بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لصاحب الحمد والثناء , والشكر لمن ليس له مثيل في الجزاء والعطاء , والصلاة والسلام على خير الحامدين والشاكرين , وإمام الأولين والآخرين , نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللهم تسليما ... أما بعد :
فلا زلت أكتب ؛ والكتابة إحدى ثلاث طرق يخبر فيها الإنسان عما يريد , فالقول طريق , والإشارة طريق , والكتابة طريق .. فالحمد لله الذي أنعم علينا بالثلاث !
ولازلت أكتب ؛ فالكتابة كالمولود الرضيع الذي ترعاه وتهتم به في البداية , ثم إذا قارب الفطام تعلقت النفس به , ثم يكون من أركان البيت وأساسه تظهر فيه الوحشة والفراغ عند غيابه !
ويصعب لمن مارس الكتابة وأخذ عليها أن يتركها خصوصا إن كان يُنفّس بها عن نفسه , ويُصدِر بها عما في صدره , ويُخلد بها ما يدور في خلده !
بل قد يمرض عند ابتعاده عنها ويحس بوحشة , فيقال إن ابن تيمية رحمه الله لما مُنع من الكتابة مرض وكان هذا آخر حياته ؛ ولا أزعم أني ذاك الرجل , لكني على قصر عمري وجدت لذتها , ولاقيت حمدا لها , فأعدت قراءتها لأنظر فيما يقال عن تميزها , فلا أعود إلا بخفي حنين كما يقال ! فأذكر حينها طِيْبَ تلك النفوس وسلامتها , ولولا أنها خلجات في الصدر لما خَرَجَتْ , ولولا طلب الخير لما عَبَرَتْ , مع يقني أن من المحال دوام الحال , فالله اسأل قبولاً ورضا من لدنه وغفرانا ونفعا ..
** نقطة نظام **
هل تأملت يوما في رعاية الإسلام لحقوق الآخرين ؟! والتحذير من هضمها خصوصا الضعفاء منهم ! فلئن ضعف صاحب الحق أو غفل عن حقه فما الله بغافل عما تعملون !
** جزء من مقال **
جبلت نفوس البشر على حب الثناء ؛ بل لا أحد أحب إليه الثناء من الله جل جلاله ! فالثناء من حيث أصله ممدوح , بيْد أنَّ ثمة أمور تُخرج الأمر من المحمود إلى المذموم , كالثناء المبالغ فيه والذي لا يخلو من كذب غالبا !
والناس في الجملة ظَلَمَة جهلة , كما أخبر الله جل جلاله , فلا عتب عليهم بما يصدر منهم , مدحا وذما ؛ إنما العتب على نخبة القوم وسادتهم وأولئك النفر الذين قبلوا بأن يضحكوا على أنفسهم قبل الآخرين عندما فرحوا بمثل هذا , أو حتى سخطوا عند فقده ؛ ومنهم من يحب أن يمدحه الناس ويثنون عليه خيرا وهو على أريكته أو مكتبه , وتضاف الإنجازات له , ويفرح بذلك ! ولا خبر له فيما يقال عنه إلا حبرا أجراه على ورق ! وليته اكتفى بذلك فحسب , بل هضم للآخرين حقوقهم ولم يشكر سعيهم !
فأي كِبر هذا , وأي جور عمل !
ألا خابت تلك النفوس التي غرها زخرف الدنيا وبهرجها !
لا يخفى على كل ذي لب أن الإنجازات الكبيرة والأعمال العظيمة لا يقوم بها واحد أو اثنان ؛ إنما تقوم على مجموعة لا على أفراد ؛ وليست الأم المرضعة كالأم الواضعة , وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة , وليس الابن بالتبني كالابن بالنسب , فلا تنسب عملاً ما أُعجبَ به الناس لنفسك , كن متعقلا راشدا والزم الجماعة , زد من علو كعبك ومقامك بذكر فضل من له الفضل , ولا تبخس ما لهم فتخسر ما لك !
الأمر جد خطير , والداء عظيم إن كان في نفسك ولم تعالجه ؛ فلم يسلم من ذلك أحد فعلى واقع ما أنت فيه الآن تقرأ لإنسان نقل موضوعا ونسبه لنفسه وشكر للآخرين حسن تشجيعهم له ! وليس له في ذلك إلا القص واللصق !
إن الله جل جلاله لا يضيع أجر من أحسن عملا , وكل شيء عنده بمقدار ولئن حرمت أجرة الدنيا فالآخرة خير وأبقى لمن صحت نيته وصلح عمله .
إن ثناء الناس لا يغني من الحق شيئا , فادفع عن نفسك اليوم ما تسوء برؤيته غداً , يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ( لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) !
** طيور مهاجرة >>
يقول الله تبارك وتعالى ( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ) فصّل في ذكر النعيم والجنة تشويقا لطيب العيش ورغده واكتفى بذكر ( النَّارُ ) وكفى به واعظا .. فأي عقبى تريد ؟!
** نقطة عبور **
الفطام : سن يوقف فيها الرضيع عن الرضاعة من صدر أمه .
بخفي حنين : مثل عربي يضرب لمن ذهب يطلب شيئا ولم يجده !
نخبة : النخبة هم الطبقة الواعية الحكيمة من الناس .
لب : عاقل .