: قول الطحاوي رحمه الله (وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ، وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ).حب الصحابة دين؛ لأن الله جل وعلا أثنى عليهم فيجب تصديق خبر الله جل وعلا فيما أثنى الله به عليهم في آيات كثيرة، سواء ما أثنى به على المهاجرين والأنصار كجنس، أو ما أثنى به على أهل بيعة الرضوان، أو ما أثنى به على السابقين، أو ما أثنى يه على جميع من مع النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ هذا يشمل الجميع، ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ هؤلاء حبّهم لثناء الله جل وعلا وتصديق خبر الله، هذا لاشك أنه دين،(وإحْسَانٌ) لأنه يدل على أن المحب لهم محسن في دينه وأتى بما يجب عليه وما يتقرب به إلى ربه من أنواع إحسانه وصدقه في دينه.
(وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ) كل هذه تتبعض ليست شيئا واحدا، فالناس في حب الصحابة يختلفون، وأجرهم على قدرة محبتهم ونصرتهم وفقههم لفضائلهم.----------(وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ) بغض الصحابة كفر فإذا كان البغض للدين فيكون الكفر هنا كفرا أكبر، وإذا كان البغض لأجل الدنيا كما قد تتناول النفوس الكراهة والبغض لأجل الدنيا، فهذا كفر أصغر ولا يصل إلى الكفر الأكبر، وسيأتى تفصيل الكلام فى ذلك------------------------------------------وعقيدة المسلم في صحابة رسول الله ---------------------المسألة الأولى: الصحابة -صحابة رسول الله r- هم من صحب رسول الله r بلقيِّه ولو ساعة مؤمنا به ومات على ذلك، أو يقال الصاحب والصحابي من لقي النبي r ولو ساعة مؤمنا به ومات على ذلك.
والصحابة هم الذين صحبوا رسول الله r، وهذا اللُّقي الذي سمعته تعريف يختلف منهم من صحبه والتقى به مدة طويلة، ومنهم من قل ذلك، ومنهم من تقدّم، ومنهم من تأخر، وهذا يبين لك أن نوع الصحبة وقدر الصحبة يختلف فيه الناس ويختلف فيه الصحابة فليسوا على مرتبة واحدة كما سيأتي.
والصحابة كلهم أثنى الله جل وعلا عليهم بدون استثناء وأثنى عليهم رسوله r وقال جل وعلا ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ إلى أن قال ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح:29]، وقال جل وعلا ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ﴾[التوبة:100]، وكذلك قوله جل وعلا ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾[الفتح:18]، حتى سميت هذه البيعة بيعة الرضوان؛ لأن الله رضي ما علموه رضي بيعتهم فسميت بيعة الرضوان، ومنها أيضا قول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» كذلك قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كما في الصحيحين «لا تسبوا أصحابي والذي نفس محمد بيده فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدكم ولا نصيفه» وقال أيضا جل وعلا ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾[الحديد:10] والآيات في فضل الصحابة بمجملهم في أنواع من الدلالات والأحاديث كثيرة جدا وصُنفت مصنفات في ذلك.
وهذه الآيات والأحاديث تفيد في شأن الصحابة أمورا:
الأول: أن الصحابي إذا مات على الإيمان فإنه موعود بالمغفرة والرضوان.
والثاني: أن الصحابة كلهم عدول لتعديل الله جل وعلا لهم وثنائه عليهم، ومعنى العدالة هنا أنهم عدول في دينهم وفيما يروون وينقلون من الشريعة، وأن ما حصل من بعضهم من اجتهاد، فإنه لا يقدح عدالتهم ولا ينقصها، لِمُضِيِّ ثناء الله جل وعلا عليهم مطلقا.
الثالث: أنّ سبّ الصحابة ينافي ما دلّت عليه الأدلة من الثناء عليهم، وهو منهي عنه بالنّص، فلذلك أفادت هذه الآيات حرمة سبّ الصحابة كما سيأتي تفصيل الكلام على ذلك إن شاء الله.
الرابع: أن الآيات دلت على أن الصحابة يتفاوتون في المنزلة وفي المرتبة وأنهم ليسوا على درجة واحدة.
المسألة الثانية: قال الطحاوي (وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رسُولِ الله r، وَلاَ نُفْرِطُ في حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُم؛ وَلاَ نَتَبَرَّأَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُم) حب الصحابة فرض وواجب وهو من الموالاة الواجبة للصحابة، وهذا الحب يقتضي أشياء:
الأول: قيام المودة في القلب لهم.
والثاني: الثناء عليهم بكل موضع يُذكرون فيه والترضي عنهم.
والثالث: أن لا يحمل أفعالهم إلا على الخير فكلّهم يريد وجه الله جل وعلا.
والرابع: أن يذب عنهم؛ لأن من مقتضى المحبة والولاية؛ بل من معنى المحبة والولاية النصرة أن ينصرهم لذا ذكروا بغير الخير أو انتقص منهم منتقص، أو شكك في صدقهم أو عدالتهم أحد، فإنه واجب أن يُنتصر لهم y.
وهذا الحب توسط فيه أهل السنة والجماعة بين طرفين بين طرف المفرِطين وطرف المتبرّئين.
أما الغلاة والمفرطون في الحب فهم الذين جعلوا بعض الصحابة لهم خصائص الإلهية كما فعل طائفة مع علي t، وكما فعل طائفة مع أبي بكر، أو غلو لما هو دون الإلهية بأن يجعلون هذا الحب يقتضي انتقاص غيره، فيحب أبا بكر وينتقص عليا، أو يحبّ عليا y وينتقص أبا بكر هذا إفراط وغلو، فالوسط هو طريقة الصحابة أهل السنة فإن الحب يقتضي موالاة الجميع وأن يغلو المسلم في أي صحابي؛ بل يحبهم ويودّهم ويذكرهم بالخير ولا يجعل لهم شيئا من خصائص الإلهية؛ بل أجمع أهل العلم أن من ادعى في صحابي أن له شيئا من خصائص الإله، أو أنه يُدعى ويُسأل كما يُعتقد في علي t ونحوه أنّه كافر بالله العظيم.
وهذا الغلو وقع فيه كثير في الأمة بعد ذلك فأقيمت المزارات والمشاهد والقبور والقباب على قبور الصحابة، كقبر أبي أيوب الأنصاري في قرب استنبول، وكقبر أبي عبيدة بن الجراح في الأردن، وكقبر عدد من الصحابة كالحسين والحسن وعلي إلى آخره في أمصار مختلفة. فجعلوا قبورهم من فَرْط المحبة أوثانا يأتون فيسألون ويدعون ويستغيثون ويتقربون بالصحابة، وهذا إفراط وليس هو الحب المأذون به؛ بل هذا حب معه الشرك المحقق إذا وصل إلى سؤال الميت ودعائه والتقرب إليه.
وفي المقابل يكون فعل طائفة ضالة أخرى تتبرأ من الصحابة جميعا كفعل الزنادقة، أو تتبرأ من أكثر الصحابة كفعل الرافضة والخوارج، أو تتبرأ من طائفة من الصحابة كفعل النواصب ومن شابههم، هؤلاء تبرؤوا، ومنهم من يعتقد أنه لا حُب ولا ولاء إلا ببراء؛ يعني لا يصلح سب صحابي وولاء صحابي إلا بالتبرؤ ممن ضاده، فيجعلون في ذلك أن حب علي t والولاء لعلي والحسن والحسين يقتضي بُغض أبي بكر وبغض عمر وبغض عثمان ومن سلب هؤلاء حقهم كفعل الرافضة عليهم من الله ما يستحقون.
لهذا كان معتقد أهل السنة والجماعة في هذا أن التبرؤ من الصحابة واعتقاد أنه لا موالاة إلا بالبراءة أن هذا ضلال فقد يوصل إلى الكفر، كما سيأتي في المسألة إن شاء الله.
قال بعدها (وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُم، وَبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُم) فهذا من مقتضى المحبة الوسط ودين الله وسط بين الغالي والجافي، فإننا من ذكرهم بخير أحببناه ومن ذكرهم بغير الخير أبغضناه؛ لأن من مقتضى المحبة والولاية أن يُحب من يحبهم وأن يُبغض من يبغضهم.
المسألة الثالثة أصحاب رسول الله r على مراتب، يختلفون في منزلتهم.
فأعظم الصحابة وأرفع الصحابة العشرة الذين بُشِّروا بالجنة في مكان واحد، وهم الذين يشتهر عند الناس وهم العشرة المبشرون بالجنة، والذين بشرهم النبي r أكثرهم عشرة، عددهم كثير من الصحابة؛ ولكن خص هؤلاء بفضل لأنهم بشرهم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يالجنة في مكان واحد، وفي حديث واحد ساقهم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الحنة، وسعد في الجنة» إلى آخر العشرة فهؤلاء هم أفضل الصحابة، وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الذكر؛ لأن النبي r رتبهم كترتيبهم في الفضل، فأبو بكر أفضل ويليه عمر وثم بليه عثمان ثم يليه علي إلى آخره .
يلي هؤلاء المهاجرون -أعني جنس المهاجرين- الذين أسلموا في مكة وتقدم إسلامهم وصبروا مع رسول الله r وصابروا حتى هاجروا.
ثم الذين شهدوا بدرا من المهاجرين والأنصار فهم يلونهم في الفضل.
ثم جنس الأنصار الذين سبقوا وأثنى الله عليهم بقوله ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ﴾[التوبة:100] والمراد بالسّبق هنا السبق إلى الإيمان به عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وتصديق رسالته والجهاد معه، هذا هو السبق الذي له الفضل العظيم.
ثم بعد ذلك يليه من أسلم قبل الفتح، ويقصد بالفتح هنا الصلح صلح الحديبية أو فتح مكة وهو الذي جاء فيه قول الله جل وعلا ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾[الحديد:10] فالذي أسلم وأنفق وجاهد من قبل الصلح صلح الحديبية أو من قبل فتح مكة فإنه أفضل ممن بعدهم.
ولهذا يقال لكثير من الصحابة مسلمة الفتح يعني الذين أسلموا من بعد فتح مكة. وهؤلاء وهم الفئة الأخيرة من اسلم من بعد الفتح إلى عام الوفود.
ثم بعد ذلك دخل الناس في دين الله أفواجا يعني من السنة التاسعة والعاشرة حتى حجّ النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ هؤلاء هم أقل الصحابة منزلة.
وهذا ترتيب لِما دلّت عليه الأدلة من التفضيل.