تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حب الصحابة دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي حب الصحابة دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ

    : قول الطحاوي رحمه الله (وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ، وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ).حب الصحابة دين؛ لأن الله جل وعلا أثنى عليهم فيجب تصديق خبر الله جل وعلا فيما أثنى الله به عليهم في آيات كثيرة، سواء ما أثنى به على المهاجرين والأنصار كجنس، أو ما أثنى به على أهل بيعة الرضوان، أو ما أثنى به على السابقين، أو ما أثنى يه على جميع من مع النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ هذا يشمل الجميع، ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ هؤلاء حبّهم لثناء الله جل وعلا وتصديق خبر الله، هذا لاشك أنه دين،(وإحْسَانٌ) لأنه يدل على أن المحب لهم محسن في دينه وأتى بما يجب عليه وما يتقرب به إلى ربه من أنواع إحسانه وصدقه في دينه.
    (وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ) كل هذه تتبعض ليست شيئا واحدا، فالناس في حب الصحابة يختلفون، وأجرهم على قدرة محبتهم ونصرتهم وفقههم لفضائلهم.----------(وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ) بغض الصحابة كفر فإذا كان البغض للدين فيكون الكفر هنا كفرا أكبر، وإذا كان البغض لأجل الدنيا كما قد تتناول النفوس الكراهة والبغض لأجل الدنيا، فهذا كفر أصغر ولا يصل إلى الكفر الأكبر، وسيأتى تفصيل الكلام فى ذلك------------------------------------------وعقيدة المسلم في صحابة رسول الله ---------------------المسألة الأولى: الصحابة -صحابة رسول الله r- هم من صحب رسول الله r بلقيِّه ولو ساعة مؤمنا به ومات على ذلك، أو يقال الصاحب والصحابي من لقي النبي r ولو ساعة مؤمنا به ومات على ذلك.
    والصحابة هم الذين صحبوا رسول الله r، وهذا اللُّقي الذي سمعته تعريف يختلف منهم من صحبه والتقى به مدة طويلة، ومنهم من قل ذلك، ومنهم من تقدّم، ومنهم من تأخر، وهذا يبين لك أن نوع الصحبة وقدر الصحبة يختلف فيه الناس ويختلف فيه الصحابة فليسوا على مرتبة واحدة كما سيأتي.
    والصحابة كلهم أثنى الله جل وعلا عليهم بدون استثناء وأثنى عليهم رسوله r وقال جل وعلا ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ إلى أن قال ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح:29]، وقال جل وعلا ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ﴾[التوبة:100]، وكذلك قوله جل وعلا ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾[الفتح:18]، حتى سميت هذه البيعة بيعة الرضوان؛ لأن الله رضي ما علموه رضي بيعتهم فسميت بيعة الرضوان، ومنها أيضا قول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» كذلك قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كما في الصحيحين «لا تسبوا أصحابي والذي نفس محمد بيده فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدكم ولا نصيفه» وقال أيضا جل وعلا ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾[الحديد:10] والآيات في فضل الصحابة بمجملهم في أنواع من الدلالات والأحاديث كثيرة جدا وصُنفت مصنفات في ذلك.
    وهذه الآيات والأحاديث تفيد في شأن الصحابة أمورا:
    الأول: أن الصحابي إذا مات على الإيمان فإنه موعود بالمغفرة والرضوان.
    والثاني: أن الصحابة كلهم عدول لتعديل الله جل وعلا لهم وثنائه عليهم، ومعنى العدالة هنا أنهم عدول في دينهم وفيما يروون وينقلون من الشريعة، وأن ما حصل من بعضهم من اجتهاد، فإنه لا يقدح عدالتهم ولا ينقصها، لِمُضِيِّ ثناء الله جل وعلا عليهم مطلقا.
    الثالث: أنّ سبّ الصحابة ينافي ما دلّت عليه الأدلة من الثناء عليهم، وهو منهي عنه بالنّص، فلذلك أفادت هذه الآيات حرمة سبّ الصحابة كما سيأتي تفصيل الكلام على ذلك إن شاء الله.
    الرابع: أن الآيات دلت على أن الصحابة يتفاوتون في المنزلة وفي المرتبة وأنهم ليسوا على درجة واحدة.
    المسألة الثانية: قال الطحاوي (وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رسُولِ الله r، وَلاَ نُفْرِطُ في حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُم؛ وَلاَ نَتَبَرَّأَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُم) حب الصحابة فرض وواجب وهو من الموالاة الواجبة للصحابة، وهذا الحب يقتضي أشياء:
    الأول: قيام المودة في القلب لهم.
    والثاني: الثناء عليهم بكل موضع يُذكرون فيه والترضي عنهم.
    والثالث: أن لا يحمل أفعالهم إلا على الخير فكلّهم يريد وجه الله جل وعلا.
    والرابع: أن يذب عنهم؛ لأن من مقتضى المحبة والولاية؛ بل من معنى المحبة والولاية النصرة أن ينصرهم لذا ذكروا بغير الخير أو انتقص منهم منتقص، أو شكك في صدقهم أو عدالتهم أحد، فإنه واجب أن يُنتصر لهم y.
    وهذا الحب توسط فيه أهل السنة والجماعة بين طرفين بين طرف المفرِطين وطرف المتبرّئين.
    أما الغلاة والمفرطون في الحب فهم الذين جعلوا بعض الصحابة لهم خصائص الإلهية كما فعل طائفة مع علي t، وكما فعل طائفة مع أبي بكر، أو غلو لما هو دون الإلهية بأن يجعلون هذا الحب يقتضي انتقاص غيره، فيحب أبا بكر وينتقص عليا، أو يحبّ عليا y وينتقص أبا بكر هذا إفراط وغلو، فالوسط هو طريقة الصحابة أهل السنة فإن الحب يقتضي موالاة الجميع وأن يغلو المسلم في أي صحابي؛ بل يحبهم ويودّهم ويذكرهم بالخير ولا يجعل لهم شيئا من خصائص الإلهية؛ بل أجمع أهل العلم أن من ادعى في صحابي أن له شيئا من خصائص الإله، أو أنه يُدعى ويُسأل كما يُعتقد في علي t ونحوه أنّه كافر بالله العظيم.
    وهذا الغلو وقع فيه كثير في الأمة بعد ذلك فأقيمت المزارات والمشاهد والقبور والقباب على قبور الصحابة، كقبر أبي أيوب الأنصاري في قرب استنبول، وكقبر أبي عبيدة بن الجراح في الأردن، وكقبر عدد من الصحابة كالحسين والحسن وعلي إلى آخره في أمصار مختلفة. فجعلوا قبورهم من فَرْط المحبة أوثانا يأتون فيسألون ويدعون ويستغيثون ويتقربون بالصحابة، وهذا إفراط وليس هو الحب المأذون به؛ بل هذا حب معه الشرك المحقق إذا وصل إلى سؤال الميت ودعائه والتقرب إليه.
    وفي المقابل يكون فعل طائفة ضالة أخرى تتبرأ من الصحابة جميعا كفعل الزنادقة، أو تتبرأ من أكثر الصحابة كفعل الرافضة والخوارج، أو تتبرأ من طائفة من الصحابة كفعل النواصب ومن شابههم، هؤلاء تبرؤوا، ومنهم من يعتقد أنه لا حُب ولا ولاء إلا ببراء؛ يعني لا يصلح سب صحابي وولاء صحابي إلا بالتبرؤ ممن ضاده، فيجعلون في ذلك أن حب علي t والولاء لعلي والحسن والحسين يقتضي بُغض أبي بكر وبغض عمر وبغض عثمان ومن سلب هؤلاء حقهم كفعل الرافضة عليهم من الله ما يستحقون.
    لهذا كان معتقد أهل السنة والجماعة في هذا أن التبرؤ من الصحابة واعتقاد أنه لا موالاة إلا بالبراءة أن هذا ضلال فقد يوصل إلى الكفر، كما سيأتي في المسألة إن شاء الله.
    قال بعدها (وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُم، وَبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُم) فهذا من مقتضى المحبة الوسط ودين الله وسط بين الغالي والجافي، فإننا من ذكرهم بخير أحببناه ومن ذكرهم بغير الخير أبغضناه؛ لأن من مقتضى المحبة والولاية أن يُحب من يحبهم وأن يُبغض من يبغضهم.
    المسألة الثالثة أصحاب رسول الله r على مراتب، يختلفون في منزلتهم.
    فأعظم الصحابة وأرفع الصحابة العشرة الذين بُشِّروا بالجنة في مكان واحد، وهم الذين يشتهر عند الناس وهم العشرة المبشرون بالجنة، والذين بشرهم النبي r أكثرهم عشرة، عددهم كثير من الصحابة؛ ولكن خص هؤلاء بفضل لأنهم بشرهم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يالجنة في مكان واحد، وفي حديث واحد ساقهم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الحنة، وسعد في الجنة» إلى آخر العشرة فهؤلاء هم أفضل الصحابة، وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الذكر؛ لأن النبي r رتبهم كترتيبهم في الفضل، فأبو بكر أفضل ويليه عمر وثم بليه عثمان ثم يليه علي إلى آخره .
    يلي هؤلاء المهاجرون -أعني جنس المهاجرين- الذين أسلموا في مكة وتقدم إسلامهم وصبروا مع رسول الله r وصابروا حتى هاجروا.
    ثم الذين شهدوا بدرا من المهاجرين والأنصار فهم يلونهم في الفضل.
    ثم جنس الأنصار الذين سبقوا وأثنى الله عليهم بقوله ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ﴾[التوبة:100] والمراد بالسّبق هنا السبق إلى الإيمان به عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وتصديق رسالته والجهاد معه، هذا هو السبق الذي له الفضل العظيم.
    ثم بعد ذلك يليه من أسلم قبل الفتح، ويقصد بالفتح هنا الصلح صلح الحديبية أو فتح مكة وهو الذي جاء فيه قول الله جل وعلا ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾[الحديد:10] فالذي أسلم وأنفق وجاهد من قبل الصلح صلح الحديبية أو من قبل فتح مكة فإنه أفضل ممن بعدهم.
    ولهذا يقال لكثير من الصحابة مسلمة الفتح يعني الذين أسلموا من بعد فتح مكة. وهؤلاء وهم الفئة الأخيرة من اسلم من بعد الفتح إلى عام الوفود.
    ثم بعد ذلك دخل الناس في دين الله أفواجا يعني من السنة التاسعة والعاشرة حتى حجّ النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ هؤلاء هم أقل الصحابة منزلة.
    وهذا ترتيب لِما دلّت عليه الأدلة من التفضيل.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    إنّ المراد من هذا التفضيل الجنس؛ يعني جنس هذه الطائفة على جنس هذه الطائفة، يعني التفضيل في الظاهر باعتبار الجنس، فقد يكون في بعض الطبقات من هو أفضل ممن قبله، وهذا من حيث التنظير لا من حيث التطبيق؛ لأننا لا نعلم دليلا يدلّ على أن فلانا من المتأخرين أفضل من فلان من المتقدمين، أو أن فلانا من الأنصار أفضل من فلان من المهاجرين؛ لكنه من حيث الجنس فُضِّل ما فضلته الأدلة أو ما دلت الأدلة على تفضيله جنسا؛ لكن حديث النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في المفاضلة بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد ظاهر، وعبد الرحمن بن عوف من العشرة المبشرين بالجنة، هؤلاء هم أفضل الصحابة، هؤلاء فضلهم بأعيانهم ظاهر، وأهل بدر أيضا قد يدخلون في أن فضلهم بأعيانهم؛ لكن الكلام على الجنس مع الجنس.
    ولما وقع خالد في مسبة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما قال النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «لا تسبوا أصحابي» إلى آخر الحديث، فخَصَّ المتقدم باسم الصحبة فكأن الذي أسلم من بعد الفتح وقاتل لقِصَر إسلامه وقصر صحبته للنبي r وقلة نصرته بالنسبة لمن قبله كأنه صار تحقيق اسم الصحبة عليه ليس كتحقيق من كان قبله بل هذا هو الواقع لهذا خص النبي r السابقين بالصحبة دون غيرهم مع اشتراك من أسلم بعد ذلك باسم الأصحاب؛ ولكن لأجل طول الصحبة صار عبد الرحمن بن عوف وسُلب الاسم عن خالد بن الوليد لأجل هذه الحيثية، وإلا فالكل صاحب للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وهذا... مزيد الفضل وتحقق الصفة اللازمة في مقتضى الصحبة.
    المسألة الرابعة: الصحابة رضوان الله عليهم بشر يصيبون ويخطئون ويجتهدون فيما يجتهدون فيه، وربما وافق بعضهم الصواب، وربما لم يوافق الصواب.
    لهذا الواجب على المؤمن بمقتضى المحبة والنّصرة أن يحمل جميع أعمال الصحابة على إرادة الخير والدين وحب الله جل وعلا وحب رسوله r، وأنّ ما اجتهدوا فيه:
    · إما أن يكون لهم فيه الأجران إذ أصابوا.
    · وإما أن يكون لهم فيه الأجر الواحد إذ أخطؤوا.
    وكل عمل لهم مما اجتهدوا فيه حتى القتال فإنه معفوٌّ عنهم فيه لأنهم مجتهدون، فلا نحمل أحدا من الصحابة على إرادة الدنيا المحضة -يعني فيما اجتهدوا فيه من القتال- وإنما نحملهم على أنهم أرادوا الحق واجتهدوا فيه فمن مصيب ومن مخطئ.
    ولهذا كان الصحابة وهم يتقاتلون يحب بعضهم بعضا، ولا يتباغضون كما أبغض طائفة منهم من جاء بعد ذلك من أهل البدع، فلم يكن أحدهم يذم الآخر ذما يقدح في دينه، أو يقدح في عدالته، وإنما بين من يصوّب نفسه ويخطئ غيره وبين من يعتزل أو يُثني على الجميع وأشباه ذلك.
    وهذا هو الواجب في أننا نحمل أفعالهم على الحق والهدى، وإن كان بعضهم يكون أصوب من بعض، أو يعضهم يكون مصيبا والآخر مخطئا.
    وما جرى من الصحابة من الشِّجار فيما اجتهدوا فيه والقتال أو ما اجتهد فيه الصحابة في المسائل العملية في علاقتهما بعض الصحابة الآخرين، هذا لا يُبحث فيه وإنما يُذكرون بالخير، ونعتمد على الأصل الأصيل وهو أن الله جل وعلا أثنى عليهم، وخاصة أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله جل وعلا فيهم قوله ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة﴾[الفتح:18]، وكانوا إذ ذاك بين ألف وأربعمائة وألف خمسمائة قد رضي الله عنهم وأرضاهم.المسألة الخامسة: سب الصحابة تبرؤ منهم، وإذا سب بعضا فهو تبرؤ منهم، تبرؤ ممن سب أو بعض تبرؤ ممن سب؛ لأن حقيقة السبّ عدم الرضا عمن سب، وكره ما فعل وإلا فإن الراضي يحمد ويثني، والمبغض هو الذي يسب ويتبرأ.
    لهذا نهى النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عن سب الصحابة فقال «لا تسبّوا أصحابي» وهذا يقتضي التحريم، فكل سب للصحابة محرم وأكد ذلك عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بقوله «من سبَّ أصحابي فقد آذاني» وأذيته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ محرمة كبيرة وكذلك إيذاء الصحابة فقد قال جل وعلا ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾[الأحزاب:58]، وإيذاء الصحابي احتمال للإثم المبين، وهذا دخول في المحرّمات الشديدة.
    ومعنى السّب أن يَشتم بلعن، أو يتنقّص، أو يطعن في عدالتهم، أو في دينهم، أو يتنقصهم بنوع من أنواع التنقص عما وصفهم الله جل وعلا به، وهذا يختلف بأنواع:
    قد يشتم بعض الصحابة، هذا سب.
    قد يتنقص من جهة دينية.
    وقد يتنقص من جهة دنيوية أو ما تنقص من عدالته.
    مثلا في الجهة الدينية أن يقول: إنه لم يكن مؤمنا مصدقا، كان فيه نفاق. أو أن يقول عن الصحابة: كان فيهم قلة علم، أو بعضهم فيه قلة ديانة، أو كان فيهم شره على المال أو حب للمناصب، أو كان في بعضهم رغبة في النساء جاهدوا لأجل النساء، أكثروا من النساء تلذذا في الدنيا هم طلاب دنيا، إما في وصفهم جميعا أو في وقت بعضهم. هذه أمثلة لأنواع السب والقدح الذي قد يصل إلى قدح في دينهم، وقد يرجع إلى تنقص لهم في عدالتهم وما أشبه ذلك. ([1])
    وسبّ الصحابة رضوان الله عليهم كما أنّه محرم قد اختلف العلماء في هل يكون كفرا أم لا يصل إلى الكفر؟ وكما ذكرتُ لك فإن السب مورده البغض؛ لأنه إذا أبغض مطلقا أو أبغض في جزئية فإنه يسب، فإن السب مورده البغض، ينشأ البغض والكراهة ثم ينطلق اللسان -والعياذ بالله- بالسب، ولهذا الطحاوي هنا قال في آخر الكلام (وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ) يقصد بالكفر هنا الكفر الأصغر ليس الكفر الأكبر، أو ما يشمل -وهو الذي حمله عليه شارح الطحاوية- أو ما يشمل القسمين قد يكون كفرا أكبر وقد يكون اصغر والنفاق قد يكون نفاقا أكبر وقد يكون نفاقا أصغر ويأتي تفصيل الكلام على ذلك.
    والإمام أحمد رحمه الله تعالى وعلماء السلف لهم في تفسير من سبّ الصحابة روايتان:
    الرّواية الأولى: يكفر وسبب تكفيره أن سبه طعن في دينه وفي عدالة الصحابي، وهذا ردّ لثناء الله جل وعلا عليهم في القرآن، فرجع إذن تكفير الساب إلى أنه رد ثناء الله جل وعلا في القرآن والثناء من النبي عليهم في السنة.
    والرواية الثانية أنه لا يكفر الكفر الأكبر، وذلك لأن مسبّة من سب الصحابة من الفرق دخله التأويل ودخله أمر الدنيا والاعتقادات المختلفة.
    والقول الأول هو المنقول عن السلف بكثرة، فإن جمعا من السلف من الأئمة نصّوا على أن من سب وشتم أبا بكر وعمر فهو كافر، وعلى أن من شتم الصحابة وشتمهم فهو زنديق، فيقل للإمام أحمد كما في رواية صالح ابنه: قيل فلان يشتم عثمان. قال: ذاك زنديق. وأشباه هذا، وهذا هو الأكثر عن السلف لأن كفر لأن شتم الصاحب تكذيب للثتاء أو رد للثناء، سواء كان شتمه لتأويل عقدي أو لأجل دنيا.
    وقد فصّل في بحث السّب ابن تيمية في آخر كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول، وذكر الروايات والأقوال في ذلك ثم عقد فصلا في تفصيل القول في الساب. وما فصّل به حسن، وما يدور كلامه عليه رحمه الله وأجزل له المثوبة أنه يُرجع السّب إلى أحوال، فتارة يكون كفرا أكبر، وتارة يكون محرما ونفاقا، ولا يتفق الحال؛ يعني ليس السب على حال واحدة.
    فيكون للسّاب مراتب أو أحوال:
    الحال الأولى: أن يسب جميع الصحابة بدون استثناء ولا يتولى أحدا منهم، فهذا كفر بالإجماع يسبّ جميع الصحابة، هذا فعل الزنادقة والماديين والملاحدة الذين يقدحون في كل الصحابة، يقول: هؤلاء الصحابة جميعا لا يفهمون، هؤلاء طلاب دنيا بدون تفصيل، كل الصحابة ولا يستثني أحدا، فمن سب جميع الصحابة أو تنقّص جميع الصحابة بدون استثناء، تقول له: تستثني أحدا؟ فلا شك أنها زندقة، ولا تصدر من قلب يحب الله جل وعلا ويحب رسوله ويحب الكتاب والسنة ومن نقل السنة وجاهد في الله حق جهاده.
    الحال الثانية: أن يسب أكثر الصحابة تغيّضا من فعلهم الغيض الذي أصاب من عد نفسه من الشيعة وهو من الرافضة، أو نحوهم ممن سبوا أكثر الصحابة الذين خالفوا -كما يزعمون- خالفوا عليا أولم ينتصروا لعلي وأثبتوا الولاية لأبي بكر وعمر ثم عثمان، وأشباه ذلك فيسبونهم تغيضا وحَنَقا عليهم واعتقادا فيهم.
    فهؤلاء أكثر السلف على تكفيرهم ونصّ الإمام مالك على أن من سبّ طائفة من الصحابة تغيضا؛ يعني غيضا من موقفهم في الدين، فإنهم كفار لقول الله جل وعلا في آية سورة الفتح ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾[الفتح:29]، فالذي يكون في قلبه غيض فيغتاض من الصحابة ألحقه الله جل وعلا بالكفار، واستدلّ بها مالك رحمه الله تعالى إمام دار الهجرة على أن من سبّهم أو سب طائفة منهم تغيضا فهو كافر، وهذا صحيح ظاهر.
    الثالثة: أن يسب بعض الصحابة لا تغيضا؛ ولكن لأجل عدم ظهور حسن أفعاله، مثلا يقول: هؤلاء بعض الصحابة فيهم قلة علم أو فيهم جفاء، أو هذا ما يفهم أو فيه حب للدنيا، أو نحو ذلك، فهذا ليس بكفر، وإنما هذا محرم وهو مسبة وهو مخالف لمقتضى الولاية.
    وهذا هو الذي يُحمل عليه كلام من قال من السلف: إن سابّ الصحابة أو من سب بعض الصحابة لا يكفر. فيحمل على أن نوع السب هو أنه انتقص فيما لا يظهر وجهه إما في مثل ما ذكرت في بعض نقص علم أو في رغبة في دنيا أو نحو ذلك، ولا يعمم وإنما قد يتناول أو اثنين أو أكثر بمثل هذا.
    وهذه المسائل، كونه يقل علمه أو يقول يحب الدنيا، هذا ليس طعنا في عدالته لأن قلة العلم ليست طعنا في العدالة، وحب الدنيا بما لا يؤثر في الدين ليس طعنا في العدالة -العدالة يعني الثقة والدين والأمانة-، وإنما هذا انتقاص وتجرؤ عليهم بما لا يجوز فعله، ويخالف مقتضى المحبة.
    هذا هو الذي يصدق عليه أنه لا يدخل في الكفر فهو محرم؛ لأنه ليس فيه رد لقول الله جل وعلا ولكن فيه سوء أدب وانتقاص ودخول في المسبة.
    والواجب في أمثال هؤلاء أن يعزروا؛ وذلك لدرء شرهم والمحافظة على مقتضى الثناء من الله جل وعلا على صحابة نبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
    الحال الرابعة: أن ينتقص الصحابي أو أن يسبّه لاعتقادٍ يعتقده في أنّ فعله الذي فعل ليس بالصواب، وهذا في مثل ما وقع في مقتل عثمان وفعل علي t وفعل معاوية ونحو ذلك، فقد يأتي وينتقِص البعض؛ لأنه يرى في هذا الموقف بذاته أنه كان يجب عليه كذا لماذا لم يفعل كذا وهذا يدل على أنه فعل كذا، وهذا أيضا أخف من الذي قبله لأنه متعلق بفرد وبحالة.
    وهذا محرم أيضا، وهل يعزر في مثل هذه الحال أو لا يعزر؟ هذا فيه اختلاف ولاشك أنّ قوله وفعله فيما فعل دخول في المسبّة والانتقاص وهذا محرم ودون الدخول في رد ثناء الله جل وعلا أو في انتقاص عام، إنما هذا يجب في شأنه التوبة يجب في حقه التوبة على الله جل وعلا والإنكار عليه، وهل يعزر أم لا؟ اختلف العلماء في مقتضى التعزير، التعزير المقصود به التعزير بالجلد أو بالقتل، أما التعزير بالقول والرد عليه وانتقاصه هذا واجب.[ شرح الطحاويةبتصرف]



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •