العمليات الإنتحارية مفاسد ومآخذات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
يقول المثل : " الحاجة أمّ الإختراع "
لعله يقال في مواطن محددة لدى غالب العامة وفي الحقيقة يمكن تعميمه في جميع المجالات حتى الدينية منها .
فإن مآرب الجماعات الإسلامية تختلف باختلاف مشاربها ، فمنهم من يرى بعين السخط فلا يكتفي في إشباع غرائزه الوحشية وحاجياته الشهوانية بمجرد الحلول الوسطية التي دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة فيلجأ إلى طرقه المكتسبة من خلال مخالطته لشرائح متعددة يغلب على طابعها النفوس الدموية المتعطشة إلى احتساء أكبر كمية ممكنة من الدماء ، وعليه فإن الحاجة إلى الدماء علمته كيفية اختراع ما يشبع غريزته وإن صح التعبير اختراع مضخة لتملأ خزاناته بأكبر أمتار مكعبة من الدماء وبصبغة إسلامية حتى يتسنى له إقناع المغلوب على أمرهم .
وهذا الصنف بُرمج بطريقة عجزت الكثير من العقول من إدراك الكيفية التي تم بها ذلك ، لهذا أيها الأخ المبارك سأذكر لك - إن شاء الله - أحد هذه الإختراعات والتي لم تظهر إلا في أواخر القرن الرابع عشر على يد شرذمة من الصنف المذكور سابقا .
وهو ما يسمى بالعمليات الإنتحارية .
وسأقوم بعرض بعض المآخذ والمفاسد المترتبة عليها :
1- قتل النفس :
فكل من قام بهذه العمليات فلا بد أن يقتل نفسه ،وهو محرم بالإجماع لتواتر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة بل وذهب بعض أهل العلم إلى كفر من قتل نفسه ومات منتحرا آخذين بظاهر الأدلة وإن كان قولا ضعيفا فلهم أدلتهم ، وكفى بالمنتحر خزيا ما ورد فيه من الأدلة التالية :
عن ثابت بن الضحاك –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم : (... ومن قتل نفسه بحديدة، عذب بها في نار جهنم).[ البخاري و مسلم]
و عن جندب- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة ) [ البخاري و مسلم ]
و عن أبي هريرة- رضي الله عنه -قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار).[ البخاري ومسلم ]
و عن أبي هريرة -رضي الله عنه-،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تردَّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سماً فقتل نفسه، فسمه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلَّداً فيها أبداً).[ البخاري و مسلم ]
وقد بوب الإمام أبو داود في سننه :
" باب الإِمام لا يصلي على من قتل نفسه "، ثم ساق الأدلة على ذلك.
2- قتل النفس المحرمة :
إن المقدم على هذه العمليات يحاول دائما وأبدا أن يحصد أكبر عدد ممكن من الأرواح وأن تتناثر أكبر كمية من الأشلاء و جريان شلالات الدماء .
لهذا فإن وجهته تكون نحو المجمعات البشرية ليكون لعمليته الصدى الواسع فلا يهمه أن يقتل الأنفس البريئة المحرمة المسلمة منها أو الذمية أو المعاهدة او المستأمنة , لهذا فإنه يقع في أعظم الكبائر بعد الشرك بالله وهو قتل الأنفس والعياذ بالله
قال عز وجل " (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )[ الأنعان 151]
وقال عز وجل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) [ النساء : 93]
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يزال المرء في فسحة من دينه ما دام لم يصب دما حراما )
3- تسمية المحرمات بغير إسمها :
وهذا معروف لدى أرباب هذا الفكر فهم يسمونها بالعمليات الإستشهادية وهو الأكثر رواجا بينهم أو العمليات الفدائية ، وحقيقة الحال وصدق المقال أنها عمليات إنتحارية ليس لها أي صلة بالإستشهاد لا من قريب ولا من بعيد .
وهذا لا يجوز أبدا بالإضافة أنها لا تغير من الحقائق شيئا .
قال صلى الله عليه وسلم : (إن ناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير إسمها ) أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة وقال : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وصححه العلامة الألباني في الصحيحة .
فهم يسمونها إستشهادية وهي في الحقيقة إنتحارية .
4- أنها بدعة ضلالة :
لم يرد عن الصحابة والسلف أنهم قاموا بمثل هذه العمليات أبدا ، ومن زعم العكس فعليه بالدليل فـ :
دين النبي محمد كله أخبار
فلو كانت خيرا لما سبقناهم إليها وهي من المعلوم من الأمور التعبدية
وكل خير في اتباع من سلف """ وكل شر في ابتداع من خلف.
5- إطلاق لفظ الشهيد على المعيّن :
وهذا لا يجوز لتظافر الأدلة على ذلك من السنة النبوية وتقرير ذلك من أهل العلم المعتبرين .
وقد كتبت بحثا مختصرا سميته " عون رب العبيد على كتابة الرد السديد على من قال فلان شهيد " وهذا طرف منه :
روى الحاكم في المستدرك أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- صعد المنبر وخطب ثم قال" (... وأخرى تقولونـها لمن قُتِل في مغازيكم هذه ومات قتل فلان شهيدا،وعسى أن يكون قد أثقل عجز دابته،أو أردف راحلته ذهبا وورقا يبتغي الدنيا، فلا تقولو ا ذلك، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل أو مات في سبيل الله فهو في الجنة) قال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وروى الإمام ابن الجوزي في كتابه النفيس " تلبيس إبليس " ص: 131
قال ( ذكر تلبيس إبليس على الغزاة ) عن إبن مسعود-رضي الله عنه-قال: " إياكم أن تقولوا مات فلان شهيد أو قتل فلان شهيدا ، فإن الرجل يقاتل ليغنم ويقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه "
وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه : باب لا يقال فلان شهيد وساق الأدلة على ذلك .
6- تنافي الرجولة وتذهب بالمروءة :
فمن شيم المسلمين الرجولة والحفاظ على المروءة ، وأصحاب العمليات الإنتحارية خذشوا في رجولتهم وذهبوا بمروئتهم حيث رضوا بطرق الجبناء وجانبوا أسليب العقلاء ، فتركوا المواجهات مع الأعداء واتجهوا إلى هذه العمليات .
وقد يقول قائل : كيف تقول أنهم خدشوا في رجولتهم وهم يفجرون أنفسهم ؟
أقول : وهل تعتبر من مات منتحرا فيه نزعة رجولة وذرة مروءة ؟
فلو كان كذلك لما أقدم على الإنتحار ولكان جلدا وواجه المصاعب وصبر عليها .
7- التشبه بأهل الكفر والفسوق :
قال صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهم منهم )
قال الإمام أحمد –رحمه الله- : ' أقل أحوال التشبه التحريم '
فهم بهذه العمليات يتشبهون بالمنتحرين ( الكفار منهم فالفساق ) وتكمن أوجه الشبه في :
- الفاسق أو الكافر المنتحر قنط من رحمة الله فوضع حدا لحياته لأنه لم ينل ما يرموا إليه من مناصب دنيوية أو شهوات نفسية .
- وأما صاحبنا فقد قنط وأساء الظن بالله لعدم حصول النصر .
8- إستعجال الأمر قبل أوانه :
وقد قيل : " من استعجل الأمر قبل أوانه عوقب بحرمانه "
والمنتجر إستعجل النصر فعوقب بحرمانه ، ولو أنه صبر ورابط واحتسب لنصر .
لكن الإستعجال جره إلى وضع حد لحياته .
9- إظهار المسلمين مظهر العجر والذل :
نعم وللأسف هذا حال العاجزين الذين لم يجدوا للعز طريقا سوى استعمال أمثال هذه الأساليب .
فإن روح الشجاعة تكمن في المواجهة والخائفون الخائبون العاجزون يقاتلون من وراء الجدر وهو استعمل هذه العمليات جدار وحاجزا بينه وبين العدو .
10- تسليط الكافرين على المسلمين المستضعفين :
فكم جرّت هذه العمليات من الويلات على المسلمين وانتهز بها الكفار فرصة لتكشير أنيلبهم وقذف سمومهم وتبيين بطشهم ضد المسلمين المستضعفين وما يحدث الآن في فلسطين خير دليل .
فنرى هذا المنتجر وقد قتل بعض علوج أو جرح العشرات ويكون الدور للكفرة بالإنتقام من المسلمين المستضعفين بقتلهم وتشريدهم .
وديننا جاء لدرء المفاسد قبل جلب المصالح
قال العلامة السعدي في منظومة القواعد الفقهية :
الدين مبني على المصالح"""" في جلبها والدرء للقبائح
فإن تزاحم عدد المصالح"""" قدم الأعلى من المصالح
وكذلك تزاحم المفاسـد """" قدم الأدنى من المفاسـد
وأي مفسدة أعظم من قتل المسلمين والتسلط عليهم بمقابل علج واحد ؟
نسأل الله السلامة .
وكذلك فإن المقرر في الشريعة أن تغيير المنكر على مراتب .
الأول : أن يغير المنكر فيحل منكر أعظم منه .
الثاني : أن يغير المنكر فيحل منكر مساو له .
الثالث : أن يغير المنكر تماما .
فالمرتبة الأولى والثانية والثالثة واجب بقدر الإستطاعة .
فالمنتجر أراد أن يغير المنكر بقتل كافر فوقع في عدة مناكر سبق الإشارة إليها ومنها هذه.
والله الموفق
وكتبه :
جمال بن عبد العزيز الربيعي
( أبو عاصم السّلفي )