تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: رحلات الشيخ محمد رشيد رضا في الجزيرة العربية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رحلات الشيخ محمد رشيد رضا في الجزيرة العربية

    رحلات الشيخ محمد رشيد رضا في الجزيرة العربية
    الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالله السلمان[1]

    مقدمة
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    وبعد:
    يتناول البحث رحلات الشيخ رشيد رضا في الجزيرة العربية التي شملت ثلاث رحلات، هي:
    1- رحلته إلى عُمَان والكويت في طريق عودته من الهند عام 1330هـ/ 1913م.
    2- رحلته إلى الحجاز للمرة الأولى عام 1334هـ/1916م.
    3- رحلته إلى الحجاز للمرة الثانية عام 1344هـ/1925م.

    واقتضى الأمر الحديث عن هذه الرحلات للشيخ رشيد رضا وما له صلة بالموضوع كرحلاته في العالم الإسلامي، وكذلك موقفه من الاستعمار الأوربي؛ لصلته برحلتيه إلى عمان والكويت اللتين كانتا تحت الاستعمار الإنجليزي، وكذلك علاقته بالشريف حسين أمير مكَّة، والملك عبدالعزيز آل سعود لصلته برحلتيه الثانية والثالثة، وقد جاءت موضوعات البحث على النحو التالي:
    أولاً: موجز حياة الشيخ محمد رضا.
    ثانيًا: موجز رحلاته في العالم الإسلامي وغيره وأهدافها.
    ثالثًا: رحلته إلى عمان والكويت وموقفه من الاستعمار الأوربي.
    رابعًا: رحلته الأولى إلى الحجاز وعلاقته بالشريف حسين.
    خامسًا: رحلته الثانية إلى الحجاز وعلاقته بالملك عبدالعزيز آل سعود.

    كما ألحقتُ بالبحث بعض الملاحق المتَّصلة برحلاته، واللهَ أسألُ التوفيق والسداد والعصمة من الزلل في القول والعمل، إنه سميع مجيب.

    أولاً: نبذة عن حياة الشيخ محمد رشيد رضا:
    وُلِد الشيخ محمد رشيد رضا في قرية القلمون قرب طرابلس لبنان عام 1282هـ، 1865م، ونشأ فيها نشأة دينية علمية درس في كتَّابها ثم انتقل إلى طرابلس، ودرس في مدارسها وعلى شيوخها خاصة الشيخ حسين الجسر، وحصل منه على الإجازة بالتدريس[2].

    وفي شبابه المبكِّر مالَ إلى التصوُّف، ولكنَّه لم يلبث أن اتَّجه إلى السلفية بعد قراءته لأعداد "مجلة العروة الوثقى" التي أصدرها جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده في باريس، ثم تعمَّق اتجاه رشيد رضا السلفي بعد دراسته لدعوة وكتب شيخ الإسلام ابن تيميَّة والشيخ محمد بن عبدالوهَّاب، وقد اتَّضح ذلك أكثر بعد هجرة رشيد إلى مصر حيث اطَّلع على كتب هذين العالمين عن كثَب[3].

    كانت هجرة رشيد إلى مصر عام 1315هـ قد جاءت بسبب عدم قدرته على التعبير عن آرائه السلفية والسياسية، وكان ذلك في عهد السلطان عبدالحميد الثاني، وبهذا ما كاد يصل إلى مصر حتى أصدر بالاتِّفاق مع شيخه الشيخ محمد عبده "مجلة المنار" لينشر فيها مع شيخه نفثات قلميهما وخطرات فكرهما، وكان من أهداف تلك المجلة بيان أمراض الأمَّة الإسلامية الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأسبابها وعلاجها[4].

    وذلك عن طريق أبواب المجلَّة المختلفة، وصارَت المجلة منبرًا من منابر السلفية في مصر خاصَّة والعالم الإسلامي عامَّة، واستمرَّت في الصدور حتى وفاة الشيخ رشيد رضا؛ أي: لمدة أربعين سنة.

    وكان ينشر على صفحات "مجلة المنار" تفسيرًا للقرآن عُرِف بـ(تفسير المنار) وهو من تأليف الشيخ رشيد رضا، مع إيراده لأفكار أستاذه الشيخ محمد عبده وآراء رشيد رضا السلفية، كما كان له عناية بالعلوم الاجتماعية والطبيعية والإشارة إليها في أماكنها، مع توسُّعه في ردِّ شبهات أعداء الإسلام؛ فجاء هذا التفسير تراثيًّا عصريًّا معًا، واستمرَّ رشيد رضا في نشر تفسيره حتى وفاته بعد أن وصل إلى الآية رقم 101 من سورة يوسف ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].

    وكانت آخِر جملة فسَّر الآية بها قوله: "فنسأله - تعالى - أن يجعل لنا خير حظ منه بالموت على الإسلام"[5].

    وبجانب "مجلة المنار" و"تفسير المنار" أخرج رشيد مؤلفات أخرى نُشِرت أكثرها في "مجلة المنار" ("السنة والشيعة"، و"الوهَّابيون والحجاز"، و"تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده"، "المنار والأزهر"، و"الوحي المحمدي"، و"حقوق المرأة في الإسلام"، و"حقيقة الربا")، وغيرها[6].

    وكان للشيخ رشيد رضا دورٌ في ميدان الإصلاح الديني والسياسي والعلمي؛ مثل سعْيِه للوحدة الإسلامية على هدي من القرآن الكريم والسنة النبوية وعدم التعصُّب للمذاهب، والاهتمام بالمفيد من وسائل الحضارة الغربية، ونشر الإسلام في ربوع العالم؛ من أجل ذلك أسَّس كلية الدعوة والإرشاد في القاهرة لهذا الغرض عام 1330هـ/1912م، التي استمرَّت حتى عام 1335هـ، كما كان لرشيد رضا جهودٌ في إصلاح الأزهر ونشْر السلفية بين ربوعه، وإصلاح نظام التعليم فيه[7].

    وقد أجبرت الظروف التي يعيشها العالم الإسلامي رشيدًا في الدخول في ميدان الإصلاح السياسي؛ فظهرتْ له مواقف واتجاهات سياسية نحو الدولة العثمانية، ثم الشريف حسين بن علي، ثم الملك عبدالعزيز آل سعود الذي كان الشيخ رشيد رضا من أكبر المؤيِّدين له ولأتباعه، وكانت العلاقة بينهما وطيدة، كما كان لرشيد جهودٌ في محاربة مكايد الاستعمار الأوربي بأنواعه وأشكاله المختلفة.

    توفي الشيخ رشيد رضا - رحمه الله تعالى - في جمادى الأولى عام 1354هـ/1935م بعد أن ترك مدرسة فكرية تُعرَف به وهي (مدرسة المنار) التي كان لها تأثير كبير في عددٍ من أقطار العالم الإسلامي، فبجانب مصر والمملكة العربية السعودية وُجِد لها تأثير في بلاد الشام وشمال أفريقيا وأندونيسيا والهند، بل وصل تأثيرها إلى المسلمين في أوربا[8].

    والحق أن انتشار هذه المدرسة انتشارٌ للدعوة السلفية في العالم الإسلامي؛ لأن الشيخ رشيد رضا يُعَدُّ ركنًا من أركانها في عصرنا الحديث، وعلمًا بارزًا من دعاتها، وما زالت تلك الدعوة بحاجة إلى أمثاله في علمه واطِّلاعه الواسع وقدرته على الإقناع - رحمه الله، وغفر لنا وله.

    ثانيًا: موجز رحلاته في العالم الإسلامي وغيره وأهدافها:
    كانت الوحدة الإسلامية من أكبر آمال الشيخ محمد رشيد رضا، الوحدة التي تقوم على هدي الإسلام وتعاليمه الخالدة، وكان ذلك الأمل قد بدأ مع الشيخ رشيد في شبابه المبكِّر بتأثيرٍ من "مجلة العروة الوثقى" التي أسَّسها كلٌّ من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وقد أبرز رشيد ذلك الأمل في العدد الأوَّل من مجلته "المنار" في افتتاحيته لذلك العدد[9].

    ومن أجل هذا الهدف سعى للاتِّفاق بين السنة والشيعة[10]، كما أسَّس واشترك في جمعيات مختلفة تظهر فيها الصبغة الإسلامية[11].

    كما قام الشيخ رشيد رضا بعدَّة رحلات إلى أقطار عديدة من العالم الإسلامي وغيره، وكان لها تأثير كبير في حياة الشيخ رشيد، فقد انتفع من هذه الرحلات انتفاعًا كبيرًا، حيث اتَّسع أفُقُه وكسب الكثير من التجارب والمشاهدات ومعرفة الرجال الأعلام في دنيا العروبة والإسلام[12].

    وبجانب ذلك كان لهذه الرحلات تأثيرٌ على الناحية الأدبية والعلمية لرشيد رضا؛ فقد كانت وقائعها وموضوعاتها مادَّة دسمة لرشيد رضا في بعض مؤلفاته، كتب عنها فصولاً كثيرة في "مجلة المنار"[13].

    والشيء المهمُّ في رحلاته هو أن رشيدًا أقبَل عليها وهو يريد الاستفادة منها في التأثير على مجرى الأمور والأحداث التي كانت تموج في محيط العالم الإسلامي حينذاك، وبهذا يمكِنه - قَدْرَ استطاعته - تكييف هذه الأوضاع وفقًا لمبادئه وأفكاره الإسلامية[14].

    ومن هنا كانت رحلات رشيد إحدى الأعمال التي قام بها في سبيل تحقيق الوحدة الإسلامية والدعوة إليها، وقد يكون بجانب هذا الغرَض في رحلاته أغراض أخرى ثانوية، ولكنها مع ذلك يمكن الانتفاع بها في سبيل هدف رشيد نحو الاتِّفاق والاتِّحاد الإسلامي، ونبْذ الخلافات والعداوات الدينية والسياسية التي مزَّقت شمل المسلمين أمام أعدائهم.

    والحديث عن رحلات رشيد رضا بتفاصيلها وأحداثها حديث طويل لا يتَّسع له هذا المكان، ولكن المهم هنا أن نُبرِز صلة هذه الرحلات في سعي رشيد نحو الوحدة الإسلامية، وأهم تلك الرحلات هي:
    أ- رحلته إلى سوريا[15]:
    وقد بدأها في شعبان سنة 1326هـ (سبتمبر 1908م)، وذلك عقب خَلْعِ السلطان عبدالحميد وإعلان الدستور العثماني، وزار في رحلته بيروت وطرابلس الشام والقلمون، وتمكَّن في هذه الرحلة من زيارة أهله وموطن صبَاه بعد غياب دامَ أحد عشر عامًا، وقد ألقى في المدن التي زارها العديد من الدروس والمحاضرات الدينية والسياسية، وفي طرابلس دعا إلى تأسيس جمعية خيرية إسلامية كمثيلتها في مصر، وتمكَّن من تأسيسها بعد أن بدأ الاكتتاب للجمعية.


    وفي 27 من رمضان 1326هـ سافَر رشيد لزيارة دمشق، وألقى في مساجدها وجوامعها دروسًا ومحاضرات دينية وسياسية، وفي أحد دروسه الدينية في المسجد الأموي بدمشق ركَّز على الدعوة السلفية، ومحاربة جميع الأمور التي تُنافِي التوحيد؛ ومنها:
    اتِّخاذ البشر مشرِّعين يشرِّعون للناس من الدين ما لم يأذن به الله، فاستغلَّ ذلك بعض المعادين لدعوة رشيد السلفية، وأرادوا أن يثيروها فتنة على رشيد، فقام رجل منهم وقطع على رشيد كلامه داعيًا إلى زيارة القبور والتوسُّل بالصالحين الميِّتين، كما دعا إلى تقليد الأئمَّة المجتهدين، وتبيَّن لرشيد أن هذا الرجل اسمه (صالح التونسي)، وكان مشهورًا بمعاداته لآراء الشيخ محمد عبده ورشيد رضا، وحدثت في المسجد الأموي ضجَّة كبيرة أنهتْ محاضرة رشيد واستدعت الحكومة (صالح التونسي) لاستجوابه وأُشِيع بين الناس أنه اغتِيل فهاجَت العامَّة، فركب والي دمشق عربة وبجواره (صالح التونسي) ومرَّ في المدينة ليهدأ الناس.


    وقد تضارَبت الآراء حول السبب في هذه الفتنة، فإذا كان البعض يراها مؤامرة مدبَّرة من الحشوية الجامدين الذين يحاربون كلَّ مصلح ومجدِّد، وبالتالي يعادون رشيدًا بدعوته وآرائه السلفية المحارِبة لمذهبهم[16]، فإن رشيد رضا يرى أن سببها الحقيقي هو أن الذين قاموا بالفتنة رجال كانوا مستفيدين من عهد البلاد السابق أيام السلطان عبدالحميد وتحكُّم (أبي الهدى الصيادي) في البلاد، فكرهوا الحكم الحاليَّ وتحيَّنوا أيَّة فرصة لإثارة البلبلة[17] ضده.

    وفي رأينا أن الجمْع بين الرأيين السابقين قد يكون سببًا معقولاً للفتنة؛ بمعنى: أن الذين قاموا بها قد يكونون من أولئك الجامدين المحاربين لكلِّ مصلح ومجدِّد، وكذلك هم ممَّن استفادوا من مساوئ العهد السابق للبلاد، وقد أفقدهم العهد الجديد مركزهم الديني والسياسي معًا.

    ب- رحلته إلى القسطنطينية[18]:
    قام رشيد بهذه الرحلة في رمضان سنة 1327هـ (1909م)، وقد ذكر أنه رحل إلى الآستانة ليسعى في أمرين: إزالة سوء التفاهم بين عنصري الدولة الأكبرين العرب والترك.


    أمَّا الأمر الأول فنرجِئ الحديث عنه إلى مكانه من هذا البحث ولكن الذي يهمُّنا هنا هو الأمر الثاني، ذلك أنه بعد وصول الاتحاديين إلى الحكم أخذ فريقٌ من الأتراك يُثِيرون النزعة التركية التي سموها (الطورانية) ويدعون إلى تَتْرِيك الدولة، واتَّسعت هذه الدعوات ممَّا أثَّر على نفسية العرب تجاه الدولة وأساؤوا بها الظنون، وأخذ الاتحاديون من جمعية الاتحاد والترقِّي يستشعرون روح التفرقة بين الترك والعرب، وقد أخذ رشيد يكتب مقالات عديدة في هذه الناحية محذِّرًا وداعيًا لإزالة ما وقع من سوء التفاهم بين العرب والترك، ومفصِّلاً الأسباب العامَّة والخاصَّة التي أدَّت إلى ذلك[19]، وفي أواسط عام 1910م شاعت الفتنة وتحرَّكت عوامل التفرقة بين الترك والعرب؛ ممَّا جعل العرب يعتزُّون بقوميَّتهم أكثر ممَّا سبق، فأخذ الاتحاديون يتنكَّرون للعرب وللجامعة الإسلامية، ويتعصَّبون للوطنية التركية، وواصل رشيد رضا مع ذلك نصحه وتحذيره موضِّحًا أن الاستعمار الأوربي هو الذي يستفيد من هذه الحالة؛ لأن رجال الاستعمار يبثُّون في البلاد العربية العثمانية فكرة استقلال العرب عن الدولة العثمانية مخادعة للعرب حتى يضعوا العرب تحت حمايتهم، وأنهم يسعون بكلِّ قواهم إلى تدمير الرابطة العثمانية[20].

    ويحاول رشيد أن يُقنِع الاتحاديين بحسن نيَّة العرب ووجوب اتِّفاقهم فلم يستطع، واستمرَّ الاتحاديون في سياستهم بكلِّ قوَّة، بل أرادوا إزالة الكلمات العربية من اللغة التركية محاربة للغة الإسلام.

    مكَث رشيد رضا في الأستانة عامًا كاملاً لا عمل له إلا السعي في سبيل الأمرين السابقين، وقد نشر مقالات كثيرة في الصحف التركية هناك تحمل نصحه وتحذيره معًا، وعاد رشيد إلى القاهرة بعد ذلك دون أن يحقِّق مطلوبه في الأمرين معًا، وأخذ يُسِيء الظن بالاتحاديين، ويكتب عن أخطارهم على العالم الإسلامي كله، ويصفهم بأنهم ملاحدة[21].

    ولم تلبث الأيام أن أثبتتْ صدق تحذير رشيد؛ فقد قامت الحرب العالمية الأولى وانضمَّ العرب إلى الحلفاء مخدوعين، فانتهت الحرب بهزيمة تركيا، ووقوع البلاد العربية تحت براثن الاستعمار الأوربي البغيض.

    ج- رحلته إلى الهند[22]:
    وُجِّهت الدعوة إلى رشيد لزيارة الهند من (جمعية ندوة العلماء) في لكهنو بالهند، وعرض رشيد الأمر على (جماعة الدعوة والإرشاد) التي نجح في تأسيسها فوافقتْ على أن يكون ممثِّلاً لها.


    وبدأ رشيد سفره إلى الهند بالباخرة في 23 ربيع الأول سنة 1330هـ (1912م)، وقد احتفى به هناك كثيرٌ من الهنود المسلمين والجاليات العربية في الهند وعلى رأسهم الشيخ (قاسم بن محمد آل إبراهيم) في بومبي، وقد ألقى رشيد هناك كثيرًا من المحاضرات عن التربية والتعليم، والاتحاد الإسلامي ووسائل النهوض بالمسلمين، ووجوب نشر اللغة العربية لغة القرآن.

    وفي أثناء عودة رشيد إلى القاهرة مرَّ في طريقه بمسقط والكويت ومناطق أخرى، وكان يمكث في كلِّ بلد منها عِدَّة أيام يُلقِي في مساجدها دروسًا ومواعظ، ولم يصل القاهرة إلاَّ في 19 شوال 1330هـ (1912م)، وكان قد غادَر بومبي في الهند 9 جمادى الأولى من السنة المذكورة.

    د- رحلته الأولى إلى الحجاز[23]:
    كان رشيد يمنِّي نفسه بالحج منذ شبابه لولا أن هناك - كما يقول - عقبات سياسية لا يسهل اقتحامها[24]، وقد زالت تلك العقبات حين استولى الاتحاديون على الحكم، وخلعوا السلطان عبدالحميد سنة 1317هـ (1909م)، ولكن رشيدًا لم يحجَّ إلا بعد مُضِيِّ ثلاث سنوات، وبعد أن انفصمت العلاقة بين الترك والعرب بثورة (الحسين بن علي) شريف مكة سنة 1334هـ (1916م).


    وكان رشيد قد أبدى إعجابه بهذه الثورة ضدَّ الاتحاديين، ووصَفَها بأنها أعظم خدمة للإسلام؛ لأن فيها إنقاذًا للحرمين الشريفين وجزيرة العرب بعد أن أحاط الخطر بالدولة[25]؛ لذلك أُثِيرت الأقوال حول حجِّ رشيد هذا بأنه قصد به مبايعة شريف مكة بالخلافة، غير أن هذا كذَّبه رشيد، وذكر أنه ذاهب ليحجَّ مع والده وشقيقته فقط، وليقوم بنصح المسلمين وحثِّهم على التضامن والتكاتف والاتحاد في تلك المرحلة الحاسمة من تاريخهم، وقد أثبتت الأحداث صدق رشيد؛ فقد حج وأكرمه شريف مكة وقام رشيد بالنصح والإرشاد هناك وألقى الخطب الدينية والسياسية، وكانت عودته من الحجاز في النصف الثاني من ذي الحجة عام 1334هـ (1916م).

    هـ- رحلته الثانية إلى سوريا[26]:
    بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بانتصار إنجلترا وحلفائها أراد العرب تحقيق الوعود البرَّاقة التي وعدهم بها الحلفاء، فزحف الملك فيصل بن الحسين بن علي بجيشه العربي إلى دمشق، وتَمَّ تنصيبه ملكًا على سوريا فواتَت الفرصة رشيدًا للسفر إلى موطنه الأصلي مرَّة ثانية وذلك عام 1338هـ- 1919م، وتمكَّن رشيد في هذه الرحلة من زيارة المدن نفسها التي زارَها في رحلته الأولى، وفي دمشق انتُخِب رئيسًا للمؤتمر السوري العام الذي كان بمثابة مجلس الأمة (أو الشعب) في مملكة سوريا، ويذكر شكيب أرسلان بأن في ذلك دلالة على مكانة رشيد العظيمة في نظر أهل بلاده[27].


    لكن الأمور لم تستمرَّ على هذه الحال، ولم يلبث الاستعمار أن كشَّر عن أنيابه الخفية؛ فقد زحف الجيش الفرنسي على الشام - بمقتضى معاهدة (سايكس بيكو) المشهورة - وتمكَّن من القضاء على المقاومة العربية المستميتة له، ودخل دمشق محتلاًّ، وأسقط حكومة سوريا والمؤتمر السوري العام سنة 1339هـ (1920م)، ولم يستطع رشيد العودة إلى مصر إلاَّ بصعوبة[28] بعد عام كامل قضاه في سوريا.

    و- رحلته إلى أوربا[29]:
    فكَّر بعض زعماء العرب المصلحين في عقد مؤتمر للاحتجاج على احتلال فرنسا لسوريا وإنجلترا لفلسطين، وقد جاءت تلك الفكرة من رشيد رضا وصديقه شكيب أرسلان، واستقرَّ الرأي على عقد المؤتمر في جنيف مع جماعة من المصريين، وعُقِد المؤتمر في أغسطس سنة 1921م (1340هـ)، وانتخب (ميشيل لطف الله) رئيسًا للمؤتمر و(رشيد رضا) نائبًا أوَّلاً للرئيس، و(توفيق حمادة) نائبًا ثانيًا و(شكيب أرسلان) ناموسًا أوَّلاً للمؤتمر، و(توفيق اليازجي) ناموسًا ثانيًا، وأُطلِق على المؤتمر (المؤتمر السوري الفلسطيني).


    وقد أصدر المؤتمر نداءً إلى المجمع الثاني العام لجمعية الأمم في سويسرا طالَب فيه بوفاء الحلفاء لوعودهم واستقلال سوريا ولبنان وفلسطين، وإلغاء وعد بلفور لليهود في فلسطين وطالبوا بأن تُرسِل عصبة الأمم لجنة لدراسة ميول الأهالي في تلك البلاد.

    وقد اجتمع رشيد رضا بعددٍ من مندوبي الدول إلى مجمع الأمم في سويسرا فاجتمع بمندوب بريطانيا والصين وهولندا وأسبانيا وإيران، وعرض عليهم مطالب المؤتمر وبسَطَها معهم، يُشارِكه في ذلك بعض أعضاء المؤتمر.

    ولم يقتصر رشيد في هذه الرحلة على زيارة جنيف، بل طاف مع صديقه شكيب أرسلان - بدعوة[30] منه - سويسرا وألمانيا ثم عاد إلى مصر.

    ز- رحلته الثانية إلى الحجاز[31]:
    بعد استيلاء الإمام عبدالعزيز آل سعود على الحجاز سنة 1344هـ (1925م) دعا إلى عقد مؤتمر إسلامي عام في مكة المكرمة للنظر في مستقبل الحجاز، وقد شارَك رشيد رضا في المؤتمر الذي عُقِد في موسم حج عام 1344هـ وانتهى في 24 ذي الحجة 1344هـ، واشترك فيه مندوبون من الأقطار الإسلامية وعددها 33 قطرًا[32] إسلاميًّا ومجموعة إسلامية، وقد أظهر رشيد في المؤتمر نشاطًا كبيرًا، واستغلَّ رشيد فرصة المؤتمر ووجوده في الحجاز لإنهاء الخلاف بين الإمام عبدالعزيز آل سعود والإمام يحيى إمام اليمن ونجح في ذلك إلى حدٍّ كبير، كما أظهر رشيد إعجابه بالإمام عبدالعزيز آل سعود وقال: "إنه ما وُجِد في بلاد العرب بعد صدر الإسلام مَن يقدر على حفظ الأمن في الحجاز ونجد مثل السلطان"، ووافَقَه شكيب أرسلان على هذا الرأي[33].

    وبعد انتهاء موسم الحج وانتهاء المؤتمر عاد رشيد رضا إلى القاهرة وهو مطمئنٌّ بأن الحرمين الشريفين والحجاز كله في يد أمينة.

    ح- رحلته إلى فلسطين[34]:
    في عام 1350هـ، 1931م وجَّه الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين - وهو ممَّن تتلمذ على رشيد - دعوة إلى رشيد رضا لحضور المؤتمر الإسلامي الذي دعا لعقْده في مدينة القدس بفلسطين؛ لبحث قضية فلسطين وقضايا إسلامية أخرى، ولبحث إنشاء جامعة إسلامية في القدس، وقد انتُخِب رشيد عضوًا في اللجنة التنفيذية للمؤتمر، وبذل جهدًا كبيرًا ونشاطًا ملحوظًا في نجاح المؤتمر، وإزالة الخلاف بين أعضائه المشتركين من الأقطار الإسلامية المختلفة.


    وممَّا تقدَّم نُدرِك أن الغرض والهدف الأسمى في رحلات رشيد رضا كلها هو الدعوة إلى تضامن المسلمين واتحادهم، ووسائل النهوض بهم، ومعالجة الأسباب التي أدَّت إلى ضعفهم.

    ثالثًا: رحلته إلى عمان والكويت وموقفه من الاستعمار الأوربي:
    1- رحلته إلى عُمان والكويت عام 1330هـ/1913م:
    كانت الهند ضمن الأقطار التي زارها رشيد رضا في رحلاته - كما سبق - وفي طريق عودته من الهند إلى مصر مرَّ بعمان والكويت وكلها بلاد كانت مستعمرة من الإنجليز.

    وكان وصوله إلى مسقط في 12 جمادى الأولى عام 1330هـ بواسطة سفينة إنجليزية حملتْه من الهند إلى مسقط، والتَقَى في مسقط بسلطانها السيد فيصل وبعض رجالها، كما قام بإلقاء بعض الخُطَب والمواعظ في بعض مساجد مسقط[35].

    وبعد أن مكث الشيخ رشيد سبعة أيام في مسقط سافَر منها إلى الكويت، واجتمع في الكويت بالشيخ مبارك الصباح وبعض رجالها، وأقام في الكويت أسبوعًا أيضًا، ألقى فيه العديد من الخطب والمواعظ في بعض مساجد الكويت، كان عليها إقبال كبير من الناس[36]، كما يذكر ذلك الشيخ رشيد رضا نفسه عند حديثه عن رحلته إلى عمان والكويت، وقد تطرَّق الشيخ رشيد في حديثه إلى بعض الأمور السياسية والتاريخية التي لها صلة بالموضوع.

    ونترك الشيخ رشيد رضا نفسه يتحدث عن شيء من رحلته إلى عمان والكويت في "مجلة المنار" تحت عنوان (رحلتنا العربية الهندية)[37].

    • • • •
    رحلتنا الهندية العربية[38]
    شكر علني لأهل عمان والكويت
    شكرنا في الجزأين الأول والثاني لإخواننا مسلمي الهند حفاوتهم بنا وحسن ضيافتنا، ووعدنا بأن نشكر مثل هذه الحفاوة لإخواننا العرب الكرام في مسقط والكويت والعراق، وقضتْ كثرة المواد التي لا يمكن تأخيرها أن نرجئ الوفاء بهذا الوعد إلى هذا الجزء.

    سافرت من بمبي صباح الجمعة لتسع خلَوْن من جمادى الأولى للعام الماضي في سفينة إنكليزية قاصدًا مسقطًا عن طريق كراجي، وكنت حريصًا على السفر في إحدى بواخر الشركة العربية التي يُدِيرها في بمبي مؤسِّسُها من أصدقائنا تجار العرب، وكان ذلك يسرُّهم أيضًا، وقد تحدثنا به مع مدير الشركة الهمام الشيخ محمد المشاري في قصر الزعيم الكبير صديقي ومُضِيفي الشيخ قاسم إبراهيم، فعلمنا أن انتظار مواعيدها يضيع عليَّ أيامًا كثيرة، وقد انتقلنا في ميناء كراجي إلى سفينة إنكليزية أخرى حملتنا إلى مسقط، فوصلنا إليها ضحوة يوم الاثنين (12 ج29 أبريل) وعندما رسَت كان قد وصل إليها زورق بخاري من السلطان الكريم السيد فيصل ملك عمان يحمل بعض رجاله لاستقبالي، وكان كلَّف مَن يعتمد عليه في بمبي أن يخبره عن سفري منها ببرقية يعرف بها موعد وصولي، فصعدوا ومعهم صديقي الفاضل السيد يوسف الزواوي أكبر سادات مسقط بعد أسرة السلطان، وأكبر تجارها قدرًا وجاهًا وشهرة، فعرَّف الجماعة بي وبعد السلام نزلنا إلى الزورق فحملنا إلى رصيف قصر السلطان فصعدنا القصر، وبعد السلام والمكث مع السلطان ساعة من الزمان ذهبنا إلى دار ضيافته التي أعدَّها لنا، وكان صديقنا السيد الزواوي أعدَّ دارًا جديدة له على الطراز الحديث لأكون فيها مدَّة وجودي في مسقط فنفس عليه السلطان ولم يسمح له بذلك.

    أقمت في مسقط أسبوعًا كان يختلف إليَّ كل يوم وكل ليلة منه وجهاء البلد وأذكياؤه ويلقون عليَّ الأسئلة الدينية والفلسفية والأدبية والاجتماعية، وزارني السلطان في دار الضيافة أيضًا ومكث معي عدَّة ساعات، وزرته في مجلس حكمه عدَّة مرات، وكان يلقي عليَّ في كلِّ مرَّة الأسئلة المختلفة، وكان يكون معه في مجلسه أخوه السيد محمد، وهو كثير المطالعة في الكتب ولكنه لا يحب البحث في المجالس في كل ما يطَّلع عليه من المسائل، وقد عهد السلطان إلى كاتبه الخاص من أهل السنة الزبير بن علي أن يتولَّى أمر العناية بضيافتي، وإلى كاتبه الآخَر الشيخ إبراهيم بأن يتعاهدني معه أيضًا.

    وأدب لي صديقي السيد الزواوي مأدبتين حافلتين: إحداهما في داره العامرة في نفس مسقط دعا إليها علماء ووجهاء البلد، والأخرى في دارٍ له بقرية (سداب) وهي على مسافة ميل من مسقط، ذهبنا إليها بزورق السلطان في البحر، وعدت أنا ماشيًا مع بعض المدعوِّين برًّا؛ لأجل الرياضة ورؤية ثنية الجبل التي يسلك منها إلى مسقط المطوَّقة بالجبل وقد دعا إلى هذه المأدبة معي وجهاء القرى المجاورة لها فأجاب الدعوة عشرات منهم، وكان الغرض من ذلك أن يسمعوا كلامي وتذكيري بآيات الله، وقد فاض معين السخاء العربي الهاشمي في هذه المأدبة على فقراء القرية الذين اعتادوا أن يعشوا إلى ضوء نار السيد الزواوي الذي هو مظهر لقول الشاعر[39]:
    مَا أَحْسَنَ الدِّينَ وَالدُّنْيَا إِذَا اجْتَمَعَا = .........................

    فتراه بين مظاهر الكرم والنعيم، لا يغفل عن مراعاة ما يمكن تحصيله من فوائد العلم والدين، بنى لنفسه عِدَّة دور فخمة جميلة في مدخل البلد على البحر، وهو موقع غير واسع يشارك هو فيه السلطان وقنصل الإنكليز في الملك، ويسكن في دارٍ له فيه قنصل أمريكا، وبنى لله مسجدًا هو أنظف مساجد البلد وأزهاها، وقد جرَّ إليه الماء بأنابيب الرصاص (المواسير)، وجعل له عِدَّة حنفيات، وعلى هذه الطريقة اقترح عليَّ يوم المأدبة الأولى، وكانت للغداء في يوم الجمعة أن أعظ الناس في مسجده بعد صلاة الجمعة فأجبت، وكان من تأثير الكلام فيهم أن ارتفعت أصواتهم بالبكاء والنحيب والنشيج، واقترح عليَّ أيضًا أن أتكلم وأذكِّر مَن يحضر المأدبة الثانية من الوجهاء والخواص فأجبت، ونجله الكبير الشيخ عبدالقادر له ذوق في النظام وميل إلى الصناعة، وقد مدَّ من دارهم في سداب إلى دارهم في مسقط مسرَّة (تلفون) فكانت هي الوحيدة في تلك القرية.

    وسافرت من مسقط ضحوة يوم الاثنين لتسع عشرة خلون من الشهر ومكثت في مجلس السلطان زهاء ثلاث ساعات من أوَّل نهار السفر، كان يلقي عليَّ الأسئلة الكثيرة في العقائد وما يتعلق بها والأحكام الشرعية والاجتماعية والتاريخية، وتارة يشي إلى رجاله بأن يسألوا وكانوا جميعًا يسرون من الأجوبة، ثم نزلنا إلى البحر فودَّعني السلطان على رصيف قصره، ونزل معي في زورقه البخاري جميع مَن كان ثَمَّ من أنجاله الكرام وهم خمسة أكبرهم السيد نادر، ومعهم بعض كتَّابه وحاشيته (ومن سوء حظي أن كان ولي عهده السيد تيمور مسافرًا فلم أرَه) وظلَّ هو واقفًا على الرصيف حتى بَعُدَ الزورق عنه، فودَّعته الوداع الأخير بالإشارة، ونزل معنا أيضًا صديقنا السيد الزواوي ونجله السيد علي ابن عم السلطان وصهره وقد سافر معنا قاصدًا البصرة، فرأيت منه رفيقًا تقيًّا نقيًّا صفيًّا، وقد مكث معنا أولاد السلطان والزواوي ساعة من الزمن في الباخرة، ثم ودعناهم الوداع الأخير وعادوا إلى مسقط موشَّحين بجلابيب شكري الخالص ووُدِّي الدائم إن شاء الله تعالى (وسنصف مسقط ونتكلَّم عن حالة أهلها الاجتماعية في الرحلة).

    جرت السفينة بنا من مسقط ظهر يوم الاثنين وهي إنكليزية تقطع في الساعة 12 ميلاً فقط، وفي ضحوة اليوم الثاني خرجت بنا عن محاذاة جبال عمان ودخلت في الخليج الفارسي، فصرنا نرى بر فارس عن اليمين وبر العرب عن اليسار، ووقفت بنا فجر يوم الخميس في موضع من عرض البحر كان ينتظرنا فيه مركب شراعي كبير أرسله إلينا الشيخ مبارك الصباح صاحب الكويت، وكان قد عَلِم بأننا نصل إليه في هذا الوقت في هذه الباخرة ممَّا كتب إليه من بمبي ومسقط، فنزلنا فيه قبل طلوع الشمس فأقلع بنا والريح لينة والبحر رهو، ثم قويت الريح قليلاً في النهار فبلغ بنا الكويت قبل غروب الشمس.

    وكان رجال الشيخ مبارك حملوا فيه خروفين كبيرين وكثيرًا من الحلوى والمشمش والخيار فأفطرنا وتغدينا فيه (وقد أعجبني جدًّا طبخ الطاهي الذي كان معهم للخروف بالرز الهندي وهو طاهٍ متفنِّن وطبخ للعشاء ألوانًا متعدِّدة لئلاَّ نتأخَّر إلى الليل فبقيت للبحارة)، وقد استقبلنا أولاد الشيخ مبارك وبعض الوجهاء في زورق صغير خارج الميناء.

    أنزلني الشيخ مبارك في قصره الجديد الذي هو قصر الإمارة وتولى مؤانستي ومجالستي في عامَّة الأوقات نجله الشيخ ناصر رئيس لجنة مدرسة الكويت؛ لأنه هو الذي يشغل عامة أوقاته في مدارسة العلم ومراجعة الكتب حتى صار له مشاركة جيدة في جميع العلوم الإسلامية، وأقمت في الكويت أسبوعًا كنت كل يوم - ما عدا يوم البريد - ألقي فيه خطابًا وعظيًّا في أكبر مساجد البلد فيكتظُّ الجامع بالناس، وكان يحضر مجلسي كل يوم وليلة وجهاء البلد من أهل التقوى وحب العلم يسألون عمَّا يشكل عليهم من أمر دينهم، وأمَّا الشيخ ناصر فكان يسأل عن دقائق العلوم في العقائد والأصول والفقه وغير ذلك، على أنه لم يتلقَّ عن الأساتذة، فهو من مظاهر الذكاء العربي النادر.

    وممَّا أحبُّ أن أذكره هنا - وهو مباحث الرحلة - مسألة علاقة الشيخ مبارك بالدولة العثمانية والإنكليز، كنَّا نسمع المنافقين لرجال الدولة يصفون صاحب الكويت بالخيانة للدولة، ويعيبونه بطلب حماية الإنكليز له، فسألته عن ذلك فقصَّ عليَّ قصة سألت عنها بعد ذلك السيد رجبا نقيب البصرة مندوب الحكومة إليه فيها فكان جوابه موافقًا لجواب الشيخ مبارك، ثم ذكرت ما قاله للشيخ فهد بك الهذال شيخ قبائل عنزة في العراق؛ إذ كنت في ضيافته على نهر الفرات مع صديقي مراد بك (أخي محمود شوكت باشا) فصدق ما قاله الشيخ مبارك وزادني فوائد هو أعرف الناس بها.

    وملخص ما قاله الشيخ مبارك أنه في أواخر مدَّة عبدالحميد ساقت الدولة بعض العسكر مع عربان بن الرشيد إلى قرب الكويت وأرسل المشير فيضي باشا السيد رجبا النقيب ومعه نجيب بيك ابن الوالي إلى الكويت، فبلَّغاه أنه قد صدرت إرادة سنية بوجوب خروجه من الكويت إلى الأستانة أو إلى حيث شاء من ولايات الدولة والحكومة تعيِّن له راتبًا شهريًّا يعيش به فإن لم يخرج طائعًا دخل الجند مع عرب ابن الرشيد وأخرجوه بالقوة.

    فسألهم ما هو ذنبه الذي استحقَّ به النفي من بلده وعشيرته، وذكر نقيب البصرة بما يعرف من إخلاصه للدولة وإعانته لها بالمال عند كلِّ حادثة، وبما كان من محاربة سلفه وعشيرته لقبائل المنتفق المالكين للبصرة وإخراجهم منها وجعلها في حكم الدولة كما ملكهم هو وعشيرته بقوَّتهم الأحساء وغيرها، وطلب منه أن يعود إلى البصرة فيقنع المشير بمراجعة الأستانة، فقال له: إنما علينا البلاغ وليس في يدنا غيره، قال: فخرجت من عندهما بقصد مشاورة أهلي، وكانت حكومة الهند الإنكليزية قد علمت بكلِّ ما دبَّرتْه الدولة في ذلك وبمجيء عشيرة ابن الرشيد مع العسكر إلى جهة الكويت، فأرسلت مدرعتين فوقفتا تجاه البلد فلمَّا عدت رأيت أميرالاً إنكليزيًّا قد نزل من إحدى المدرعتين ومعه بعض الجند، فسألني عمَّا جرى فأخبرته الخبر فقال: إن حكومتنا متَّفقة مع حكومة الترك على أن تبقى الكويت على حالها، لا يتعرَّضون ولا نتعرَّض لها، وإذ قد غدروا وخالفوا فقد صار لنا حق الدخول في أمرها، ولا يمكن أن نسمح لجندي عثماني أن يدخلها، وإذا دخلوا برضاكم دمَّرناها على رؤوسكم ورؤوسهم، ثم بلغ الأميرال ذلك لنقيب البصرة رسول الحكومة فقفل راجعًا وبلغ المشير ذلك فأمر المشير بصرف الجنود والعربان.

    (قال): فما كان من تدخُّل الإنكليز في أمر الكويت لم يكن بطلب منِّي، بل كان هذا سببه، وقد عرضوا عليَّ أن أختار لنفسي راية أرفعها على البلد وأعلن الاستقلال تحت حمايتهم فأبيت ذلك، وهذه الراية العثمانية تراها كل يوم مرفوعة فوق رأسي، وقد تعجبوا من قولي لهم أنني أختار أن أكون دائمًا عثمانيًّا، قيل لي: أتقول هذا بعد أن رأيت منهم ما رأيت؟ قلت: إن الوالد إذا قسا في تربية ولده أحيانًا لا يخرج بذلك عن كونه والده الذي تجب عليه طاعته! وسأذكر في الرحلة ما أيد به نقيب البصرة وشيخ عنزة هذا الكلام، فليعتبر المعتبِرون بإخلاص العرب للدولة على سوء معاملتها لهم.

    2– موقف الشيخ رشيد رضا من الاستعمار الأوربي:
    عاش رشيد رضا في عصرٍ رانَ فيه الضعف والجمود على المسلمين ودولتهم العثمانية، فأخذت دول الاستعمار تتكالب عليها من كلِّ جانب تنهش في أملاكها فتزيدها ضعفًا حتى إذا ما هُزِمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى تقاسمت دول الاستعمار أملاكها في البلاد العربية.

    وعاصَر رشيد رضا جميع هذه المصائب وشاهَدَها بأم عينيه، فكان لا بُدَّ له كعالم مصلح مسلم أن يكون له مواقف مذكورة مع المستعمرين، زِدْ على ذلك أنه هاجَر في شبابه إلى مصر التي دخلت في وقت مبكر تحت سيطرة الاستعمار الإنجليزي منذ عام 1882م (1300هـ)، فجاء رشيد إلى مصر وقد مضى على تلك السيطرة خمسة عشر عامًا، فعاش رشيد فيها لنشر أفكاره الإصلاحية على صفحات "مجلة المنار" الدينية منها والسياسية، وذلك بما تسمح به سلطات الاحتلال الإنجليزي من نشره رغم الحرية النسبية التي وضعها الإنجليز في مصر التي هدفوا من ورائها اجتذاب المفكِّرين والمصلحين للعيش في مصر فيكونون تحت مراقبتهم وليكتبوا في ظلهم[40].

    ورغم عيش رشيد رضا المبكِّر في مصر فلم يكن صاحب اتِّصال كثير بالإنكليز خصوصًا والأوربيين عمومًا - كما كان عليه أستاذه محمد عبده - فهو لم يتَّصل اتصالاً وثيقًا مع أحد من الإنجليز إلا بشخص واحد هو (متشل انس) الذي كان موظفًا بوزارة المالية المصرية[41]، وقد مدحه رشيد وذكر أنه أشد الإنجليز استقلالاً في الفكر وحرية في الرأي، وكان له مذكرات سياسية ودينية مع رشيد رضا، وقد عقد الصلة بينهما الشيخ محمد عبده[42].

    وحينما أسَّس رشيد رضا "مجلة المنار" بمصر جعل من أهم أغراضها الدفاع عن عقيدة الإسلام وبلاد المسلمين من كيد أعدائهما على اختلافهم، ولهذا نراه يهاجم الإنجليز بشدة الذين يساعدون المبشِّرين المسيحيين في خطتهم الرامية لتنصير المسلمين، وكتب في ذلك مقالات واسعة كان منها مقال فضح فيه خطط المبشرين ومساعدة الإنجليز لهم، ووصف الحكومة المصرية بأنها حكومة صورية ليس لها من الأمر شيء، وتحدث عن محاولة الإنجليز توقيف المنار لمدافعتها عن الإسلام ضد هجمات المبشرين[43].

    وواصَل رشيد رضا جهاده في هذا المجال دون توقُّف، فأخذ يفضح مخطَّطات المبشِّرين، ومطالب الأقباط في مصر ويناقشهم في آرائهم الدينية والسياسية ويرد عليها بقوَّة، كما تحدث رشيد عن جهود زعماء الأقباط وعلى رأسهم (بطرس باشا غالي) في إثارة الشقاق بينهم وبين المسلمين، واستنجادهم بالإنجليز على المسلمين[44].

    وجمع رشيد مقالاته في كتاب خاص أسماه "المسلمون والقبط"، وبالمقابل تعرَّض رشيد لهجمات عنيفة من جانب المسيحيين الأقباط وغيرهم، وكان من أبرز صحفهم ومجلاتهم التي هاجمت رشيدًا بقوة "مجلة الشرق اليسوعية"[45].

    والواقع أن أفكار رشيد رضا الإصلاحية عامَّة لم تكن بالطبع من الأمور التي يمكن للاستعمار السكوت عليها، ولذلك كثيرًا ما واجَهت أفكار رشيد الإصلاحية معارضة من المستعمرين، سواء كان ذلك قبل الحرب العامة أو أثنائها، وهم يتظاهرون بأن محاربتهم لكثيرٍ منها إنما جاء بسبب اتصالها بنواحٍ سياسية بحتة[46].

    ولذلك لم يكن الإنجليز يطمئنون إلى رشيد رضا رغم إقامته بينهم، ولهذا كانت رسائله البريدية موضع مراقبة شديدة منهم، خاصة في أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها؛ ولهذا وقعت كثير من رسائل رشيد - المتجهة نحو الخليج أو الجزيرة العربية عن طريق بومباي - في أيدي الإنجليز فترجموا بعضها إلى الإنجليزية وبعثوا بها من الهند إلى لندن[47] كما سبق.

    وحينما يئس رشيد رضا من الدولة العثمانية بعد تولي الاتحاديين الحكم وظهور مساوئهم فيه، أخذ يعمل رشيد رضا ضدَّهم، فرأى أن يثير عليهم الإنجليز، ويسعى عندهم لمصلحة العرب، وظن أنه يستطيع أن يؤلبهم لمصلحة قومه، ولكنه خاب وفشل حين رأى أن الإنجليز يعملون لهدم العثمانيين ولهدم العرب جميعًا، وفهم الإنجليز هذا التغيُّر من رشيد فغضبوا منه وقبضوا عليه، وفكَّروا في نفيه إلى (مالطة) في جملة مَن نفوهم، ولكنهم عدلوا عن ذلك لأنهم رأوا أن ذلك يضرُّ بهم أكثر من أن ينفعهم، فبقاؤه في مصر تحت مراقبتهم أسلم لهم، ولهذا تركوه تحت المراقبة الشديدة، فأصبح بذلك عدوًّا للأتراك الاتحاديين والإنجليز معًا[48].

    ورغم ذلك كله استمرَّ رشيد رضا في كتاباته الإصلاحية المعادية للإنجليز وغيرهم رغم تصريحه بأن المراقبة الشديدة على "مجلة المنار" من قِبَل السلطات الإنجليزية في مصر لا تسمح له بنشر كل أفكاره الإصلاحية خاصة السياسية منها في وقت الحرب العالمية الأولى وثورة الشريف حسين بن علي[49].

    وتشير الدلائل على أن رشيد رضا قد تعاوَن مع الإنجليز في بداية الحرب العالمية الأولى وذلك ضد الاتحاديين، ولهذا أيَّد ثورة الشريف حسين أوَّل الأمر وكان تعاونه هذا مع الإنجليز مبنيًّا على أمله في أن يكون بداية لاعتراف بريطانيا باستقلال العرب في دولة واحدة تشمل جميع المناطق العربية التابعة للدولة العثمانية.

    وبين يديَّ الآن مذكرة كتبها رشيد رضا بخط يده في أوائل عام 1915م (1334هـ) وقدَّمها إلى رجال الدولة البريطانية في مصر، وقد بدأ رشيد مذكرته في ملحق إضافي بيَّن فيها سبب كتابته هذه المذكرة، وذكر أن بعض أصحابه السوريين جمعوه مع (الكولونيل هوكر باشا) الذي سأل رشيد رضا عن موقف العرب إزاء دخول الدولة العثمانية في الحرب الحاضرة (الحرب العالمية الأولى) مع ألمانيا فأجابه رشيد بأجوبةٍ تمنَّى الكولونيل كتابتَها له لأهميتها، ولأجل دراستها مع رجال حكومته.

    كما حرص على ذلك مدير المخابرات في مصر (الكابتن كليتن)، فكتب رشيد هذه المذكرة من أربع عشرة صفحة مع ملخص لها في صفحتين، أمَّا الملحق الإضافي لها فهو في خمس صفحات[50].

    والمذكرة مقدَّمة إلى (صاحب السعادة عبدالله باشا صفر) ولعلَّه من رجال الحكومة المصرية الخاضعة للإنجليز في ذلك الوقت، ولا يتَّسع المجال لتحليل ما جاء في تلك المذكرة، ولكن الملخص لها أجمل فيه رشيد مطالب العرب من إنجلترا بقوله: "فالذي أطلبه من بريطانيا العظمى مترجمًا به عن قلوب العرب والمسلمين كافَّة هو: أن تبذل نفوذها لحفظ استقلال الإسلام التام في مهده في جزيرة العرب وسياجها من البلاد العربية الممتدَّة من خليج فارس إلى البحر الأحمر، ومن البحر المتوسط وآسية الوسطى إلى المحيط الهندي التي هي وطن العرب الأصلي، وألاَّ ترضى بجعل شيء من هذه البلاد داخلاً في حصة دولة من الدول ولا تحت نفوذها وحمايتها".

    إلى أن قال: "وبهذا يتمُّ إخلاص أكثر من مئة مليون مسلم من رعيتها لدولتهم وإمبراطورهم العظيم ظاهرًا وباطنًا باطمئنانهم على حكم القرآن المجيد ومعاهد دينهم المقدسة، هذا وإن العرب في سورية والعراق والجزيرة العربية مستعدُّون للنهوض بأعباء دولة مستقلَّة منظَّمة على قاعدة اللامركزية، التي تبقي لأمراء جزيرتهم استقلالهم وتُعِيد الحضارة العربية إلى منبتها الأول في سورية والعراق".

    والمذكرة تدلُّ على ما سبق أن قرَّرناه من أن رشيدًا حاوَل أن يستغلَّ تقاربه مع الإنجليز في بداية الحرب العالمية الأولى في الحصول على موافقتهم على إنشاء دولة عربية في الجزيرة وسورية والعراق، وهي البلاد التي كانت قد أفلتت حتى ذلك الحين من الوقوع في الاستعمار.

    ولكن رشيدًا حينما علم بخداع الإنجليز غيَّر اتجاهه بسرعة، وأخذ يحذِّر من التقارب معهم، ولهذا يقول شكيب أرسلان: "جاءنا في إحدى المرَّات أن السيد رشيدًا هو من المغضوب عليهم عند الإنجليز؛ لأنهم رغبوا إليه في بث الدعاية الإنجليزية ببلاد العرب، فلم يستطع أن يجيبهم علنًا وأظهر شيئًا من الموافقة لهم على مقاصدهم على صورة أن يبثَّ الدعوة لفصل العرب عن الترك، فوافَقُوه على ذلك إلا أنهم فيما بعد قبضوا على كتبٍ منه تتضمَّن التحذير من الإنجليز أنفسهم، فقبضوا عليه وفكَّروا في نفيه إلى مالطة في جملة مَن نفوهم، وكادوا يفعلون إلا أنهم عادوا وفكَّروا أن نفي مثل هذا الشيخ قد يقربه من الأتراك، ويزيد الضرر بسياستهم فتركوه في مصر لكن تحت المراقبة الشديدة"[51].

    والذي يظهر لنا أن هذا التغيُّر ضد الإنجليز من رشيد بدأ في أواخر الحرب العالمية الأولى حينما ظهرت أطماع الإنجليز وخداعهم للعرب وخاصة بعد ظهور معاهدة (سايكس بيكو) المشهورة بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر سنة 1917م؛ ولهذا ساءَت حينذاك العلاقة بين رشيد والشريف حسين بسبب اكتشاف رشيد أسرار ثورة عام 1916م.

    ومع بقاء رشيد تحت المراقبة الشديدة من الإنجليز كان له أدوار سياسية خاصَّة في إخراج بعض المسلمين من السجن الذين اعتقلهم الإنجليز اعتقالاً سياسيًّا فخرجوا بكفالة رشيد رضا، وقد حصل ذلك قبل أن يزداد غضب الإنجليز عليه أي في أوائل الحرب العامة[52].

    ومهما يكن من أمر فإن مؤشر بداية العلاقات السيئة بين رشيد والإنجليز جاء حين ظهرت معاهدة (سايكس بيكو) على السطح فعارَضَها رشيد بقوَّة، وأخذ يطعن في تعسف إنجلترا وظلمها للمسلمين فألبهم على مخالفتهم بوسائل مختلفة وحذرهم من مصادقتها؛ لأنها خدَّاعة مكّارة[53].

    وأخذ بعد ذلك يفضَح أساليب الاستعمار الإنجليزي وأعوانه وأذنابه بصراحة تامَّة، فهو يصف بريطانيا بأنها عدوَّة الخلافة الإسلامية وعدوَّة العرب معًا، كما ذكر بأن إنجلترا كانت تهدف في أثناء الحرب العامة إلى إقامة خلافة عربية في الحجاز يتوَّج بها شريف مكة، ويكون تحت إشرافها، وقد ذكر رشيد أنه عارَض ذلك المبدأ بشدَّة فكان من أسباب فشلها، كما ذكر رشيد أنه بعث رسالة إلى (لويد جورج) رئيس وزراء بريطانيا في منتصف عام 1919م ليشرح له موقف العرب والمسلمين من ثورة شريف مكة، وذكر أنه لا يرضي العربَ والمسلمين إلا تركُهم مستقلِّين في بلادهم من عرب وترك وفرس، وترك مسألة الخلافة إلى حين عقد مؤتمر إسلامي لحل مشكلتها.

    ولكن رشيدًا يذكر أن (لويد جورج) لم يلتفت إلى ذلك وسار في سياسة دولته القائمة على استعمار البلاد العربية والإسلامية، فأثبت بذلك أن إنجلترا لا يفيد معها ولا تلين إلا بالقوَّة فقط، ولا مكان عندها للحق والعدل والوفاء بالعهود والوعود، كما ذكر رشيد أن إنجلترا تقاوم بقاء الخلافة الإسلامية؛ لأنها تخشى تجدُّد قوة الإسلام والمسلمين بها وتبعتها في ذلك دول الاستعمار كلها، كما جاراها حكام المسلمين المتفرنجين[54].

    ويمضي رشيد في بيان مساوئ الإنجليز على المسلمين، فيذكر أنهم هم الذين يساعدون أعداء الوهَّابيين في الحجاز وهم (شرفاء مكة) ضد ابن سعود وذلك ليكون وسيلة لتدخُّلهم في الحجاز[55]، كما ذكر أنه حينما استولى ابن سعود على الحجاز وأعلن أنه لن يكون لأجنبيٍّ نفوذ فيه ساء ذلك إنجلترا وأرادت مساعدة علي بن الحسين بأسلحة من مصر[56].

    وفي موضع آخر يتعرَّض للموانع التي وقفت في وجه دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب وتجديدها لمجد الإسلام الديني والدنيوي، فيذكر أن هذه الموانع هي الدولة العثمانية، ومحمد علي باشا، و(دولة الدسائس) ويقصد بها بريطانيا وإن لم يصرح باسمها[57]، وليس معنى ذلك أن رشيدًا لم يكن قبل ذلك يكتب عن مساوئ الاستعمار الأوربي شيئًا؛ فها هو مثلاً يكتب قبل الحرب العالمية عشر مقالات في (المسألة الشرقية)، مراحلها وأخطارها، ويبيِّن أن اعتماد الدولة العثمانية في حفظ نفسها على تنازع الدول الأوربية خطأ كبير؛ لأن الاختلاف الضار لا يستمر بين العقلاء ولذلك دعا رشيد الدولة العثمانية إلى تقوية نفسها عسكريًّا، واتحادها مع العرب في إيجاد هذه القوَّة، وكان لهذه المقالات أثر كبير وصدًى واسع حتى اضطر وكلاء الدول الأوربية في مصر إلى الالتجاء إلى المعتمد البريطاني في مصر لإيقاف هذه المقالات.

    واستمرَّ رشيد في كشف نوايا المستعمرين وأطماعهم حتى إنه قال:
    "علمنا ما دار بيننا وبين رجال الإنجليز في مصر، ومن مذكراتنا مع السيد مارك سايكس الذي أرسلته السلطة العليا من لندن إلى مصر والعراق لدرس المسألة العربية سنة 1915م أن القوم ثابتون على طمعهم في بلادنا"[58].

    ومن هنا كان هجوم رشيد على الشريف حسين أمير مكة؛ لأنه قَبِل الوصاية من دولة أجنبية باسم الحماية أو الإشراف، وأخذ يلوم كلَّ مَن يتعاون مع بريطانيا في البلاد العربية، وابتعد عن كلِّ ما يرتاب منهم من العرب، حتى أنه اعتذر عن إعطاء (أمين الريحاني) توصية منه إلى أمراء الجزيرة العربية؛ لأنه ارتاب بأن الريحاني يقصد في رحلاته خدمة سياسية للإنجليز[59].

    وظلَّ رشيد حتى وفاته في عدائه للإنجليز، كما ظلَّ تحت مراقبتهم الشديدة حتى إن صديقه (شكيب أرسلان) حينما مرَّ بالسويس قاصدًا الحجاز سنة 1934م (1353هـ) - أي: قبل وفاة رشيد رضا بسنة واحدة - منعت إنجلترا الصديقين من الاجتماع أو حتى التحدث فيما بينهما[60].

    واستمرَّ رشيد يكره الإنجليز من غير هوادة، يكشف دسائسهم ومؤامراتهم ويذكر أن الشعوب الإسلامية والعربية ساعية في أظفار الأسد تقطيعًا وتحطيمًا، وتنبَّأ بخروجهم من الهند ومصر وفلسطين، وقد حققت الأيام ذلك[61].

    ولم يكن جهاد رشيد ضدَّ الاستعمار الإيطالي والفرنسي بأقل من جهاده ضد الاستعمار الإنجليزي؛ فعندما هاجمت إيطاليا طرابلس الغرب في ليبيا واحتلَّتها عام 1912م كتب رشيد مقالاً هاجَم فيه إيطاليا وتعسفها، ولام العثمانيين الاتحاديين على التساهل والتمكين لإيطاليا بسهولة، وكشف عن السر في هجوم إيطاليا على ليبيا وهو يكمن في المخطط الاستعماري الأوربي الذي عمد إلى تقسيم الدولة العثمانية وممتلكاتها فيما بينها[62].

    وعندما زار ملك إيطاليا مصر احتفلت به الحكومة المصرية المستعمَرة، كما احتفل به الأزهر فهاجَم رشيد بشدة هذه الاحتفالات لملك إيطاليا التي تُقام، وجيشه يضطهد المسلمين في طرابلس وبرقة بليبيا وهاجَم مشيخة الأزهر على موافقتها إقامة مثل هذه الاحتفالات في داخل الأزهر[63].

    وحينما أظهرت إنجلترا وفرنسا خداعهما للعرب بمعاهدة (سايكس بيكو) أراد رشيد أن يتَّجه إلى إيطاليا ليستغلَّها في مصلحة العرب، فكتب إلى حكومتها عام (1921م) بكتاب سياسي ذكَر فيه استعداد المسلمين أن يتَّخذوا من إيطاليا صديقًا لهم إذا كانت ستسير سيرة تخالف سيرة إنجلترا وفرنسا.

    وقد حدَّث رشيد قنصل إيطاليا في الشام بهذا الشأن، كما كتب إلى صديقه شكيب أرسلان في جنيف يدعوه إلى مواصلة العمل في هذا الأمر مع الطليان، ولكن لم يلبث رشيد أن يئس من هذه الدولة بعد أن رآها تتكالب على الاستعمار مع حليفتيها (إنجلترا وفرنسا) وذلك بتمسُّكها الشديد بليبيا، بل واستعمارها الحبشة أيضًا بعد[64] ذلك.

    وكان لرشيد رضا مواقف مشهورة ضد الاستعمار الفرنسي أيضًا لا تقلُّ عن هجومه على الاستعمار الإنجليزي؛ فقد هاجَم رشيد بشدَّة فرنسا وسياستها في المغرب الإسلامي من أفريقيا الرامية إلى تنصير المسلمين هناك، ونقد الأزهر في عدم إصداره احتجاجًا على فرنسا بهذا المعنى[65].

    وحينما وضعت الحرب العالمية أوزارها عزم رشيد رضا على زيارة (الشام) وطنه الأول سنة 1919م؛ وذلك للوقوف إلى جوار مواطنيه في محنتهم التي تعرَّضوا لها من جرَّاء تنفيذ معاهدة (سايكس بيكو) وتمكَّن رشيد في هذه الرحلة من مقابلة (مسيو جورج بيكو)[66]، وقد دارَت محادثة رشيد معه حول ثلاث مسائل:
    أولها: ما ينكره العرب على السلطات الفرنسية: وقد بيَّن رشيد ما يعانيه المسلمون في الشام من الإهانة حتى في دينهم، كما طالَب رشيد أن يكون التعليم باللغة العربية وعدم التصرُّف في الأوقاف والتعليم الديني، فوعده (بيكو) بمراعاة ذلك.

    أمَّا المسألة الثانية: فهي عن شكل الحكم القادم لبلاد الشام ودور العرب فيه، وقد حاوَل بيكو التهرُّب من الإجابة على هذا السؤال.

    أمَّا المسألة الثالثة: فهي مقارنة بين سياسة فرنسا وإنجلترا تجاه البلاد العربية، وقد حاوَل (بيكو) مدح سياسة الفرنسيين وحسن معاشرتهم للعرب، ولكن رشيدًا أوضح له في ردِّه أنه ليس من مصلحة إنجلترا ولا فرنسا تقسيم بلاد الإسلام وتجاهل وحدتها؛ لأن المسلمين لا بُدَّ أن ينهضوا من عثرتهم ويستعيدوا سالف مجدهم، وحينئذ سيكون الإنجليز والفرنسيون هم الخاسرين لصداقتهم.

    وقد تظاهَر (مسيو بيكو) بالاقتناع برأي رشيد ظاهرًا، أمَّا في الباطن فقد أضمر له الحقد والكراهية، وجعله تحت مراقبة السلطات الفرنسية، حتى أن تلك السلطات ألقت على رشيد القبض وهو في طريقه من طرابلس إلى بيروت وفتَّشت أمتعته واحتجزت أوراقه فيها، واعتقلت رشيدًا ولم تفرج عنه إلا خوفًا من انتقام المواطنين منها[67].

    وفي هذه الأثناء عاد الأمير فيصل بن الحسين من فرنسا بعد فشله في مفاوضاته معها بشأن مستقبل (الشام)، وفي ذلك الوقت كان المؤتمر السوري، (مجلس الشعب) قد انعقد وانتخب رشيد رضا رئيسًا له، فأعلن المؤتمر استقلال سوريا وجعل الأمير فيصلاً ملكًا عليها، وقد أشار رشيد رضا على (فيصل ابن الحسين) في ذلك الوقت بالاستعداد للحرب؛ لأن فرنسا سوف تلجأ إلى الغدر والقوة، ولكن فيصلاً أهمل العمل بنصائح رشيد، فلم تلبث فرنسا أن أرسلت تهديدًا إلى الأمير فيصل بن الحسين تأمره بالخروج من دمشق، فخضع فيصل لها في نهاية الأمر، رغم معارضة الكثيرين لهذا وخاصة رشيد رضا، وحدَث ما كان قد توقَّعه رشيد؛ إذ زحف الفرنسيون من منطقة ساحل الشام إلى (دمشق) فتمكَّنوا من احتلالها في 23 يوليو عام 1920م (1339هـ)، فأراد رشيد بعد ذلك العودة إلى مصر[68]، ولكن سلطات الاستعمار الإنجليزي لم توافق على عودته، ولم يعد رشيد إلى أسرته في مصر إلا بعد أن حصل على جواز آخر أجازته السلطات الإنجليزية دون أن تدقق في معرفة صاحبه؛ لعدم وجود تعريف لرشيد فيه بأنه (صاحب المنار) و(رئيس المؤتمر السوري)، كما ذكر رشيد ذلك نفسه[69].

    ومع ذلك كله استمرَّ رشيد في حربه للاستعمار الأوربي حتى إنه سافر سنة 1921م (1340هـ) كأحد أعضاء المؤتمر السوري الفلسطيني، وأصدر المؤتمر نداءً إلى عصبة الأمم بهذا المعنى، كما تمكَّن رشيد فيه من الاجتماع بعدد من ممثِّلي الدول إلى عصبة الأمم وعرض عليهم مطالب العرب، وقد انتُخِب رشيد في هذا المؤتمر نائبًا للرئيس كما سبق.

    ومهما يكن من أمر رشيد رضا وبالرغم من أن مواقفه العدائية ضد الإنجليز كانت أكثر وأبرز منها ضد الفرنسيين؛ نتيجة لوجوده في مصر تحت سلطتهم - فإن له مواقف عدائية بارزة ضد الفرنسيين أيضًا، ولهذا يقول جومييه: "لم يخفِ رشيد معارضته للمشروعات الفرنسية في سوريا، وشارَك في مدينة جدة بمواقف معادية للفرنسيين في أثناء حج سنة 1916م"[70].

    رابعًا: رحلته الأولى إلى الحجاز وعلاقته بالشريف حسين بن علي:
    1- رحلته الأولى إلى الحجاز عام 1334هـ/1916م:
    سبق أن ذكرنا أن هذه الرحلة كانت في أواخر عام 1334هـ، وكان هدفها الأساس تأدية الشيخ رشيد رضا فريضة الحج ذلك العام هو ووالدته وشقيقته، وقد تحدث الشيخ رشيد عن هذه الرحلة في "مجلة المنار" بإسهاب في المجلدين التاسع عشر والعشرين، ويمكن تلخيص أهم ما تطرَّق إليه في حديثه عن هذه الرحلة في النقاط الآتية:
    1- تحدث في البداية عن سبب رحلته، وأن الغرض الأساس منها تأدية فريضة الحج وعن الموانع السياسية التي منعت رشيد من الحج قبل ذلك[71].

    2- ثم تحدث عن بداية الرحلة بالقطار من القاهرة إلى السويس التي بدأت في 25 ذي القعدة عام 1334هـ الموافق 23 سبتمبر 1916م، واستطرد في حديثه عن الوداع وأقوال الشعراء فيه[72].

    3- ثم تحدث عن الركوب في الباخرة من السويس إلى جدة والنزول في جدة على ضيافة الشريف حسين وزيارة بعض كبار أهل جدة وتطرَّق إلى خطأ بعض الحجاج الذين يصلون جدة بدون إحرام ويُحرِمون من جدة، كما تطرَّق إلى بعض الشباب المتفرنجين الذين لا يُعِيرون للدين وتعاليمه أهمية[73].

    4- ثم تحدث عن مواصلة السفر من جدة إلى مكة المكرمة على الإبل واصفًا الطريق ومدى توافر الماء فيه، وعن القهوات في الطريق، وعدم أمن الطريق بين جدة ومكة، كما تحدث عن نزوله في بحرة، واستطرد في بحث لغوي في الحجر والفهر والصخر، وتحدث عن قهوة سالم وأسرى الترك الذين تَمَّ أسرهم في الطائف بعد ثورة الشريف حسين بن علي في مكة ذلك العام 1334هـ/1916م ضد الدولة العثمانية، كما تحدث عن صفة دخوله مكة المكرمة والطواف والسعي، واستطرد في مسألة فوائد الحج الروحية والجسدية والاجتماعية، ومنها تأثير الطواف وتأثير السعي وحكمته[74].

    5- ثم تحدث عن إقامته في مكة قبل الحج، وأسماء شخصيات قابلهم رشيد في مكة في تلك الفترة، وعن رخاء المعيشة في مكة المكرمة، ثم تحدث عن الإحرام بالحج والخروج إلى عرفة مساء يوم الثامن من ذي الحجة وتحدث عن صفة الطريق بين مكة وعرفات وما قيل فيه من أشعار[75].

    6- ثم تحدث عن عرفات وحدودها، وصفة جبل الرحمة بعرفات، وموقف الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعرفة في حجة الوداع عام 10هـ[76].

    7- ثم تحدث عن صفة الوقوف بعرفة، وعن وقوفه هو ومَن معه بعرفة وتأويل رؤيا صادقة حول ماء عين ربيعة، كما تحدث عن الحالة الروحية في الوقوف بعرفة وعند النفرة منها، والمبيت بمزدلفة وقصر صلاة المغرب والعشاء وجمعهما، كما تحدث عن الإفاضة إلى منى ورمي جمرة العقبة[77].

    8- ثم تحدث عن طواف الإفاضة ورمي بقية الجمار وذبح النسك، ثم استطرد في الحديث عن الحالة السياسية في الحجاز أواخر عام 1334هـ وعن خطبته السياسية في منى[78].

    9- ثم تحدث عن أيام منى ولياليها وأقوال الشعراء فيها، شمل نصوص الشرع في أيام منى، وكلمة تاريخية أدبية في أيام منى[79].

    10- ثم تحدث عن النفرة من منى إلى مكة المكرمة، وعن مقامه بمكة بعد الحج ودخوله الكعبة العظيمة، ثم تطرَّق إلى وداعه الأمير حسين بن علي وصفاته، وطواف الوداع وتوديع الإخوان، وعن الصدقة على فقراء الحرم، ثم تحدث عن القفول من مكة إلى جدة ثم ركوبه الباخرة عائدًا إلى مصر[80].

    وسنورد في ملاحق البحث أمثلة مناسبة لكتابة الشيخ رشيد حول هذه الرحلة في "مجلة المنار" تحت عنوان (رحلة الحجاز)[81].

    2- علاقة الشيخ رشيد بالشريف حسين:
    لعلَّ من المناسب هنا أن نتطرَّق إلى علاقة الشيخ رشيد بالشريف حسين بن علي كيف بدأت، وكيف تطورت ثم انتهت.

    فالشيخ رشيد يذكر لنا: أن أوَّل صلة له بالشريف حسين كان عام 1327هـ/ 1909م في أثناء إعلان الدستور العثماني، حينما التقى الشيخ رشيد بكاتب سر الشريف (مصطفى فهمي) الذي استشاره رشيد في وجوه إصلاح الحجاز فذكر له رشيد طائفة من تلك الإصلاحات أبلغها كاتب السر إلى حسين بن علي فأعجب بها[82]، وكان ذلك سببًا في بداية اهتمام الشيخ رشيد بالشريف حسين وأعماله حتى أن كتب في سنة 1328هـ/ 1910م مؤيدًا لجهود الشريف حسين في اتفاقه مع أمير نجد (عبدالعزيز آل سعود)[83].

    ويعتقد بعض الباحثين أن الشريف حسينًا قد استفاد وتأثَّر في هذه الفترة بآراء وأفكار رشيد رضا ومحمد عبده السياسية بشأن الاهتمام بشؤون العرب ونهضتهم والرد على مَن حاول الانتقاص من مكانتهم في الإسلام؛ لأن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - منهم والقرآن الكريم بلغتهم[84].

    ولما كشف الأتراك الاتحاديون هدفهم الأساس في تتريك الدولة العثمانية - كما مرَّ - أظهر العرب تمسُّكهم بحقوقهم في الدولة حتى إذا اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى عام 1914م وانضمَّت تركيا إلى ألمانيا ضد إنجلترا وفرنسا أعلن الشريف (حسين بن علي) ثورته ضد الأتراك في عام 1334هـ (أكتوبر 1916م) منحازًا إلى جانب الإنجليز، وقد أبدى رشيد إعجابه وتأييده لهذه الثورة ووصَفَها بأنها أعظم خدمة للإسلام والمسلمين؛ لأن الخطر كان قد أحاط بالدولة، وكان من الضروري أن يخاف الحسين وقوع القضاء بها فجأة فيكون حرم الله وحرم رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسياجهما من جزيرة العرب ممَّا يسقط بسقوطها.

    كما علق رشيد على المنشور الذي أصدره شريف مكة شارحًا فيه ثورته على تركيا ومعلنًا الاستقلال عنها فوصفه بأنه: "منشور كتب بمداد الحكمة، وأصالة الرأي وشرف الغاية، كما وصف الحسين بن علي بأنه (سيد العرب) ونشر منشوراته في "مجلة[85] المنار"".

    وفي هذا العام (1334هـ - 1916م) حج رشيد رضا والتقى بالشريف حسين (أو الملك حسين) معجبًا به مثنيًا على أخلاقه، ونزل في ضيافة الملك وقَبِل منه جائزة سنية وهدية هاشمية - كما يقرِّر ذلك رشيد نفسه - وكما سبق فقد أثيرت الأقوال حول هدف حج رشيد رضا هذا العام، حتى قيل: إنه ذهب لمبايعة شريف مكة بالخلافة، ولكن رشيد كذَّب هذه الأقوال وذكر أنه ذهب ليحج فقط ولنصح المسلمين، ويفي بنذره لوالدته بأن يحج بها[86].

    وأهمُّ حدَث قام به رشيد في حجِّه هذا هو إلقاؤه خطبة سياسية مهمَّة أمام الشريف حسين في احتفال أُقِيم في (منى) شرَح فيها رأيه في ضعف الدولة العثمانية وأسبابه، كما تطرَّق إلى مساوئ الاتحاديين، ومدح عمل الشريف حسين في ثورته الاستقلالية، وذكَر أن الأَوْلَى أن تُوجَّه هذه الثورة ضدَّ الاتحاديين فقط؛ لتكون ثورة نافعة غير ضارة، وحتى يبقى خيط يؤدي إلى تعاضد العرب مع الترك فيما لو بقيت الدولة العثمانية، وقد نقلت "جريدة القبلة الحجازية" خطبة رشيد بكاملها وأشارت إلى ثناء الشريف حسين على رشيد وموافقته له في الرأي.

    ويذكر رشيد أن بعض المقرَّبين من الشريف تمنَّى على رشيد لو أنه جعل خطبته في منى مقدِّمة لمبايعة الشريف حسين بالخلافة، لكن رشيد رد عليه بقوله: "إن هذا ليس من رأيي ولا من حقي"، وحوَّل الحديث السياسي إلى مفاكهة أدبية[87].

    والواقع أن رشيدًا كان غير مؤيِّد لمبايعة الشريف حسين بالخلافة في تلك الفترة، بل كان ينصح الحسين بن علي بترك مسألة الخلافة إلى ما بعد انتهاء الحرب العالمية وانتظار النتيجة.

    وكان رشيد متحمسًا لهذا الرأي حتى إنه حينما أشيع في ذلك الوقت أن الحجَّاج سيُدعَون لمبايعة الشريف بالخلافة ذهب رشيد إلى مخيَّم الشريف حسين في منى ونصحه بالعدول عن ذلك، وذكَّره بوعيد حديث: ((إذا بُويِع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما))؛ رواه مسلم في "صحيحه"، ويذكر رشيد بأن الشريف حسين اعتذر له بأن ذلك من سعي بعض أنجاله وأولاده[88].

    وبعد عودة رشيد من الحجاز بُويِع الشريف ملكًا على العرب في المحرم 1335هـ، وقد نشر رشيد رضا منشور هذه المبايعة في "مجلة المنار" وعلَّق عليه ذاكرًا أن سبب هذه المبايعة هو تحكُّم الاتحاديين بالدولة العثمانية بمساعدة الألمان، ثم بغضهم وكراهيتهم للعرب ودينهم الإسلامي، هذا إضافة إلى أن أقاليم الدولة إمَّا أن تقع تحت سيطرة الألمان، أو تحت سيطرة أعداء الترك؛ لأنهم سيعدُّون العرب من أعدائهم التابعين للترك - فيما لو انهزمت الدولة العثمانية - فلذلك وجب إعلان الاستقلال[89].

    ورغم نشر رشيد منشور مبايعة الحسين ملكًا للعرب إلا أن الباحث يحسُّ من تعليق رشيد أنه غير موافق تمامًا لهذا العمل وإن صرَّح بوجوب الاستقلال، لكن لم يصرح بوجوب مبايعته ملكًا للعرب جميعًا.

    وعلى أيَّة حال، فإن العلاقة بين رشيد رضا والشريف حسين بدأت بالفتور بعد ذلك شيئًا فشيئًا، وانتهى ذلك بإصدار الشريف حسين أمرًا بمنْع دخول "مجلة المنار" إلى الأراضي الحجازية، وقد نشر رشيد رضا قرار المنْع هذا في "مجلة المنار" في مجلدها الثاني والعشرين الصادر في سنة (1340هـ- 1921م)[90].

    وقد ورد في القرار أن سبب المنع ما ورد في "مجلة المنار" من التعريض بحكومة الشريف في عددها التاسع من المجلد التاسع عشر الصادر في 30 ربيع الآخر سنة 1335هـ، ولم يذكر القرار نوع هذا التعريض وكيفيته، ولكن على أيَّة حال فقد جاء هذا التعريض بعد أشهر من عودة رشيد حاجًّا، وبالتحديد بعد أربعة أشهر فقط، كما يوضح ذلك التاريخ الموجود في قرار المنع.

    وفي موضعٍ آخر يفسِّر لنا رشيد هذا التعريض الذي كان سببًا لِمَنْعِ "المنار" من دخول الحجاز فيقول: "بعد العودة إلى مصر أنكرت في رحلة الحجاز على الشبَّان الذين ذهبوا إلى الحجاز امتهان الدين، وفضلت عليهم مَن كنَّا ننكر عليهم من الاتحاديين، فبادرت الحكومة الحجازية إلى عقابنا على هذا بمنْع "المنار" من دخول الحجاز، ثم استرسلت في أعمالها السياسية والحربية بما كنَّا ننكره عليها ولا نستطيع مقاومتها بقول صريح"[91].

    والذي يظهر لنا أن هؤلاء الشبَّان الذين أنكر عليهم رشيد امتهان الدين كانوا مقرَّبين من حكومة الحجاز بدرجةٍ جعلت التعريض بهم تعريضًا بحكومة الحجاز نفسها[92].

    وعلى كلٍّ فقد أخذت العلاقة تسوء بين رشيد رضا وحكومة الحجاز، وأخذ رشيد يكتب في طبيعة علاقته بحكومة الحجاز، وأنها علاقة قائمة على السعي لمصلحة العروبة والإسلام، ويذكر رشيد أنه رغم إكرام الشريف حسين وأولاده له إلا أنه كان كثير النصح لهم.

    وقد عاهَد الشريف حسينًا على العمل معه فيما يعتقد أنه الحق فقط[93]، كما أخذ رشيد رضا يردُّ على التُّهَم التي وجهتها إليه "جريدة القبلة" بشأن المسألة العربية والشريف حسين، ومنها: أن رشيد رضا هو الذي أشار على ملك الحجاز بعداوة الاتحاديين فأفضت العداوة إلى قتال الترك؛ لأن أمر الدولة كان بيدهم.

    وقد ردَّ رشيد رضا على هذه التهمة بالنفي وذكر أنه حينما ذهب إلى مكة للحج كان الشريف قد قام بثورته وأخرج الأتراك من الحجاز بمعاونة بريطانيا التي أيَّدته بأساطيلها وببعض الجنود المصريين، وأنه في تلك الأثناء نصحنا الشريف حسينًا وحذَّرناه من أن يكون سببًا لسقوط الدولة العثمانية، بل يجب أن يحصر عداوته للاتحاديين وخطَّتهم (الطورانية) حتى يبقى للصلح بينه وبين الدولة موضع، كما صرَّح عن ذلك في خطبته السياسية في (منى) أمام ملك الحجاز نفسه[94].

    وينبغي أن نلاحظ أنه كانت بين رشيد رضا والملك فيصل بن الحسين بن علي علاقة وثيقة؛ وذلك حينما أعلن الملك فيصل استقلال سوريا ونُصِّب هو ملكًا عليها بعد طردِه الأتراكَ من دمشق، كما انتُخِب رشيد رضا رئيسًا للمؤتمر السوري العام في سوريا، وهو بمثابة مجلس الأمة أو الشعب في عصرنا الحاضر وفي تلك الأثناء قامت مناوشات حربية بين الملك حسين و(عبدالعزيز آل سعود) سلطان نجد وملحقاتها، ولم يكن رشيد حينذاك واضحًا في تعاطفه مع ابن سعود فقد أخذ ينشر في "مجلة المنار" منشورات الشريف حسين ضد ابن سعود ومنشورات ابن سعود ضد الشريف حسين.

    وقد علَّق رشيد على المنشورين بالدعوة إلى الاتفاق والصلح بين الفريقين[95]، ولكن رشيدًا لم يلبث أنْ أظهر ميلَه مع عبدالعزيز آل سعود بعد أن ساءتْ علاقته بملك الحجاز وأصبحت جريدته "القبلة" تهاجم رشيدًا بشدَّة، وبالمقابل فقد كان رشيد يردُّ على "القبلة" ويفضح سياسة ملك الحجاز على صفحات "المنار".

    كما ساءت علاقة رشيد بالملك فيصل بن الحسين بعد قبوله إنذار الفرنسيين بالخروج من دمشق وإخلائها لهم[96].

    وأخَذ رشيد رضا يبيِّن مساوئ وأخطاء ثورة الحسين وأسرارها، فيذكر أن الشريف حسينًا كان متَّفقًا مع بريطانيا قبل ثورته على أن يحكم بلاد الجزيرة العربية وسوريا والعراق تحت قوَّة بريطانيا.

    ويذكر أن ذلك الاتِّفاق كان سريًّا لم يطَّلع عليه أحد، وقد أطلع أحدُ الإنجليز في مصر رشيدًا على هذا الاتفاق قبل الثورة، ويذكر رشيد أنه أنكره وقال: لا يرضى بذلك إلا عدو للعرب أو حمار لا يفهم معناه"[97].

    ولكن إذا كان رشيد قد اطَّلع على هذا الاتفاق قبل الثورة - كما يقول - فلماذا لم يصرِّح بإنكاره على الشريف حسين في ذلك الوقت وينصح له؟ لعلَّ رشيدًا فعَل ذلك ولكن الشريف حسينًا كذَّب الاتِّفاق وأنكره.

    ولم تلبث الأحداث السياسية أن أظهرت خذلان بريطانيا لملك الحجاز، ففاحَتْ معاهدة (سايكس بيكو) العفنة، وأخذ الحلفاء في تطبيقها بعد انتصارهم على تركيا وألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وبذلك ظهرت مساوئ سياسة الشريف حسين واضحة، فاتَّجه رشيد بكل ثقله نحو السلطان (عبدالعزيز آل سعود) وأخذ ينشر منشوراته ويؤيِّدها ضد الشريف حسين في الحجاز، كما كتب مقالات عديدة في مساوئ الشريف حسين بن علي، في الحجاز، ممَّا جعل إقامة الخلافة في الحجاز ممتنعة ومستحيلة؛ لأن حكومة الحجاز مستبدَّة وجاهلة ومعتمدة في تأييد ملكها على دولة غير إسلامية، كما أن تلك الحكومة فاقدة لشروط الخلاقة[98].

    ثم أخَذ يكتب في النزاع القائم بين ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها (عبدالعزيز آل سعود)، فذكر أن رجال الجامعة الإسلامية أعداء بريطانيا يفضِّلون سيادة ابن سعود في الحجاز على سيادة الشريف حسين وأولاده، بل إن رشيدًا كتب في ملك الحجاز فتوى طويلة تطرَّق فيها لموقفه الحاضر ومحالفته لبريطانيا وفرضه ضرائب باهظة على الحجاج، ومنعه بعضهم من الحج (كحجاج نجد) وانتهى في فتواه إلى أن الشريف حسينًا قد جنى على الحرمين الشريفين، وعلى الحرم الثالث (المسجد الأقصى) بجعْلها تحت سلطة غير إسلامية، وأن بقاءه ملكًا للحجاز في مكة خطر على الحرمين الشريفين وسائر جزيرة العرب في أن يزول ملك الإسلام منه، ثم ذكر أن الواجب على المسلمين إنقاذ الحرمين الشريفين[99] منه.

    وكان المرشَّح الوحيد لهذا العمل هو السلطان (عبدالعزيز آل سعود) الذي سار بجيشه لاحتلال الحجاز فاستولى على الطائف، ثم دخل مكة في ربيع الأول 1343هـ (1924م)، وكان الشريف حسين قد تنازل عن الحكم لابنه (علي بن الحسين) الذي انسحب إلى جدة بعد أن علم باتجاه الجيش السعودي نحو مكة، أمَّا الشريف حسين فقد رحل إلى (العقبة) ثم (قبرص) في ذي القعدة عام 1343هـ، ثم تمكَّن (عبدالعزيز آل سعود) من الاستيلاء على (المدينة المنورة) ثم (جدة) في جمادى الآخرة عام 1344هـ (1925م) بعد حصار لها دام قرابة السنة، وبذلك دخل الحجاز تحت الحكم السعودي[100].

    أمَّا رشيد رضا فقد كان في تلك الأثناء يكتب العديد من المقالات في "المنار" و"الأهرام" وغيرهما في تأييد ابن سعود، وبيان مساوئ الشريف حسين في الحجاز مما سبب زحف النجديين [101]عليه.

    كما تطرَّق فيها إلى بيان حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب التي يتمسَّك بها أهل نجد؛ لأنها قائمة على العودة إلى الإسلام في أصوله الأولى ومحاربة الأمور الدخيلة والبدعية في الدين، كما قام رشيد بالرد على تشويهات حكومة الحجاز لعقيدة أهل نجد ودعوتهم السلفية، وبذلك دافَع رشيد في هذه المقالات عن أهل نجد دينيًّا وسياسيًّا، وقد جمعها في كتاب أسماه "الوهَّابيون والحجاز".

    وبالرغم من الهجوم الشديد الذي شنَّه رشيد رضا على الشريف حسين وأولاده، فإننا نجد له بعض المواقف المعتدلة معهم بعد ذلك، فيذكر لنا رشيد رضا أنه حينما رحل الشريف حسين إلى العقبة، أراد الإنجليز ترحيله منها أوَّل الأمر فأراد رشيد حينئذٍ أن يكتب مقالة في تأييد الشريف حسين والاحتجاج على الإنجليز[102]، ولكن لم يلبث حسين أن استجاب للإنجليز ورحل إلى قبرص كما سبق.

    وحينما توفي الحسين بن علي في عام 1350هـ (1931م) نشر رشيد خبر وفاته في "مجلة المنار" مع ترجمة قصيرة عنه وعلاقته به، وصفاته الطيبة التي لاحَظَها فيه مع الصفات الأخرى[103].

    ومهما يكن من أمرٍ فإن علاقة رشيد بالشريف حسين بمراحلها المختلفة تكشف لنا ما سبق أن قرَّرناه عن رشيد ونظرته السياسية النابعة من شخصيته المسلمة التي لا تتردَّد في تغيير مسارها السياسي إذا ما رأت في ذلك المسار جنوحًا عن الحق والعدل.

    خامسًا: رحلته الثانية إلى الحجاز، وعلاقته بالملك عبدالعزيز آل سعود:
    1- رحلته الثانية إلى الحجاز عام 1344هـ/1925م:
    كانت هذه الرحلة أواخر عام 1344هـ - كما سبق - بعد دخول الملك عبدالعزيز آل سعود الحجاز وقضائه على حكم الأشراف فيه ودعوته إلى مؤتمر إسلامي عُقِد فعلاً في موسم حج ذلك العام، وشارك مندوبون من الأقطار الإسلامية بلغت 33 قطرًا إسلاميًّا ومجموعة إسلامية[104]، وحضر الشيخ رشيد ذلك المؤتمر وأظهر فيه نشاطًا كبيرًا نصرة للملك عبدالعزيز آل سعود والدعوة السلفية، وانتهى المؤتمر في 24 ذي الحجة من ذلك العام، وبعده عاد الشيخ رشيد إلى مصر.

    ويلاحظ أن حديث الشيخ رشيد عن رحلته تلك كان قليلاً بل نادرًا[105]، إذا نسبنا ذلك إلى حديثه عن رحلته الأولى للحجاز، ويبدو أن رشيدًا اكتفى بحديثه الأول عن الحجاز قبل عشر سنوات فقط، ولم يرَ داعيًا في الحديث عن تلك البلاد مرَّة أخرى، وإن كان المؤتمر الإسلامي الذي عُقِد في مكة المكرمة ذلك العام قد نال من اهتمام وحديث الشيخ رشيد رضا[106]، وقد جاء عقد المؤتمر بعد قبول الملك عبدالعزيز مبايعة أهل الحجاز له ملكًا عليهم.

    ولعلَّ من المناسب هنا أن نتحدَّث عن ذلك المؤتمر الإسلامي الأول الذي دعا له الملك عبدالعزيز في مكة وشارَك فيه الشيخ رشيد رضا، ثم نعقبه بالحديث عن علاقة الشيخ رشيد بالملك عبدالعزيز[107].

    ويمكن القول: إن قبول السلطان عبدالعزيز البيعة ملكًا للحجاز قد أفاد فائدتين مهمتين:
    أولاهما: جنَّب الحجاز الوقوع تحت حكم قوى أجنبية.

    ثانيتهما: جَنَّب الحجاز الدسائس والفتن التي قد تبرز من أصحاب الأهواء والمصالح الذاتية سواء كانت محلية أو دولية[108].

    عقد المؤتمر الإسلامي الأول في مكة المكرمة:
    سبق أن دعا الملك عبدالعزيز بن سعود زعماء العالم الإسلامي إلى مؤتمر إسلامي في مكة للنظر في مستقبل الحجاز وإصلاحه، وكل ما يفيد المسلمين وذلك قبيل سقوط جدة - كما سبق - وعلى الرغم من أن الحجاز قد تقرر مصيره نهائيًّا ببيعة عبدالعزيز آل سعود ملكًا عليه - فإن الملك عبدالعزيز رأى ضرورة عدم التراجع عن عقده؛ وذلك لكي يتجنَّب ردود الفعل من جانب الدول الإسلامية، كما أن بعض الدول والهيئات الإسلامية بدأت تتحرك وتعلن رغبتها في عقد المؤتمر في موعده المقرر قبيل موسم حج عام 1344هـ[109].

    وحدد يوم افتتاحه في 20 ذي القعدة من العام المذكور، ومن أجل ذلك جدَّد الملك عبدالعزيز دعوته إلى عقد المؤتمر في خطاب بعَثَه إلى الشعوب والحكومات الإسلامية في 12 رمضان عام 1344هـ، وقال في خطابه المذكور: "خدمة للحرمين الشريفين وأهلها وتأمينًا لمستقبلها، وتوفيرًا لوسائل الراحة للحجاج والزوَّار، وإصلاحًا لحال البلاد المقدَّسة من سائر الوجوه التي تهمُّ المسلمين جميعًا، ووفاء بوعودنا وعهودنا التي قطَعناها على أنفسنا، وميلاً في تكاتف المسلمين وتعاضدهم في خدمة هذه الديار الطاهرة - ندعو إلى عقد المؤتمر في 20 ذي القعدة 1344هـ"[110].

    ويبدو من ذلك الخطاب أنه لم يشر إلى بحث مستقبل الحجاز ألبتة، فهو قد تَمَّ حله فعلاً. وقد أُرسِلت الدعوة للمؤتمر إلى هيئات ودول إسلامية تمثِّل 18 مقاطعة إسلامية فقط منهم: ملك مصر وأفغانستان وإيران والعراق وإمام اليمن ورئيس تركيا ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، وكثير من الشخصيات والجمعيات الإسلامية، وقد استجابت أكثر هذه الدول والجمعيات باستثناء حكومتي العراق والأردن، وكذلك إيران؛ لعدائها المذهبي الشيعي[111].

    وعُقِد المؤتمر في موعده وافتتحه الملك عبدالعزيز، وألقى كلمة الافتتاح الشيخ حافظ وهبة، وقد تحدثت الكلمة عن أهمية هذا المؤتمر الإسلامي الأول، وأهمية توحيد كلمة المسلمين وتعاضدهم، وتطرَّق إلى أسباب قيام الملك عبدالعزيز بإنقاذ الحجاز من الأشراف، وأباحت الكلمة للمؤتمر بحث جميع الموضوعات التي تفيد المسلمين باستثناء السياسة الدولية، وما بين الشعوب الإسلامية من خلافات، مع عدم إثارة مصير الحجاز بعدما تقرر وبت فيه[112].

    وعقد المؤتمر عدَّة جلسات وأصدر عدَّة قرارات تنطوي على تمنيات ومنها:
    1- تشكيل لجنة لحصْرِ أوقاف الحرمين الشريفين في العالم الإسلامي على أن تقدم اللجنة تقريرها في المؤتمر المقبل.

    2- ضرورة استرداد إدارة خط سكة حديد الحجاز التي تُعَدُّ وقفًا إسلاميًّا وفقَ قرارات مؤتمر لوزان في يناير عام 1923م القاضي بتشكيل مجلس إسلامي يقوم بإدارة هذا الخط ويكون مركزه المدينة المنورة[113].

    3- التوصية بمدِّ سكة حديد بين مكة المكرمة والمدينة المنورة لراحة الحجاج، ويكون ذلك عن طريق تبرعات تدفع لحكومة الحجاز من العالم الإسلامي[114].

    4- جمع تبرعات من العالم الإسلامي لصيانة الأماكن المقدسة[115].

    5- تشكيل لجنة طبية لدراسة الحالة الصحية في الحجاز وتقديمها لحكومتها لإيجاد الحلول لها.

    6- عدم إعطاء امتيازات اقتصادية في الحجاز لغير المسلمين ضمانًا لحريته واستقلاله[116].

    7- احتجَّ بعض أعضاء المؤتمر على إقدام بريطانيا على أخذ العقبة ومعان وهي من أراضي الحجاز وجعلها تحت سلطة شرق الأردن الواقعة تحت سلطة أجنبية، وطالبوا ملك الحجاز بالعمل لاستعادة هذه المنطقة وقد أيَّدت وفود مصر وأفغانستان وتركيا معارضتها لهذه الفقرة؛ لأنها لا تدخل في اختصاصات المؤتمر[117].

    وبعد عدَّة جلسات مطوَّلة أجَّل المؤتمر جلساته إلى موسم الحج المقبل لعام 1345هـ وعُقِد ذلك المؤتمر في موعده وحضر بعض المندوبين وانتدبت الحكومة السعودية (كامل قصاب) مدير المعارف ليمثِّلها في المؤتمر، ويبدو أنه في تلك الدورة الثانية للمؤتمر اشتدَّت الخلافات بين أعضائه أكثر من الدورة الأولى؛ ولأجل ذلك كتب الملك عبدالعزيز خطابًا إلى المؤتمر حدَّد فيه البرنامج الذي يجب أن يسير عليه المؤتمر في ثلاث نقاط:
    1- عدم التدخل في الشؤون الداخلية في الحجاز.

    2- عدم الخوض في الشؤون السياسية على الإطلاق.

    3- النظر فقط فيما يفيد الحجاز ويحفظ حقوقه ويضمن راحة جميع الحجاج والوافدين.

    واستمرَّ المؤتمر في هذه الدورة حتى أوائل المحرم 1346هـ وعقد عدَّة جلسات قصيرة محدودة ولم يصدر قرارات، وانفضَّ الاجتماع ولم يَعُدْ مرَّة أخرى[118]، ممَّا حدَا بعدد من الباحثين إلى القول: إن المؤتمر الإسلامي الأول قد فشل في تحقيق أهدافه كما فشل من قبله المؤتمر الإسلامي للخلافة الذي عُقِد في القاهرة في وقت قريب من انعقاد المؤتمر الإسلامي الأول بمكة في دورته الأولى أي في شوال عام 1344هـ[119].

    وإذا كان المؤتمر الإسلامي الأوَّل في مكة لم يحقق أكثر الأهداف التي من أجلها عُقِد، وأكثر قراراته وتوصياته لم ينفذ منها شيء، إلاَّ ما نفذته الحكومة السعودية بعد ذلك حول تقدُّم الحجاز ورعايته وتطوُّره - فإنه يكفي من المؤتمر أنه أول محاولة إسلامية لجمع كلمة المسلمين وتوحيدهم، كما أنه فرصة لمعرفة العالم الإسلامي لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب السلفية على حقيقتها وتكذيب ما شوَّهها به أعداؤها[120]، وما آلَ إليه أمر الحجاز بعد دخوله في طاعة أصحاب الدعوة من أمن وأمان وعقيدة صافية.

    2- علاقة الشيخ رشيد رضا بالملك عبدالعزيز آل سعود:
    كان الشيخ رشيد رضا يؤمن بزعامة الملك عبدالعزيز الإسلامية في المحيط السياسي للعالمين العربي والإسلامي، ويؤيِّد هذه الزعامة ويناصرها، خاصة بعد أن أتَمَّ الملك عبدالعزيز توحيد بلاده السعودية، وبالمقابل فالملك عبدالعزيز يقدِّر رشيد رضا كعالم إسلامي مُصلِح، ويستنير بآرائه ويصغي لنصائحه وتوجيهاته.

    وغنيٌّ عن البيان أن هذه العلاقة القوية بين الشخصيتين قامت على أساس اعتناقهما العقيدة السلفية، فالملك عبدالعزيز يُعَدُّ زعيم أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب السلفية في عهده ورشيد رضا أعجب بهذه الدعوة وناصَرَها وتأثَّر بها - كما مرَّ - حتى إن أعداءها يلقِّبونه بـ(الوهَّابي)[121] - أمَّا أصدقاؤه وتلاميذه ومحبُّوه فقد جعلوه (زعيم السلفيين) في عهده[122]، والدافع القوي للسلفية في العصر الحاضر[123]، كما لقبوه بـ(محيى السنة)[124].

    وليس معنى ذلك أن رشيد رضا أيَّد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب بسبب علاقته الحسنة بالملك عبدالعزيز، بل العكس هو الصحيح؛ يدلُّ على ذلك أن رشيد رضا كان يدافع عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب قبل أن تقوم أيَّة علاقة بينه وبين الملك عبدالعزيز، كما حصل ذلك عام 1320هـ (1902م) حينما هاجَم رشيد الاحتفالات التي أُقِيمت بمرور مائة عام على حكم أسرة محمد علي مصر، وبين رشيد في هجومه مساوئ حكم محمد علي وذكر أن من أبرزها قضاءه على الوهَّابيين في بلاد نجد والقضاء على ما نهضوا به من الإصلاح الديني والسياسي في جزيرة العرب[125].

    ومعروفٌ أن الملك عبدالعزيز في ذلك الوقت لم يكن قد استولى إلا على (الرياض) والمناطق الجنوبية القريبة منها، ولم يكن قد ذاعَ صيته السياسي بعد.

    لذلك كان رشيد رضا ميَّالاً إلى ابن سعود منذ بداية صراعه مع (ابن رشيد) الذي يعتقد رشيد أن هدفه توسيع سلطته في البلاد التابعة لابن سعود مدفوعًا من الأتراك العثمانيين، وقد نصحه رشيد في أن يسعى للاتِّفاق بينه وبين ابن سعود لحفظ جزيرة العرب من الخراب والدمار[126].

    وكان رشيد كثيرًا ما يُورِد أخبارًا عن الحروب التي تقوم بين ابن سعود وابن رشيد على صفحات "المنار"، مع ميل ظاهر لانتصارات عبدالعزيز بن سعود، فنجده مثلاً يُحيِّي انتصاره على (ابن رشيد) سنة 1332هـ (1904م)، ويذكر أن انتصارات ابن سعود في نجد تجديدٌ للحركة الوهَّابية الحقيقية، وفي موضعٍ آخر يتطرَّق إلى الحديث عن حكم ابن سعود وابن رشيد وسيرتهما، وينتهي بالقول إلى أن ابن سعود أعلم وأرحم وابن رشيد أجهل وأظلم[127].

    ووقف رشيد أيضًا مُناصِرًا لابن سعود في صراعه مع الشريف حسين - كما مرَّ - وإذا كان رشيد لم يُظهِر تعاطفه مع ابن سعود في بداية ذلك الصراع؛ نظرًا لعلاقته الطيبة مع الشريف حسين، فإنه لم يلبث أن ألقى بثقله نحو عبدالعزيز آل سعود بعد أن ظهرت لرشيد مساوئُ الشريف حسين، فهو يقف مؤيدًا ومناصرًا لاستيلاء السعوديين على الحجاز ويفصِّل الحديث في ذلك ذاكرًا الأسباب الخاصة التي دفعت بابن سعود إلى الاستيلاء على الحجاز، وكان في مصر دعاة مأجورون للملك حسين بن علي يطعنون في الوهَّابية ودولتهم السعودية، فتفرَّغ رشيد للرد عليهم في عدَّة مقالات صار لها صدى كبير[128].

    ولم يكتفِ رشيد بذلك، بل أخذ ينشر على صفحات "مجلة المنار" كثيرًا من القرارات السياسية للدولة السعودية ويعلِّق عليها مؤيدًا لها؛ مثل البلاغ الذي أعلنه الملك عبدالعزيز عند دخوله الحجاز، ومثل وثيقة دعوة الملك عبدالعزيز لمؤتمر إسلامي في مكة لتقرير مستقبل الحجاز، وغير ذلك[129].

    أمَّا خلاف عبدالعزيز ابن سعود مع الإمام يحيى إمام اليمن، فقد وقف فيه رشيد رضا موقف الداعي إلى الصلح والاتفاق بين الإمامين، وتسوية خلافاتهما بروح طيبة، بل أرسل وفدًا للصلح[130]، ولعلَّ هذا الموقف المحايد من رشيد كان بسبب إعجاب رشيد بالإمام يحيى؛ لحرصه على حماية بلاده من أيَّة سيطرة أجنبية، ولهذا قويت علاقة رشيد بالإمام يحيى واتَّصلت المراسلات بينهما في أمور سياسية وشرعية، وبلغ من إعجاب رشيد بالإمام يحيى أنه كان من ضمن مَن رشحه رشيد للخلافة[131] بعد إلغاء الأتراك الكماليين لها، ومع ذلك لا يصل هذا الإعجاب إلى درجة إعجاب رشيد بالملك عبدالعزيز آل سعود.

    والحقيقة أن رشيد رضا لم يتَّجه بكلِّ قوَاه لتأييد جهود الملك عبدالعزيز وأعماله إلا بعد أن فقد الأمل في تركيا بعد إلغاء مصطفى كمال أتاتورك لمنصب الخلافة فيها وتحويلها إلى دولة علمانية، ولهذا يقول هنري لاوست: "وكان انهيار تركيا كقوَّة إسلامية وقيام الحكم العلماني الكمالي ما جعل (رشيد رضا) يُلقِي بثِقَلِه نحو الحنبلية الجديدة المحافظة المناضلة المجددة في الدولة الوهَّابية التي كانت قد أفلتت حتى ذلك الحين من التغلغل الأوربي[132].

    وكما أيَّد رشيد الملك عبدالعزيز في سياسته الخارجية، فقد أيَّده في إصلاحاته الداخلية لبلاده، وذكر أنه عمل في الجزيرة العربية أعمالاً لم يسبق لها نظير إلا في صدر الإسلام، وذلك بتحويله الأعراب إلى التوحيد والعلم والحضارة، وتوجيههم الوجهة الإسلامية الصحيحة، ووقف رشيد مؤيدًا للملك عبدالعزيز في حربه ضد "الإخوان" وقضائه على فتنتهم، ونشر تفاصيل ذلك في "مجلة المنار"[133].

    هذا، ونتيجةً للعلاقة الطيبة التي ربطت رشيدًا بالملك عبدالعزيز، ونتيجةً لاستمرار هذه العلاقة حينًا طويلاً من الزمن، فقد كانت هنالك مراسلات كثيرة بين رشيد والملك عبدالعزيز، وهي تدور حول موضوعات متنوعة: فمنها ما يتَّصل بنواحٍ سياسية، ومنها ما يتَّصل بنواحٍ شرعية، ومنها ما يتَّصل بنواحٍ علمية، وبعضها يتَّصل بنواحٍ مالية، وقد ذكر الدكتور أحمد الشرباصي أنه عثر على أغلب رسائل الملك عبدالعزيز إلى رشيد، كما عثر على طائفة من رسائل رشيد إلى الملك[134].

    والشيء المهم في هذه الرسائل التي يرسلها رشيد إلى الملك عبدالعزيز أنها تحمل ألوانًا من النصائح التي يوجِّهها رشيد إلى الملك عبدالعزيز فيتقبَّلها الملك بصدر رحب بالرغم ممَّا تحمله بعض تلك النصائح من الشدة في الأسلوب، وفي ذلك يقول عبدالرحمن بن عاصم - ابن عم رشيد -: "وإن أنسى لا أنسى أني وجدت شدَّة في خطابٍ منه إلى جلالة الملك عبدالعزيز وراجعتُه فيها، فغضب وقال: أتريد أن تعلمني المداجاة والجبن؟ اقفل المكتوب وأرسله إلى البريد، واعلم أن مزيتي عند الملك إخلاصي وصراحتي في النصيحة، ومزيته عندي أن يقبل النصيحة".

    ثم ذكر أن من هذه الرسائل قوله في كتاب أرسله إلى الملك عبدالعزيز: "ولا أزال كذلك أجاهد معكم ما دمتم تجاهدون في سبيل الله وإعلاء دينه"، وفي كتابٍ آخر يقول رشيد: "وقد عاهدناكم على أن نؤيِّدكم ونخدمكم في إقامة السنة وهدم البدع، وإحياء الإسلام على منهاج السلف في أمور الدين ومستحدثات الفنون العصرية في أمور الحرب"[135].

    وقد ذكر رشيد أنه يسلك في نصيحته للملك عبدالعزيز طريقة السلف الصالح في موعظة الخلفاء والأمراء، وأن الملك عبدالعزيز يحب هذه الطريقة[136]، ولم تكن نصائح رشيد كلها كتابية، بل إن بعضها مشافهة، ولنستمع إلى رشيد رضا وهو يحدثنا عن أوَّل مجلس جلسه مع الملك عبدالعزيز بعيد استيلائه على الحجاز حيث يقول: "قلت لابن سعود في أوَّل مجلس جلسته إليه عقب وصولي إلى مكة المكرمة: لقد أُوذِيتم من قبلُ ومن بعدُ فصبرتم، فنصركم الله كما وعد الصابرين، فحق لقومك أن يمتثلوا ويعتبروا بما حكاه الله - تعالى - عن بني إسرائيل مع موسى - عليه السلام - بقوله: ﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَك ُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129].

    فعليكم أن تحسنوا عملكم بشكر هذه النعمة، فإن الله - تعالى - ينظر كيف تعملون، فيجزيكم به، فأجابني قائلاً: "إننا والله لا نخاف إلا من القرآن - فتأملوا هذه الجواب يا أولي الألباب"[137].

    ولقد كانت كثيرٌ من الرسائل بين رشيد والملك عبدالعزيز تبحث في نواحٍ سياسية يعيشها العالم العربي والإسلامي حينذاك، إلا أن هذا النوع من الرسائل كان يخضع لرقابة شديدة من قِبَل دوائر الاستعمار البريطاني التي كانت قد وضعت رقابة على البريد الصادر من وإلى الخليج والجزيرة العربية عن طريق بومباي، وفي بعض الأحيان كان يُتَرجَم الخطاب من قِبَل الجهات المختصة في الهند ثم يبعث به إلى لندن.

    ومن ضمن تلك الخطابات التي حصل لها ذلك، خطاب موجَّه من الأمير عبدالعزيز آل سعود إلى رشيد رضا بالقاهرة، وقد ترجم الخطاب إلى الإنجليزية في 28 يناير سنة 1916م، ويتضمَّن الخطاب التحذير من مزالق السياسة والمؤامرات الأجنبية وحماية بلاد الجزيرة العربية منها.

    ويُشِير الخطاب إلى أن رشيد رضا قد عمل بصدد ذلك إجراءات وترتيبات لم يفصح الخطاب عن مضمونها وشكلها، إلا أن الأمير عبدالعزيز آل سعود قابَل هذه الإجراءات بحذر لخشيته من أن تتعارَض مع تقاليد بلاده وأحوال منطقته المتمسِّكة بحبل الدين المتين، كما أشار الخطاب إلى علاقة الأمير عبدالعزيز آل سعود بشريف مكة في ذلك الوقت، وأنها هادئة بالرغم من وجود خلافات طفيفة لم يذكرها الخطاب، كما أشار إلى علاقته بالحكومة التركية وقال: "وفيما يختصُّ بمعاهدتنا مع الحكومة التركية لا نظن أننا من الضعف لدرجة الحفاظ عليها، فنحن نتبع رابطة الدم".

    وعلى كلٍّ فهذا الخطاب يدلُّ على عمق العلاقة التي ربطت رشيد رضا بالملك عبدالعزيز منذ ذلك الوقت المبكِّر، كما يدلُّ على تقدير الملك عبدالعزيز لجهود رشيد رضا وأعماله في سبيل رفعة شأن أمَّته العربية والإسلامية، فقد افتتح الأمير عبدالعزيز خطابه إلى رشيد بقوله: "في الحقيقة يا صاحب الشرف الرفيع أنك تبذل نصحك بأمانة وإخلاص، نظرًا لغيرتك على الإسلام والعروبة"، كما ختم خطابه برجاء إلى رشيد رضا في أن يواصل كتابته إليه[138].

    وممَّا عمَّق علاقة رشيد بالملك عبدالعزيز، تقبُّل الملك لنصائح وتوجيهات رشيد حتى في الأمور السياسية والقضايا المصيرية لجزيرة العرب كلها، فرشيد رضا يتناول الشريف حسينًا وأولاده على أنهم ربطوا الحجاز بمواثيق ولاء وتبعية لبريطانيا، ويدعو ابن سعود إلى إنقاذ الحجاز منهم ونزع القيود عن الأراضي الحجازية المقدسة، وفك المواثيق المربوطة والمعاهدات الاستعمارية، وقد كتب رشيد إلى ابن سعود ذلك في أكثر رسائله، وأصغى إليها ابن سعود؛ فحطَّم كثيرًا من هذه المعاهدات، واحتلَّ مكانًا رحبًا من تقدير رشيد رضا وإعجابه[139].

    وكان للأمور الشرعية الإسلامية والأمور المالية نصيب من موضوعات الرسائل بين رشيد رضا والملك عبدالعزيز، أمَّا الأمور الشرعية فتبحث في نواحٍ عقدية وأحكام فقهية دارت بين رشيد وعلماء نجد بواسطة الملك عبدالعزيز[140]، وأمَّا الأمور المالية فهي تبحث في تسديد قيمة طبع الكتب السلفية التي تقوم بطباعتها مطبعة المنار على حساب الحكومة السعودية[141]، وكثيرٌ من تلك الكتب تبحث في مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب السلفية كما مرَّ.

    وممَّا ينبغي ذكره هنا أن علاقة رشيد بالملك عبدالعزيز تعرَّضت لهجوم عنيف من قِبَل أعداء رشيد في مختلف الأمصار الإسلامية، فهاجمتْه أقلامهم المختلفة، واتهموه بأنه (وهَّابي يحصل من وراء نصرته لابن سعود أموالاً طائلة).

    وقد ردَّ رشيد في فاتحة المجلد الثامن والعشرين من "المنار" على هذه التهم وذكر أن نصرته لابن سعود لم تكن لناحية دنيوية، وإنما هي نصرة للسنة ومذهب السلف، ودلَّل على ذلك بدفاعه عن الوهَّابية ضد محمد علي سنة 1320هـ، كما سبق - وهو لا يعرف أن للوهابية أميرًا يحسن أن يرسل إليه بما كتب عنهم، ثم يذكر أنه صار للوهَّابية حزب كبير في مصر بإرشاد المنار، ولا تشوبه أدنى شائبة دنيوية، ثم ذكر أنه بعد ذلك التاريخ (1320هـ)، ببضع سنوات بدأت المكاتبة بينه وبين الأمير عبدالعزيز آل سعود؛ وذلك لدعوته للاتفاق مع أمراء جزيرة العرب لحماية جزيرتهم من الاحتلال الأجنبي، ويذكر أن ابن سعود رغب من رشيد في إرسال رسول منه ليشرح لعلمائه صفة ذلك الاتفاق، وفعلاً أرسل رشيد الرسول لولا أن قيام الحرب العالمية الأولى حالَ دون وصوله إلى نجد، كما تطرَّق رشيد إلى دعوته لأمراء الجزيرة لإنقاذ الحجاز من مساوئ الشريف حسين وأنه لم يستجب له سوى ابن سعود، وقيام رشيد بتأييده بمقالاته المشهورة.

    ثم يقول رشيد: "كيف لا أنصر ابن سعود وأناضل خصومه من المبتدعين والخرافيين وقد فعل كلَّ هذا، ويرجى أن يفعل ما هو أتمُّ منه وأكمل".

    وفي الأخير يرى رشيد أنه مقصِّر في الثناء على ابن سعود وخدماته الإسلامية الجليلة، ثم يذكر أن اتهام المنار بنصرته لابن سعود لناحية دنيوية تردُّ عليه مجلدات المنار في مجلداتها السابقة كلها، ولكنه يذكر: أن هذا لا يعني نفيه أو تحريمه قبول أيَّة مساعدة من ابن سعود أو غيره من ملوك المسلمين في المساعدة على خطة المنار الإصلاحية وخدماتها الإسلامية، ولكنه لا يمكن أن يطلبها منهم[142].

    وفي الجزء السادس من المجلد الثامن والعشرين يكتب رشيد مقالاً خاصًّا بعنوان "أموال ابن سعود التي اتهم بها صاحب المنار"، يقع فيما يقارب عشر صفحات، جمع فيه رشيد جميع التهم الموجَّهة إليه بأخذ أموال من ابن سعود وشرح بطلانها كلها، ثم يذكر أنه لو صحَّ أن المنار يتلقَّى أموالاً من ابن سعود - وما هو بصحيح - لما صحَّ أن يجعل حجَّة على أن المنار أنشئ لجمع المال وإنما يُعَدُّ مساعدة على خطة دينية قديمة في خدمة الإسلام ونشر العلم لا على دعاية سياسية حادثة لأجل الملك؛ لأن المنار من أوَّل إنشائه وقبل قيام الدولة السعودية الحديثة وهو يدعو إلى التوحيد الخالص ومذهب السلف الصالح.

    ثم يختم مقالته بذكره أن العلاقة والرابطة بينه وبين ابن سعود رابطة دينية روحية خالصة لوجه الله - تعالى - لا تزيدها الإشاعات والتقوُّلات إلا قوة، ولا يقدر على حلها إلا الله - تعالى[143].

    والحق أن رشيد رضا كان صادقًا في دفاعه ورد تهم أعدائه، وقد أثبتت الأيام صدق ذلك كله، ومَن يطَّلع على بعض رسائله إلى صديقه (شكيب أرسلان) يدرك أن الرجل كان في ضائقة مالية عسيرة، زادها أنه كان مبسوط اليد معتادًا من صغره على الإنفاق وإكرام الضيوف، وما زال رشيد في هذا الضنك المالي إلى أن توفَّاه الله - تعالى - إلى رحمته، فوجد أن عليه من الديون ما يزيد على ألفي جنيه، كما أن بيته كان مرهونًا، وفي هذا يقول شكيب أرسلان: فتأمَّلوا يا أولي الألباب في مآل هذا الرجل الذي خدم الإسلام تلك الخدمة الجلى التي قلَّما وُفِّق إليها أحد في العالم الإسلامي وتأمَّلوا في بهتان أولئك الذين كانوا يتقوَّلون عليه أنواع الأقاويل، ويتَّهمونه بالطمع في المال، وبقبض الأموال الطائلة من ابن سعود وغيره، وهذا في الغالب عند أبناء هذه الأمة جزاء العاملين"[144].

    وكان ممَّا زاد في استحكام الضائقة المالية على رشيد تأخُّر قرَّاء المنار عن دفع اشتراكاتهم السنوية بانتظامٍ في كثيرٍ من الأحيان، كما فصَّلناه سابقًا.

    ومهما يكن من أمر، فإن علاقة رشيد بالملك عبدالعزيز أخذت تزيدها الأيام رسوخًا وقوَّة، وبلغ من إعجاب رشيد بالملك عبدالعزيز ما أسماه (السيف المسلول للسنة وهدي السلف الصالح)[145].

    وبالمقابل، فإن الملك عبدالعزيز كان معجبًا برشيد رضا أيضًا، وما جاء ذكره في مجلس إلا وهو يُثنِي عليه، ومن ذلك ما رواه شكيب أرسلان في رسالةٍ منه إلى رشيد أن الملك عبدالعزيز قال: إن السيد رشيدًا لا يوجد مثله اليوم في علماء الشرع في كل العالم الإسلامي وأخذ يطنب في مزاياه، ويذكر شكيب أن الملك عبدالعزيز حينما علم بضائقة رشيد المالية فرَّج عنه بعض كربتها[146].

    وعلى كلٍّ فقد استمرَّت العلاقة الطيبة القوية بين رشيد وآل سعود حتى وفاة رشيد، بل إن قصة وفاته تدلُّ على عمق هذه العلاقة؛ فقد صادَف أن زار الأمير سعود بن عبدالعزيز - ولي العهد السعودي حينذاك - مصر في جمادى الأولى سنة 1354هـ (1935م)، وحرص رشيد رضا على الاجتماع بالأمير وحده ليفضي إليه بآرائه ونصائحه، فلم تسنح فرصة ذلك الاجتماع إلا صباح يوم سفر الأمير سعود من مصر، ثم رافَق رشيد الأمير سعودًا إلى السويس لتوديعه رغم إجهاد رشيد، فودَّعه وعاد سريعًا إلى القاهرة في اليوم نفسه متعبًا جسمه بركوب السيارة ذهابًا وإيابًا والطريق يومئذ ليست سهلة، فأُصِيب بدوار من ارتجاج السيارة وتقيَّأ وكان منصرفًا في الطريق إلى تلاوة القرآن، فعاد إلى تلاوته بعد ذلك، وبعد قليل فاءت روحه إلى بارئها، في ظهر يوم الخميس[147] 23 جمادى الأولى سنة 1354هـ (22 أغسطس 1935م).

    ولقد كانت آخِر الرسائل في تاريخ العلاقة بين رشيد رضا والملك عبدالعزيز برقيَّة التعزية التي بعث بها الملك إلى أسرة رشيد التي قال فيها: "أسأل الله - تعالى - أن يُحسِن عزاءنا وعزاءكم بفقيد الإسلام والمسلمين، وأن يعوِّضه عنَّا بجناته ورضوانه"[148].

    الملاحق:
    رسالة من الشيخ رشيد رضا إلى الشيخ صالح بن عثمان القاضي (ت 1351هـ) قاضي عنيزة في أثناء رحلته الثانية إلى الحجاز عام 1344هـ.


    • • • •


    رحلة الحجاز[149]
    (2)
    ضربت وزارة الداخلية يوم السبت الخامس والعشرين من شهر صفر[150] (الموافق لأوَّل الميزان 23 سبتمبر) موعدًا لسفر رَكْب المَحْمَل المصري من القاهرة إلى السويس، وآذنت مريدي الحج بأن يكونوا قبل ذلك اليوم في السويس ليأخذوا فيها أهبتهم ويتبوَّؤوا أماكنهم من الباخرتين اللتين أعدتهما لحملهم إلى جدة، وبينما أنا منهمك في الاستعداد للسفر بشراء ما ينبغي شراؤه، وترتيب ما تقرَّر حمله، وإعداد ما تحتاج إليه الدار وإدارة المنار، خطر في بالي أن أكتب رسالة في مناسك الحج أبيِّن فيها أحكامه وحِكَمه بعبارة سهلة، مأخوذة ممَّا صحَّ في السنة، وأن أطبعها وأحملها معي هدية للحجاج الذين أصحبهم وألقاهم، فشرعت في ذلك وقت الظهر من يوم الأربعاء فكنت أكتب عدَّة أسطر، ثم أترك الكتابة عدَّة دقائق للاشتغال بشيء ضروري، ثم إنني اضطررت إلى ترك الكتابة من ظهر يوم الخميس إلى ضحوة يوم الجمعة، ثم قضيت أصيل ذلك النهار وغسق الليل خارج المكتب والدار، فتعذَّر الجمع بين إكمال المناسك والسفر في يوم الجمعة فأكملت كتابتها في هذا اليوم (الجمعة) فكانت أكثر من كراستين وقد ضاق الوقت في طبعهما قبل السفر؛ إذ تبيَّن أن يكون آخر موعد له قبل الظهر بساعة من يوم السبت، فاضطررت بعد جمع حروفها ليلاً إلى اختصار الأولى بالحذف من عدَّة مواضع منها، وطبعت بعد أن تمَّت فلم أتمكَّن من تصحيحها، فلذلك كثرت أغلاطها، وتعذَّر على المطبعة أن تجهز لنا ضحوة السبت جميع النسخ فاكتفينا بحمل مئات منها.
    • • •


    رحلة الحجاز[151]
    (3)
    (باخرتا الحجاج - المنصورة والنجيلة)
    استأجرت الحكومة للحجاج باخرتي (المنصورة والنجيلة)، وهما من أقدم سفن شركة البواخر الخديوية - وأمَّا المَحْمَل المصري فقد حمل مع أميره وعسكره على سفينة حربية إنكليزية - ولمَّا كنَّا آخر مَن جاء السويس من الحجاج علمنا من أصدقائنا الموظفين في هذا الشأن أن المنصورة أسرع الباخرتين، وأنه لم يبقَ في الدرجة الأولى منها موضع لي وللسيدتين؛ لأن وفد العلماء المُرسَل إلى الحج على نفقة سلطان مصر المعظَّم قد ركب المنصورة قبل مجيئنا وتسابَق إليها الناس وقد يوجد فيها موضع واحد لي، وإن النجيلة تفضل المنصورة بأنها أقل منها نودانًا، وإنه يمكن أن نجد في الدرجة الأولى منها بيتًا أو مخدعًا (قمرة) خاصًّا بنا، فنزلنا فيها مع رفيقنا في يوم الأحد لأربع بقين من ذي القعدة، وقد علمنا بعد سفرنا أنها أبطأ بواخر الدنيا سيرًا، قيل لنا: إنها تقطع ثمانية أميال في الساعة، ولعلها لا تتمُّ الستة إلا بالجهد، وهي قديمة وسخة ليس فيها ضوء كهربائي ولا أجراس ولا مقاعد للاستراحة إلا كراسي المائدة في الدرجة الأولى، ولكن المخدع الذي خُصِّص لنا فيها واسع جدًّا قلَّما يوجد في البواخر الكبيرة مثله في سعته وهو معد.
    • • •


    رحلة الحجاز[152]
    (4)
    (السفر إلى مكة المكرمة)
    في صبيحة يوم السبت سافَر ركب المَحْمَل المصري من جدة قبل شروق الشمس، وفي ضحوته سافرت الوالدة والشقيقة ومعهما الصديق الكريم الشيخ خالد النقشبندي والصِّهر الحميم محمد نجيب أفندي، وقد استأجرنا لهم أربعة جمال بجنيهين اثنين للركوب واثنين لحمل المتاع (العفش) وأرسلت حكومة جدَّة معهم جنديين عربيين من جنود الشريف الهجانة للخفارة، وزوَّدهم صديقنا ومضيفنا الشيخ محمد نصيف بأنفس الزاد الكافي.
    وتأخَّرت عنهم لإتمام ما كنت بدأت به من كتابة نبذة من التفسير للمنار لإرسالها مع البريد من جدة مع كتابة ما لا بُدَّ من كتابته إلى مصر، ثم سافرت بعد صلاة العصر من هذا اليوم على حمار استأجرته بمائة قرش عثماني، ولم أكد أظفر به لولا مساعدة الأصدقاء؛ لأن المغاربة والمصريين قد سبقونا إلى استئجار جميع حمير البلد أو أكثرها، وسافر معي جنديان من هجانة العرب بأمر الحكومة؛ لأجل التكريم لا الحفظ؛ فإنها واثقة بأمن الطريق، وركب معي الشيخ محمد نصيف والشيخ مساعد اليافي مدير الشرطة في جدة وبعض الأصدقاء مشيعين مودعين ثم عادوا عند غروب الشمس إلى جدة.
    • • •


    رحلة الحجاز[153]
    (5)
    (مقامنا بمكة قبل الحج)
    تقدَّم أنني دخلت مكة ضحوة يوم الأحد (هو الثالث من أيام ذي الحجة بحسب تقاويم مصر، وهو ما ثبت لدى حكومة مكة بعد وكانوا يعدونه الرابع في تقاويمها)، وإنني كنت متمتعًا بالعمرة إلى الحج، وإنني لم أتجاوز يوم الأحد دار السيد الزواوي التي جئتها بعد الطواف والسعي إلا مساء؛ إذ جئت المنزل الذي أُعِدَّ لي من قِبَل الأمير - أحسن الله كرامته - وإنني لم أخرج منه إلا ليلاً بعد وصول السيدة الوالدة والرفاق إلى قصر الأمير للتشرُّف بزيارته، ولقيت في القصر نجله النجيب صديقي الشريف عبدالله، وليس في مكة من أنجاله النُّجَبَاء سواه؛ إذ كان قد وجه الأمراء الثلاثة عليًّا وفيصلاً وزيدًا إلى فتح المدينة المنورة والأمير عبدالله إلى فتح الطائف، وتقدم أن فتح الطائف قد تَمَّ على يديه قبيل قدومنا، وإنه دخل مكة منصرفًا عنها في وقت دخولنا.
    وفي اليوم الثاني وهو يوم الاثنين رابع ذي الحجة علم الناس بوصولي إلى مكة مع الحجاج المصريين، وذكَرَتْه "جريدة القبلة" في عددها الخامس عشر الذي صدر فيه، فأقبل الكثيرون من الشرفاء والعلماء والوجهاء لزيارتنا وفي مقدمتهم الأمير الشريف.
    • • •


    رحلة الحجاز[154]
    (6)
    عرفات وحدودها
    كلٌّ من عَرَفَة وعَرَفَات (بفتح العين والراء فيهما) اسمٌ لتلك البقعة الشريفة من الأرض، التي هي من أشهر البقاع عند ألوف الألوف من البشر، وعرفات اسم مفرد يُنَوَّن كأذرعات وليس جمعًا لعرفة، وجُوِّز أن يكون أشير بصيغة الجمع إلى كون كلِّ مكان أو قسم من تلك البقعة يتحقَّق فيه معنى التعارف أو التعرُّف الذي عللت به التسمية، ثم كثر فصار اسمًا مستقلاًّ، ونظيره قول الشاعر في عُرَنة (بضم العين وفتح الراء والنون).
    أَبْكَاكَ دُونَ الشِّعْبِ مِنْ عَرَفَاتِ
    بمدفعٍ آيَات إِلَى عُرَنَاتِ

    وقول عمر بن أبي الكنات الحكمي المغني:
    عَفَتِ الدَّارُ بِالهِضَابِ اللَّوَاتِي
    بَيْنَ تَوْزٍ فَمُلْتَقَى عُرَنَاتِ

    وظاهر عبارة "لسان العرب" أنهما موضعان قال: عُرونَة وعُرَنة موضعان وعُرَنات موضع دون عرفات إلى أنصاب الحرم، قال لبيد:
    وَالفِيلُ يَوْمَ عُرَنَاتٍ كَعْكَعَا
    إِذْ أَزْمَعَ العُجْمُ بِهِ مَا أَزْمَعَا
    ا هـ.

    وأقول: ليس دون عرفة موضع يسمَّى عرفات غير بطن عُرَنة الذي ذكره.
    • • •


    رحلة الحجاز[155]
    (7)
    طواف الإفاضة
    بعد ذلك ركبت دابتي وقصدت مكة المكرمة، فطفت طواف الإفاضة، وهو طواف الركن الذي لا يتمُّ الحج بدونه، وفي أثناء طوافنا شرع أهل مكة في صلاة العيد ورأيت الأمير يصلي معهم مأمومًا، وكان الرجال يصلُّون في الجهة الغربية من الكعبة المعظمة والنساء في الجهة الجنوبية وهن كثيرات جدًّا، ثم سعيْنَا بين الصفا والمروة وهو من أركان الحج وقد سعيت في هذه المرة ماشيًا، وقد اختلفت الروايات: هل طاف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه بين الصفا والمروة في حجَّة الوداع مرَّة أو مرَّتين؟ ففي حديث جابر عند مسلم أنهم طافوا بينهما مرَّة واحدة قبل عرفة، وفي حديث عائشة أنهم طافوا مرَّتين؛ أي: عند القدوم وبعد طواف الإفاضة، ورجح المحققون من علماء الحديث رواية جابر وقالوا: إن ما ذُكِر في حديث عائشة مُدرَج من كلام الزهري لا من كلامها، فمذهب المحدِّثين أن السعي لا يتكرَّر، ويقول كثيرٌ من الفقهاء إن لكلِّ نسك سعيًا لا يُسقِطه السعي بعد طواف القدوم، وأن السعي للعمرة لا يغني عن السعي بعد طواف الإفاضة للحج.

    ولم يصل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - العيد يوم النحر بمكة ولا بمنى كما أنه لم يصلِّ الجمعة بعرفة؛ لأنه مسافر ولم يكن يصليهما في السفر، وقال بعض العلماء إن رمي جمرة العقبة للحاج كصلاة العيد لغيره، فصلاة العيد لا تطلَّب منه وإن كان مكيًّا.

    ونسأل الله - تعالى - أن يوفقنا لإقامة السنة على الوجه الأكمل في حجة أخرى أو حجات كثيرة.
    • • •


    رحلة الحجاز[156]
    (9)
    النفر من منى إلى مكة
    لمَّا كان يوم النفر رمينا الجمرات لآخِر مرَّة وفي الأصيل شددنا الرحال ونفرنا من منى هابطين إلى مكة المكرمة حامدين الله شاكرين له ما وفَّقنا لإتمام مناسكنا، راجين من فضله وإحسانه أن يكون حجُّنا مبرورًا، وسعينا مشكورًا، وعملنا مثابًا، ودعاؤنا مستجابًا، ويا لله ما أحلى الشعور الذي يستولي على المرء في أثناء هذا النفر، فإنه على فراقه لذلك المهد القدسي الذي وصفْنَا في الفصل السابق ما له في النفس من عظيم الأنس، تراه يفارقه قرير العين مطمئن القلب جم السرور فرحًا بفضل الله ورحمته، وذلك شأن الإنسان بعد إتمام كل عمل من الأعمال النافعة التي يهتمُّ بأمرها، يفرح في عاقبة إتمامه بقدر ما كان من عنايته به وتعبه فيه، وبقدر مكانة العمل نفسه من نفسه، وما يرجو من فائدته ونفعه، وسواء كان ذلك في دنياه أو دينه، فمَن لم يألُ جهدًا في أداء المناسك أفاض من منى وهو بحيث وصفنا من الغبطة الروحية، والسكينة والطمأنينة، التي يعبِّر عنها بعض الناس براحة الضمير، ومَن قصَّر في شيء من تلك الأعمال ولو بترك العزيمة والأفضل خالج غبطته وطمأنينته بعض التمنِّي ولوم النفس: ليتني فعلت كذا، وسأفعل كذا في حج آخر - إن شاء الله تعالى - كما تمنَّى بعض رفاقنا لو باتوا الليل كله في المزدلفة معي.
    • • • •
    المصادر والمراجع
    أولاً: المصادر والمراجع العربية والمعرَّبة:
    1- أرسلان، شكيب، السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة، ط1، دمشق: مطبعة ابن زيدون، عام 1356هـ/1937م.
    2- أيبش، يوسف (دكتور)، رحلات الإمام رشيد رضا، ط1، القاهرة وبيروت: الهيئة العامة للكتاب، عام 1971م.
    3- برو، توفيق علي، العرب والترك في العهد الدستوري العثماني، معهد الدراسات العربية، ط1، القاهرة: مطبعة دار الهناء، عام 1960م/1380هـ.
    4- الحفناوي، مصطفى، ابن سعود، ط1.
    5- الخطيب، محب الدين، ذكرى موقعة حطين، مجموعة خطب ومحاضرات في هذه الذكرى جمعها محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية بمصر، عام 1351هـ.
    6- درويش، مديحة، تاريخ الدولة السعودية، ط1.
    7- داغر، يوسف أسعد، مصادر الدراسة الأدبية، الجزء الثاني، بيروت، لبنان، عام 1956م.
    8- الدهان، سامي (دكتور)، الأمير شكيب أرسلان حياته وآثاره، ط2، دار المعارف بمصر، (بدون تاريخ).
    9- الذكير، مقبل، تاريخ نجد (مخطوط).
    10- رضا، محمد رشيد (الشيخ)، المنار والأزهر، ط1، مطبعة المنار بمصر، عام 1353هـ.
    11- رضا محمد رشيد (الشيخ)، تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده، الجزء الأول، مطبعة المنار بمصر عام 1350هـ/ 1931م.
    12- رضا، محمد رشيد (الشيخ، تفسير القرآن الحكيم، المشهور بـ(تفسير المنار) في 12 جزءًا مجلدًا، ط2، مصر: مطبعة المنار، عام 1367هـ.
    13- رضا، محمد رشيد (الشيخ)، السنَّة والشيعة أو الوهَّابية والرافضة، ط1، 2، في جزأين، مطبعة المنار بمصر.
    14- رضا، محمد رشيد (الشيخ)، المسلمون والقبط والمؤتمر المصري، ط1، مصر: مطبعة المنار، عام 1329هـ.
    15- رضا، محمد رشيد (الشيخ)، الوهَّابيون والحجاز، ط1، مصر: مطبعة المنار، عام 1344هـ.
    16- رضا، محمد رشيد (الشيخ)، الخلافة أو الإمامة العظمى، ط1، مصر: مطبعة المنار، عام 1341هـ.
    17- رضا، محمد رشيد (الشيخ)، الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية، ط3، مصر: مطبعة المنار عام 1367هـ.
    18- الرويشد، عبدالله بن سعد، قادة الفكر الإسلامي عبر القرون، دار إحياء الكتب العربية (بدون تاريخ).
    19- الزركلي، خير الدين، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، ط2 ، بيروت: دار العلم للملايين، عام 793هـ، في أربعة أجزاء.
    20- سعيد، أمين، تاريخ الدولة السعودية، ط1.
    21- السلمان، محمد بن عبدالله (دكتور)، رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب، ط1، بريدة: نشر نادي القصيم الأدبي، ط2، الكويت، عام 1409هـ.
    22- دخول الملك عبدالعزيز الحجاز، ط1، نشر نادي الباحة الأدبي، 1420هـ.
    23- شبيكة، مكي الطيب (دكتور)، العرب والسياسة البريطانية في الحرب العالمية، ط1، القاهرة: معهد الدراسات العربية، عام 1975م.
    24- الشرباصي، أحمد (دكتور)، رشيد رضا- صاحب المنار، قصة حياته ومصادر ثقافته: طبع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مطابع الأهرام التجارية عام 1389هـ/1970م.
    25- الشرباصي، أحمد (دكتور). رشيد رضا الصحفي المفسر الشاعر اللغوي، من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، القاهرة: المطابع الأميرية، عام 1977م.
    26- الشرباصي، أحمد (دكتور)، رشيد رضا الأديب الكاتب الإسلامي، من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، القاهرة: المطابع الأميرية، 1976م.
    27- الشرباصي، أحمد(دكتور)، أمير البيان شكيب أرسلان، مطابع دار الكتاب العربي، ط1، مصر: معهد الدراسات العربية، جزآن عام 1383هـ/1963م.
    82- الشهيل، عبدالله، فترة تأسيس الدولة السعودية، ط1.
    29- العدوي، إبراهيم (دكتور)، رشيد رضا الإمام المجاهد، سلسلة أعلام العرب (33) القاهرة، مطبعة مصر، عام 1964م.
    30- الفقي، محمد حامد، أثر الدعوة الوهَّابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب، ط1، القاهرة، عام 1354هـ.
    31- القاسمي، ظافر، جمال الدين القاسمي وعصره، دمشق: نشر مكتبة أطلس، المطبعة الهاشمية، عام 1385هـ/1965م.
    32- محمود، عبدالحليم (دكتور)، الحمد لله هذه حياتي، ط1، القاهرة: دار المعارف بمصر.
    33- المنجد، صلاح الدين (دكتور)، فتاوى الإمام محمد رشيد رضا في ستة أجزاء؛ جمعها الدكتور صلاح الدين المنجد ويوسف خوري، بيروت، عام 1970م/1390هـ.
    34- ميشان، بنوا، عبدالعزيز آل سعود، مترجم، ط1.
    35- نصيف، حسين، ماضي الحجاز وحاضره، ط1.
    36- وهبة، حافظ، خمسون عامًا في جزيرة العرب، ط1.

    ثانيًا: الدوريات:
    37- مجلة المنار، المجلد 1 (1351هـ/1316هـ) الطبعة الثانية للمجلد.
    38- مجلة المنار، المجلد 2 (عام 1316-1317هـ/1899-1900م).
    39- مجلة المنار، المجلد 5 (عام 1320هـ/ 1902-1903م).
    40- مجلة المنار، المجلد 7 (عام 1322هـ/ 1904/ 1905م).
    41- مجلة المنار، المجلد 11(عام 1326هـ/ 1908/ 1909م).
    42- مجلة المنار، المجلد12 (عام 1327هـ/ 1909- 1910م).
    43- مجلة المنار، المجلد 13 (عام 1328هـ/ 1910- 1911م).
    44- مجلة المنار، المجلد 14 (عام 1329هـ/ 1911م).
    45- مجلة المنار، المجلد 16 (عام 1331هـ/1912م).
    46- مجلة المنار، المجلد 19 (عام 1334- 1335هـ/ 1916- 1917م).
    47- مجلة المنار، المجلد 20 (عام 1335- 1336هـ/ 1917- 1918م).
    48- مجلة المنار، المجلد 21 (عام 1337- 1338هـ/ 1918- 1920م).
    49- مجلة المنار، المجلد 22 (عام 1339- 1340هـ/ 1920/ 1921م).
    50- مجلة المنار، المجلد 23 (عام 1340- 1341هـ/ 1922م).
    51- مجلة المنار، المجلد 24 (عام 1341- 1342هـ/ 1923م).
    52- مجلة المنار، المجلد 25 (عام 1342- 1343هـ/ 1924-1925م).
    53- مجلة المنار، المجلد 26 (عام 1343- 1344هـ/ 1925-1926م).
    54- مجلة المنار، المجلد 28 (عام 1345- 1346هـ/ 1927-1928م).
    55- مجلة الشرق اليسوعية، المجلد 27 (1929م).
    65- مجلة المنار، المجلد 31 (عام 1349- 1350هـ/ 1930-1931م).
    57- مجلة المنار، المجلد 32 (عام 1350- 1351هـ/ 1931- 1932م) المجلد 33 (1352هـ).
    58- مجلة المنار، المجلد 35 (عام 1354-1359هـ/ 1935- 1940م).
    59- عاصم، عبدالرحمن: السيد رشيد رضا، مجلة المنار، المجلد 35.
    60- جريدة أم القرى عدد 8 رجب و26 رمضان و10 شوال و7 ذي الحجة عام 1344هـ وعدد 6 المحرم عام 1345هـ.
    61- جريدة الرياض عدد 5/3/1401هـ.

    ثالثًا المراجع الأجنبية:
    • JOMIER، J.LECOMMENAIRE CORANIQUE DUMANAR PARIS 1954.
    • LAOUST، HENRI.SOCIALIES ET POLITIQUESDE TAKI- D- DIN AHMAD B. TAIMIYA 1939.
    [1] بكالوريوس في التاريخ من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1395هـ.
    • ماجستير في التاريخ من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1399هـ.
    • دكتوراه في التاريخ من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1406هـ.
    • يعمل الآن في قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية في القصيم.
    [2] رشيد رضا، "المنار والأزهر": ص139، وما بعدها.
    [3] للتوسُّع في ذلك انظر: "رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب"؛ لكاتب هذه السطور ص: 229، ط الكويت، والشرباصي، "رشيد رضا، صاحب المنار": ص145.
    [4] انظر: افتتاحية العدد الأول من "مجلة المنار"، المجلد الأول.
    [5] رشيد رضا، "تفسير المنار": 12/130.
    [6] صلاح المنجد، ويوسف خوري، "فتاوى الإمام رشيد رضا": 1/19.
    [7] "مجلة المنار"، المجلد 35/188.
    [8] رشيد رضا، "المنار والأزهر": ص200، و"الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية": ص119.
    [9] "مجلة المنار"، المجلد الأول، العدد الأول ص9-13.
    [10] انظر: كتاب رشيد رضا: "السنة والشيعة والوهَّابية والرافضة": ص14، 15.
    [11] انظر: "مجلة المنار" 2/14، 728.
    [12] عبدالله الرويشد، "قادة الفكر الإسلامي عبر القرون": ص314.
    [13] جمع الدكتور يوسف أيبش هذه الرحلات في كتاب أسماه "رحلات الإمام محمد رضا" ط 1971م، في 384 صفحة.
    [14] يوسف أيبش: "رحلات الإمام محمد رشيد رضا": ص8، وعبدالله الرويشد: "قادة الفكر الإسلامي عبر القرون": ص314.
    [15] "مجلة المنار"، المجلد 11 ص706 و874 و936 والمجلد 12 ص150.
    [16] ظافر القاسمي: جمال الدين القاسمي وعصره ص446، دمشق 1385هـ، وأحمد الشرباصي: "رشيد رضا، صاحب المنار": ص147.
    [17] "مجلة المنار"، المجلد 11 ص936 - 953، وتوفيق علي برو: "العرب والترك": ص113، و114.
    [18] "مجلة المنار": المجلد 12، ص956، والمجلد 13، ص145، و313، و748.
    [19] "مجلة المنار"، المجلد 12 ص913- 932.
    [20] "مجلة المنار"، المجلد 12 ص820- 831.
    [21] "مجلة المنار"، المجلد 16 ص 145، والمجلد 14 ص35- 67.
    [22] "مجلة المنار"، المجلد 16 ص 77، و104، و396، والمجلد 19 ص567.
    [23] "مجلة المنار"، المجلد 19 ص307، و466، و563، والمجلد 20 ص108، و150، و192، و236، و316، و352.
    [24] "مجلة المنار"، المجلد 16 ص687.
    [25] "مجلة المنار"، المجلد 20 ص282.
    [26] "مجلة المنار"، المجلد 21 ص337 و498، والمجلد 22 ص155، و390، و617، و768، والمجلد 23 ص141 و235 و313 و390.
    [27] شكيب أرسلان: "السيد رشيد رضا": ص156.
    [28] انظر أحمد الشرباصي: "رشيد رضا الصحفي، المفسر، الشاعر اللغوي": ص65 وما بعدها.
    [29] "مجلة المنار"، المجلد 23 ص114 و306 و441 و553 و635 و696.
    [30] شكيب أرسلان: مرجع سابق ص264.
    [31] "مجلة المنار"، المجلد 32 ص116، وشكيب أرسلان: مرجع سابق: ص442-450.
    [32] المؤتمر الإسلامي الأول "جريدة الرياض" العدد 4736، في 5 ربيع الأول 1401هـ، 11 يناير 1981م، ص9.
    [33] المرجع السابق ص423.
    [34] "مجلة المنار"، المجلد 32 ص117-132، وشكيب أرسلان: مرجع سابق: ص157.
    [35] "مجلة المنار"، المجلد 16، ص396.
    [36] "مجلة المنار"، المجلد 16، ص398.
    [37] "مجلة المنار"، المجلد 16، ص396- 399.
    [38] المنار ج16 (1913) ص396-399، ويوسف أيبش: المرجع السابق: ص87-91.
    [39] المصدر نفسه.
    [40] سامي الدهان: شكيب أرسلان ص51.
    [41] J.JOMIER: IBID P43.
    [42] رشيد رضا: "المنار والأزهر": ص195، و"تفسير المنار": ج 10 ص422.
    [43] "مجلة المنار": المجلد 23، ص234.
    [44] رشيد رضا: "المسلمون والقبط والمؤتمر المصري": ص24، وما بعدها ط1329هـ.
    [45] انظر "مجلة الشرق اليسوعية"، المجلد 27 (1929م) ص315.
    [46] انظر محمد السلمان: "رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب": (ص264): وقد اعتمدنا عليه في هذه الدراسة.
    [47] مكي الطيب شبيكة: "العرب والسياسة البريطانية"، ص40.
    [48] شكيب أرسلان: مرجع سابق ص155، وسامي الدهان: مرجع سابق ص356 و357.
    [49] "مجلة المنار"، المجلد 22 ص718.
    [50] حصلت على صورة من هذه المذكرة مع ملحقاتها وملخَّصها بخط رشيد رضا من الأستاذ (قصي محب الدين الخطيب) بداخل أوراق لوالده محب الدين الخطيب - رحمه الله - صاحب المطبعة السلفية ومكتبتها في القاهرة.
    [51] شكيب أرسلان: مرجع سابق ص155 و156، ومحب الدين الخطيب. ذكرى موقعة حطين، ص15.
    [52] محمد بن سياو: "فقيد العرب والإسلام رشيد رضا"، "مجلة المنار" المجلد 35 ص226.
    [53] عبدالرحمن عاصم: "السيد محمد رشيد رضا"، "مجلة المنار"، المجلد 35 ص480، و481.
    [54] رشيد رضا: "الخلافة أو الإمامة العظمى": ص71، وص113 - 117.
    [55] شكيب أرسلان: مرجع سابق: ص364.
    [56] المرجع السابق ص804.
    [57] "مجلة المنار"، المجلد 26، ص205.
    [58] إبراهيم العدوي: "رشيد رضا": ص238 - 242.
    [59] "مجلة المنار"، المجلد 24 ص797.
    [60] شكيب أرسلان: مرجع سابق: ص164 و165.
    [61] سامي الدهان: مرجع سابق: ص359.
    [62] إبراهيم العدوي: مرجع سابق: ص237.
    [63] رشيد رضا: "المنار والأزهر": ص14.
    [64] شكيب أرسلان: مرجع سابق: ص321 و322 و783.
    [65] رشيد رضا: المرجع السابق: ص14.
    [66] "مجلة المنار"، المجلد 22 ص768 - 772.
    [67] "مجلة المنار"، المجلد 22 ص772 وما بعدها.
    [68] إبراهيم العدوي: مرجع سابق: ص252، و"مجلة المنار"، المجلد22، ص797.
    [69] أحمد الشرباصي: "رشيد رضا الصحفي المفسر الشاعر اللغوي": ص65، و78، و79.
    [70] JOMIER، P41.
    [71] "مجلة المنار"، المجلد: 19/307- 130.
    [72] "مجلة المنار"، المجلد: 19/466 - 472.
    [73] "مجلة المنار"، المجلد 19/563 - 574.
    [74] "مجلة المنار"، المجلد20/108-126.
    [75] "مجلة المنار"، المجلد 20/150-159.
    [76] "مجلة المنار"، المجلد 20/192-198.
    [77] "مجلة المنار"، المجلد 10/236- 245.
    [78] "مجلة المنار"، المجلد 20/276 - 288.
    [79] "مجلة المنار"، المجلد 20/316 - 328.
    [80] "مجلة المنار"، المجلد 20/352 - 363.
    [81] ص53 وما بعدها من هذا البحث.
    [82] "مجلة المنار"، المجلد 19/567.
    [83] "مجلة المنار"، المجلد 13/792.
    [84] انظر: محمد السلمان: "رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب"، ص248، وقد اعتمدت عليه هذه الدراسة.
    [85] "مجلة المنار"، المجلد 19، ص167، و241، و369، و489.
    [86] "مجلة المنار"، المجلد 19، ص307- 310.
    [87] "مجلة المنار"، المجلد 20، ص280- 288.
    [88] "مجلة المنار"، المجلد 25، ص391 والمجلد 35 ص483.
    [89] "مجلة المنار"، المجلد 19، ص435- 441.
    [90] "مجلة المنار"، المجلد 22، ص718- 719.
    [91] المرجع السابق ص717.
    [92] كان هؤلاء الشبَّان العرب قد جاؤوا الحجاز بدعوةٍ من حكومتها في أشهر الحج، فلم يشاركوا المسلمين في حجهم ولا صلاتهم، فذكرهم رشيد في رحلته وفضَّل الاتحاديين عليهم، انظر: "مجلة المنار"، المجلد 19، ص569- 574.
    [93] "مجلة المنار"، المجلد 22، ص794-795.
    [94] "مجلة المنار"، المجلد 22، ص716، 717.
    [95] "مجلة المنار"، المجلد 21، ص240- 249 وص281.
    [96] "مجلة المنار"، المجلد 22، ص797.
    [97] المرجع السابق ص449.
    [98] رشيد رضا: الخلافة أو الإمامة العظمى ص74.
    [99] شكيب أرسلان: مرجع سابق ص364، و"مجلة المنار"، المجلد 24، ص593 و616 إلى 618.
    [100] خير الدين الزركلي: "شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز": ج1 ص 320 إلى 350.
    [101] رشيد رضا: "الوهَّابيون والحجاز": ص20- 28.
    [102] "مجلة المنار"، المجلد 26، ص160.
    [103] "مجلة المنار"، المجلد 31، ص718.
    [104] "جريدة الرياض"، عدد 5/3/1401هـ، ص9.
    [105] انظر: "مجلة المنار"، المجلد 32/116.
    [106] شكيب أرسلان، "السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين عامًا"، ص423، 442 وما بعدها.
    [107] وذلك اعتمادًا على كتابَي: "دخول الملك عبدالعزيز الحجاز"، و"رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب"؛ لكاتب هذه السطور.
    [108] مصطفى الحفناوي، "ابن سعود": ص145، 146.
    [109] جاء ذلك في "جريدة أم القرى" في 8 رجب 1344هـ وعدد شوال 1344، وللتوسُّع في ذلك انظر: محمد السلمان، دخول الملك عبدالعزيز الحجاز ص 128- 134 وقد اعتمدنا عليه في هذا الموضوع.
    [110] "جريدة أم القرى" العدد 26 رمضان 1344هـ.
    [111] انظر: مديحة درويش، "تاريخ الدولة السعودية": ص140، 141.
    [112] انظر: حافظ وهبة. "خمسون عامًا في جزيرة العرب": ص140، 144، ومقبل الذكير، "تاريخ نجد" (مخطوط) ص136.
    [113] "جريدة أم القرى" 7 ذي الحجة 1344هـ، و"مجلة المنار"، المجلد 35، ص200.
    [114] "أم القرى": 6 المحرم 1354هـ.
    [115] بنو اميشان، "عبدالعزيز آل سعود": ص200.
    [116] "أم القرى": 21 ذو الحجة 1344هـ.
    [117] "أم القرى": 13 المحرم 1345هـ، وانظر: مديحة درويش هامش ص148، وعبدالله الشهيل، "فترة تأسيس الدولة السعودية": ص132- 134.
    [118] أمين سعيد ص186، 187.
    [119] حافظ وهبة، "خمسون عامًا في جزيرة العرب": ص137، 138، ولم يرسل الملك عبدالعزيز مندوبًا عنه في المؤتمر؛ ممَّا جعل ذلك بالإضافة إلى حادثة المحمل المصري في حج عام 1344هـ، ومنعه من المجيء إلى الحج بعد ذلك سببًا في سوء العلاقة مع مصر، وبهذا تأخَّر اعتراف مصر بابن سعود ملكًا للحجاز عشر سنوات تقريبًا؛ أي: بعد موت الملك فؤاد وتولي ابنه فاروق عام 1355هـ/1936م، انظر: الزركلي، "الوجيز": ص126- 128.
    [120] حسين نصيف، "ماضي الحجاز وحاضره": ص172.
    [121] سامي الدهان: مرجع سابق ص359، وانظر كتاب: "رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب"؛ لكاتب هذه السطور.
    [122] محمد حامد الفقي، "أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب": ص45.
    [123] عبدالحليم محمود، "الحمد لله هذه حياتي": ص130 طبع في دار المعارف بمصر.
    [124] عبدالله بن سعد الرويشد، "قادة الفكر الإسلامي عبر القرون": ص319.
    [125] رشيد رضا: "تاريخ الأستاذ الإمام": ج1، ص583.
    [126] "مجلة المنار"، المجلد 16، ص957.
    [127] "مجلة المنار"، المجلد 7، ص759، والمجلد16، ص775، و776، والمجلد 5، ص440.
    [128] رشيد رضا، "الوهابيون والحجاز": ص7 و20 و28، و"مجلة المنار"، المجلد 21، ص240، و281.
    [129] انظر "مجلة المنار"، المجلد 26، ص233 و320 و540.
    [130] "مجلة المنار"، المجلد 35، ص484.
    [131] شكيب أرسلان: مرجع سابق، ص329-333، ورشيد رضا، "الخلافة أو الإمامة العظمى": ص70.
    [132] H. LAOUST: IBID P562.
    [133] "مجلة المنار": المجلد 30، ص394.
    [134] أحمد الشرباصي: "رشيد رضا الأديب الكاتب الإسلامي": ص168.
    [135] عبدالرحمن عاصم، "السيد محمدرشيد رضا": "مجلة المنار" المجلد 35، ص483 إلى 485.
    [136] رشيد رضا، "المنار والأزهر": ص32.
    [137] رشيد رضا: المرجع السابق ص266.
    [138] مكي الطيب شبيكة: العرب والسياسة البريطانية في الحرب العالمية الأولى ص40 و41، ط 1975م، معهد البحوث والدراسات العربية، والرسالة المذكورة موجودة في دار الوثائق البريطانية بلندن.
    [139] سامي الدهان: مرجع سابق ص459.
    [140] "مجلة المنار"، المجلد 29، ص147.
    [141] انظر أحمد الشرباصي: "رشيد رضا الأديب الكاتب الإسلامي": ص168- 170.
    [142] "مجلة المنار"، المجلد 28، ص4- 8.
    [143] المرجع السابق ص465- 473.
    [144] شكيب أرسلان: مرجع سابق، ص632 و633.
    [145] رشيد رضا: "المنار والأزهر": ص265.
    [146] أحمد الشرباصي: "أمير البيان شكيب أرسلان": ج2، ص841، ط دار الكتاب العربي 1963م.
    [147] انظر تفاصيل وفاة رشيد رضا في: "مجلة المنار" 35، ص153- 161، 22 أغسطس عام 1935م، وانظر ص306 من هذا الكتاب.
    [148] "مجلة المنار"، المجلد 35/188.
    [149] المنار ج19، (1916-1917) ص466-472، وأيبش، ص97.
    [150] كذا في الأصل! والصحيح شهر ذي القعدة.
    [151] "المنار" ج19 (1916) ص563 - 574، وأيبش، ص105 وما بعدها.
    [152] "المنار" ج20 (1917-1918) ص108-126، وأيبش، ص119 وما بعدها.
    [153] "المنار" ج20 (1917-1918) ص150-159، وأيبش، ص139 وما بعدها.
    [154] "المنار": ج20 (1917-1918) ص192-198، وأيبش، ص151 وما بعدها.
    [155] "المنار" ج20 (1917-1918) ص276-288، وأيبش، ص171 وما بعدها.
    [156] "المنار" ج20 (1917-1918) ص352- 363، وأيبش، ص199 وما بعدها.

    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/30814/#ixzz4SdJ2nW78

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    رحمه الله.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    آمين ، شكر الله مرورك الكريم أبا يوسف .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •