والذوق والسياسة.
4) إن الانقياد نوعان ، نوع هو أصل في الانقياد إذا ارتفع ارتفع معه الإيمان من القلب بالكلية.
ونوع هو واجب في الانقياد إذا لم يوجد في القلب أثم تاركه.
النوع الأول / هو أصل عمل القلب وخضوعه للأمر الشرعي محبةً وإجلالاً.
النوع الثاني / هو عمل قلبي واجب يلزم منه إرادة الأمر الشرعي والعمل به.
5) عموم رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – لكل أهل الأرض من الجن والأنس ،
وأنه لا يجوز لأحد الخروج عنها ، ومن لم يؤمن بها فهو كافر خالد في النار .
6) حكم الإسلام في الدنيا – حرمة المال والدم - يشمل من أظهر شعائر الإسلام.
7) دار الإسلام هي الدار التي تكون الكلمة النافذة فيها لأهل الإسلام والتي تظهر فيها شعائر الإسلام.
8) يمكن أن يجتمع في (الدار), وفي (الشخص): كفر وإيمان وفسق وإسلام.
***