قال رحمه الله في ترجمة أبي الحسن الأشعري: (وكان على مذهب المعتزلة زماناً طويلاً، ثم عنَّ له مخالفتهم، وأظهر مقالة خبطت عقائد الناس، وأوجبت الفتن المتصلة، وكان الناس لا يختلفون أن هذا المسموع كلام الله، وأنه نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم، فالأئمة المعتمد عليهم قالوا: إنه قديم، والمعتزلة قالوا: مخلوق، فوافق الأشعرى المعتزلة في أن هذا مخلوق، وقال: ليس هذا كلام الله، إنما كلام الله صفة قائمة بذاته، ما نزل، ولا هو مما يُسمع، وما زال منذ أظهر هذا خائفاً على نفسه لخلافه أهل السنة، حتى إنه استجار بدار أبي الحسن التميمي حذراً من القتل، ثم نبغ أقوام من السلاطين فتعصبوا لمذهبه، وكثر أتباعه حتى تركت الشافعية معتقد الشافعي، ودانوا بقول الأشعري). المنتظم (6/332).
وقال رحمه الله: (ثم لم يختلف الناس في غير ذلك، إلى أن نشأ علي بن إسماعيل الأشعري، فقال مرة بقول المعتزلة، ثم عنّ له فادعى أن الكلام صفة قائمة بالنفس، فأوجبت دعواه هذه أن ما عندنا مخلوق، وزادت فخبطت العقائد، فما زال أهل البدع يجوبون في تيارها إلى اليوم). صيد الخاطر، ص197.
وقال رحمه الله: (ولقد حكى ابن عقيل عن أبي المعالي الجويني أنه قال: إن الله تعالى يعلم جُمل الأشياء ولا يعلم التفاصيل، ولا أدري أي شبهة وقعت في وجه هذا المسكين حتى قال هذا.
وكذلك أبو حامد حين قال: النزول التنقل، والاستواء مماسة. وكيف أصف هذا بالفقه، أو هذا بالزهد وهو لا يدري ما يجوز على الله مما لا يجوز، ولو أنه ترك تعظيم نفسه لرد صبيان الكتاب رأيه عليه، فبان له صدقهم). صيد الخاطر، ص127.
وقال رحمه الله: (قدم إلى بغداد جماعة من أهل البدع الأعاجم، فارتقوا منابر التذكير للعوام، فكان معظم مجالسهم أنهم يقولون: ليس لله في الأرض كلام! وهل المصحف إلا ورق وعفص وزاج؟! وإن الله ليس في السماء! وإن الجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أين الله؟) كانت خرساء، فأشارت إلى السماء، أي: ليس هو من الأصنام التي تعبد في الأرض! ثم يقولون: أين الحروفية الذين يزعمون أن القرآن حرف وصوت؟! هذا عبارة جبريل!!
فما زالوا كذلك، حتى هان تعظيم القرآن في صدور أكثر العوام، وصار أحدهم يسمع فيقول: هذا هو الصحيح؛ وإلا، فالقرآن شيء يجيء به جبريل في كيس!
فشكا إليّ جماعة من أهل السنة، فقلت لهم: اصبروا، فلا بد للشبهات أن ترفع رأسها في بعض الأوقات، وإن كانت مدموغة، وللباطل جولة، وللحق صولة، والدجالون كثير، ولا يخلو بلد ممن يضرب البهرج على مثل سكة السلطان). صيد الخاطر، ص195.
وقال ابن رجب رحمه الله: (وقال يوماً على المنبر: أهل البدع يقولون: ما في السماء أحد، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم). ذيل طبقات الحنابلة (2/466).