الحلقة الخامسة ( مكمن الغواية )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

أما بعد

فإن منبع غواية هذه الفرقة وضلالها في باب الصفات هو اعتقادهم أن إثباتها مستلزم للتجسيم أو التشبيه , وهذه المغالطة الواضحةصريحة في كلامهم ,

وليس الأمر كما يظنه الكثير من أن مكمن الخطأ عندهم هو اشتباهٌ في النصوص الشرعية .

كيف وقد وضعوا للنصوص الشرعية مآلات تفضي بها إلى اللاشيء أو إلى مصير اللاشيء !

فإن روينا لهم حديثا فردا ؛ قالوا : هذا آحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم !

قال الأشعري حسن السقاف: اعلم رحمك الله أن العلماء الحفاظ المتقدمين نصوا على أن حديث الآحاد يفيد الظن , وأن الحديث المتواتر يفيد العلم .اهـ (1)

وإن جئناهم بمتواتر ؛ قالوا : هذا ظاهره يخالف العقل فسبيله التأويل

قال الغزالي : وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه التأويل ما ورد السمع به .اهـ (2)

وإن لم يجدوا له محملا يحملونه عليه طعنوا في رواته !

قال الغزالي : كل خبر مما يشير إلى إثبات صفة للباري تعالى يُشعر ظاهره بمستحيل في العقل , نُظِرَ : إن تطرق إليه التأويل قُبِلَ وأُوِّلَ , وإن لم يندرج فيه احتمالٌ تبين على القطع كذب الناقل !!! .اهـ (3)


وحتى الرازي عقد في تأسيسه (4) فصلا قبيحا جدا جمع فيه ما لم يجمعه الرافضة في الطعن بالصحابة بقصد أن أعلى طبقات أهل الحديث حصل بينهم خلاف فكيف نقبل مروياتهم في الصفات !!

وهذا الرازي لو أعمل الشيء الذي رُكِّبَ فيرأسه قليلا لعلم أن الحجة في كلامه راجعة عليه !!

إذ أن عامة الخلافات التي جرت بين الصحابة والتي نقل هو بعضها كانت في مسائل فقهيةفرعية يخفى دليلها على البعض ويعرفه البعض الآخر , وليس فيها خلاف في الأسماء والصفات الذي هو باب نقاشنا فدل عدم نقل خلاف عنهم في هذا الباب أنهم كانوا مجمعين على ما جاء فيه ؛ (( فعادت حجة الرازي عليه)) !!

ومنهم من اختصر الطريق وأراح رأسه وصرح

قال الإيجي في مواقفه : الدلائل النقلية هل تفيد اليقين ؟
قيل : لا , لتوقفه على العلم بالوضع والإرادة .اهـ

قال الجرجاني شارحا الكلام السابق : إن القول بأن الأدلة النقلية لا تفيد اليقين هو مذهب المعتزلة ((وجمهور الأشاعرة)) .اهـ

وقول القائل الأدلة اللفظية التي جاء بها الرسول لا تفيدنا علما ولا يقينا من أعظم أنواع السفسطة وأكثر أسباب الزندقة وهؤلاء شر مناللاأدرية وشر من الباطنية .(5)

ولما ضاق عطن القوم بكثرة الأحاديث المخالفة لهم الآخذة بحلوقهم , اخترعوا خرافة الاثني عشر ألف حديث التي دسها الملاحدة في كتب المحدثين !!

قال الإمام الدارمي رحمه الله : أوَ لَيْسَ قَدِ ادَّعَيْتَ أَنَّ الزَّنَادِقَةَ قَدْ وضعو اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ دَلَّسُوهَا عَلَى الْمُحَدِّثِينَ ؟, فَدُونكَ أَيُّهَا النَّاقِدُ الْبَصِير الْفَارِس النِّحْرِير فأوجد مِنْهَا اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيثًا، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهَا فَلِمَ تُهَجِّنُ الْعلموَالدِّين َ فِي أَعْيُنِ الْجُهَّالِ بِخُرَافَاتِكَ هَذِهِ ؟؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا هُوَ دِينُ اللَّهِ بَعْدَ الْقُرْآنِ، وَأَصْلُ كُلِّ فِقْهٍ، فَمَنْ طَعَنَ فِيهِ فَإِنَّمَا يَطْعُنُ فِي دِينِ الله تَعَالَى . أَو لم تَسْمَعْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَعَلَ الحَدِيث أَصْلَ الْفَقْهِ ؟ ؛ فَقَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، فرُبَّ حَامل فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ" ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلَ الْفقهِ كُله بعد الْقُرْآن الحَدِيث الَّذِي تَدْفَعُهُ أَنْتَ وَإِمَامُكَ الْمَرِيسِيُّ .اهـ (6)

وقال الرازي الأشعري أثناء حديثه عن صاحبي الصحيحين : غاية ما في الباب أنّا نحسن الظن بهما وبالذين رويا عنهم , إلا أنّا إذا شاهدنا خبرا مشتملا على منكر لا يمكن إسناده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قطعنا بأنه (( من أوضاع الملاحدة ومن ترويجاتهم على المحدثين !!)) .اهـ (7)

وحتى القرآن لم يسلم من سياط تأويلاتهم وتحريفاتهم القبيحة فأنزلوه مع الحديث منزلة المتهم وأقعدوا العقل حاكما عليهما وأوثقوهما بالقيود الثقال وصوّبوا عليهما عشر تهم ليس منها فكاك !! (8)

قال ابن القيم رحمه الله : ونحن نناشد هؤلاء الجهمية بالله الذي لا إله إلا هو

هل يجدون في أنفسهم هذا التسليم والانقياد والتحكيم للنصوص ؟,

وهل هم مع الرسول وما جاء به بهذه المنزلة ؟

فوالله إن قلوبهم وألسنتهم وكتبهم لتشهد عليهم بضد ذلك كما يشهد به عليهم المؤمنون والملائكة وأولو العلم والله سبحانه وكفى بالله شهيدا .اهـ(9)

وابن القيم رحمه الله إذا ذكر الجهمية فهو يقصد الأشاعرة وهذا أمر لاحظه السبكي في كتابه الذي نحن وهو في سجال حوله

حيث قال : فكلما قال هذا الناظم عن جهم في هذه القصيدة فمراده الذي مذهبه مذهب الأشعري .اهـ (10)

فتبين مما سبق أن قول السبكي في سيفه الصقيل متحدثا عن فرقته الأشعرية : بَنَتْ أصولها ((على الكتاب والسنة)) والعقل الصحيح .اهـ (11)

هو ضرب من ضروب السمادير(12)

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد

(1) مقدمة تحقيقه للكتاب الأثيم : دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي .
(2) الاقتصاد 179 , ولكنه خالف أصحابه فقرر أن السمع لا يخالف العقل لأن ما كان ظاهره التشبيه –كما يزعم- فمصيره التأويل وبهذا لا يكون مخالفا للعقل .
(3) المنخول 286
(4) أساس التقديس 169 وما بعده
(5) الصواعق المرسلة 2/646
(6) نقض الدارمي
(7) أساس التقديس 171
(8) وهي الشروط العشرة التي وضعها الرازي, والتي لا يمكن أن نستفيد يقينا من الأدلة الشرعية حتى تجتاز هذه الشروط , ذكرها ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة 2/633
(9) الصواعق المرسلة 4/1521
(10) السيف الصقيل 34
(11) السيف الصقيل 22
(12) السمادير : الأشياء التي تتراءى للإنسان في حالة السُّكْرِ .
*تنويه : النقولات الأشعرية نقلتها من بحوث لطلاب علم .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ

أنهيته ولله الحمد
يوم الاثنين 18ربيع الآخر 1438
قبل صلاة العصر

منقول من مدونة http://nwwaaf.blogspot.com/2017/01/blog-post.html