ملخص السؤال:
سيدة ابنها متزوِّج، أخبَرَها بشَكِّه في زوجته، لكن لَم يكُنْ يظْهَر على الزوجة أي تصرُّف، حتى أخبرت الطفلة الصغيرة هذه السيدة بكلامٍ غريبٍ عن رُؤيتها لرجلٍ غريب مع أمها في وضعٍ مريب، مما أكَّد لها شكَّ ابنها، ولا تدري هذه السيدة هل تخبر ابنها بهذا الكلام أو لا؟
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.ابني مُتزوِّج، ويَشُكُّ في سُلُوك زوجتِه، ودائمًا يتَّهمها بالخيانة، ولديهما أطفالٌ.أنا لَم أشاهدْ منها تصرُّفات تَدُلُّ على الخيانة، وأخْبَرْتُه بذلك، ووصيتُه بأن يحفظَ عليه زوجته، ولا يحرمها مِن أولادها بالطلاق.بعدما أخبرني بشَكِّه فيها، رأيتُ منها تصرُّفات مُريبة، وأخبرتْني ابنتها الصغيرة بحديثٍ عن والدتها لا يعرفه الصِّغار، إلا أنْ تُشاهِدَ ذلك!فهل أُخبر ابني بكلام الطفلة الصغيرة، أو أسكت، وأجعل الحياة بينهما مستمرَّة، علمًا بأنَّ الطفلة أخبرتْني - وبدون تفصيل - أنها رأت رجلاً غريبًا مع أمها، وأخبرتني بكلام صادم جدًّا.أنا لا أريد أن أخربَ بيت ولدي وأُشَرِّد أولاده، فكيف أتصرَّف في هذا الأمر؟!
علمًا بأني والدته وأعيش معهم وزوجتُه طيبةٌ معي جزاها الله خيرًا

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:فمَنْ تأمَّل رسالتَك أيتها الأخت الكريمة، وأنْعَم النظَر فيها، أدْرَك أنَّ ولدك يعلم ما تذكرين، ومَن كان على دِرايةٍ بتصرفات الأطفال الصغار، ويَعْلَم مدى براءتهم وانفلات لسانهم وعدم التحفُّظ بما يتحفَّظ منه الكبار - غلب على ظنِّه أن تلك الابنة الصغيرة قد أخبرتْ والدها بما رأتْ، كما أخبرتْك تمامًا، ولعل هذا من أسباب اتِّهامه الدائم لزوجته بالخيانة كما تقولين!أمرٌ آخر وهو: أنَّ رسالتَك تدُل على طيبة قلبِك، وسلامةِ طَوِيتِك، وحُسْن ظنك بتلك المرأة - نحسبك كذلك والله حسيبُك - يَظْهَر هذا في قولك في آخر رسالتك: "زوجتُه طيبة معي، جزاها الله خيرًا"، وذلك على الرغم من كلام الطفلة الصادم أنها رأتْ رجُلاً غريبًا مع أمها... إلى آخر الكلام، وعلى الرغم مِن سلامة الصدر المشفوع بحُسن الظن فقد شاهدتِ من تصرفاتها المريبة ما أثار انتباهك!إذا تقرَّر هذا أيتها الفاضلة، ظهَر لك أنَّ الجديد فيما تحدثتْ به الطفلةُ الصغيرةُ هو معرفتك أنت فقط، أما ولدُك فيعلم ذلك مِن قَبْلُ، وأن عدم إخبارك له ليس مِن الستر الذي يحبُّه اللهُ تعالى، والذي ورد في الحديث: ((مَنْ ستَرَ مُسلمًا سَتَرَهُ اللهُ))؛ لأنك إذا سترتِ والحال كما تقولين والمرأة قائمة على المعصية - كان ذلك إقرارًا للمنكر الظاهر، وهذا ما نبَّه عليه الإمامُ النووي في شرحه على مسلم (16/ 135) حيث قال: "وأما السترُ المندوب إليه هنا فالمرادُ به السترُ على ذوي الهيئات ونحوهم، ممن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد، فأما المعروفُ بذلك فيُستحب ألا يُسْتَر عليه، بل تُرفع قضيتُه إلى وليِّ الأمر، إن لم يخفْ مِن ذلك مفْسدة؛ لأن السترَ على هذا يطمّعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرُمات وجسارة غيره على مثل فعلِه، هذا كله في ستر معصيةٍ وقعتْ وانقضتْ، أما معصية رآه عليها وهو بعدُ مُتَلَبِّس بها، فتجب المبادرةُ بإنكارها عليه، ومنعه منها، على من قدَر على ذلك، ولا يحل تأخيرُها، فإن عجز لزِمه رفعُها إلى ولِيِّ الأمر، إذا لم تترتبْ على ذلك مفْسدةٌ". اهـ.أيضًا فإنه لن يتَرتبَ على إخبارك مزيد مفْسدة، فابنُك غير غافلٍ عن أفعال زوجته، بدليل أنه دائم الاتِّهام لها بالخيانة!إذا قرَّرْنا هذا أيتها الفاضلة أدْرَكْنا أن المصلحةَ الراجحة أو الخالصة: في إخبار ابنك ونُصحه، وتقوية قلبه على ردْعِ زوجته المستَهْتِرة، وإعانته على العمل على قَطْع دابر علاقتها المُحرَّمة أو طلاقها، إن ظهَر له أن الفسادَ متأصِّلٌ في دُروب نفسها ومساربها، وغلب على ظنِّه أنها لم تتبْ، فطلاقُها واجبٌ والحال كذلك؛ حتى لا تُفسدَ عليه فراشه، أو تُدخل عليه مَن ليس مِن صُلبه.وأنت إن فعلتِ هذا لَم تهدمي بيتَ ولدك ولم تُشَرِّدي أولاده، بل أمهم مَن تفعل هذا باستسلامِها للشيطان، وهل تظني - سلَّمك الله - أنَّ أمًّا تراها ابنتُها مع رجلٍ غريبٍ في وضع صادمٍ تَصْلُح لتربية الأبناء؟! أو أن هذا المشهد نفسه يُمكن أن يُمْحَى من ذاكرة الطفلة بسهولة؟!فأُمٌّ تبلغ الجرأة بها أن تفعلَ ما فعلتْ بحضرة أبنائها، أو في بيتِ الزوجية، أو لَم تتحفَّظْ من الصِّغار - هي أُمٌّ بلَغ منها السُّوء مَبْلغًا لا يتلافى.ومِن بديع حِكمة التشريع الإسلامي: أنه لا يقرن الخبيث بالطيب، والزوجة التي على هذا الحال المذكور ليس لزوجها أن يُمسكها، بل يُفارقها، وإلا كان ديوثًا، وهي مِن أقْبَح الأخلاق - أعاذ الله جميع المسلمين منها - إلا أن تتوبَ توبةً نَصُوحًا، ويظهر ذلك عليها في استقامة حالها وتبدله للأحسن.وقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاثة قد حرَّم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يُقر في أهله الخبث))؛ رواه أحمدُ وغيرُه.وفي الصحيحين عن عبدالله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما مِن أحد أَغْيَر مِن الله، مِن أجْل ذلك حرَّم الفواحش، وما أحد أحب إليه المدْح مِن الله)).وفي الصحيح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن المؤمن يَغار، وإن الله يَغار، وغَيْرَةُ الله أن يأتي العبد ما حرّم عليه)).قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6/ 120): "ولهذا يذم مَن لا غيرة له على الفواحش كالديوث، ويذم من لا حمية له يدفع بها الظلم عن المظلومين، ويمدح الذي له غيرة يدفع بها الفواحش، وحَميَّة يدفع بها الظلم؛ ويعلم أن هذا أكمل من ذلك؛ ولهذا وَصَف النبي صلى الله عليه وسلم الربَّ بالأكملية في ذلك، فقال في الحديث الصحيح: ((لا أحد أَغْيَر من الله، مِن أجْل ذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن))، وقال: ((أتعجبون مِن غَيْرَة سعد؟ أنا أغْيَرُ منه، والله أغْيَرُ مني)).وتأمَّلي كلامه عند قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ [النور: 2] في مجموع الفتاوى (15/ 287): "نهى تعالى عما يأمر به الشيطان في العقوبات عمومًا، وفي أمر الفواحش خصوصًا، فإن هذا الباب مبناه على المحبَّة والشهوة والرأفة التي يزينها الشيطان بانعطاف القلوب على أهل الفواحش والرأفة بهم، حتى يدخل كثير مِن الناس بسبب هذه الآفة في الدياثة وقلة الغيرة إذا رأى من يهوى بعض المتصلين به، أو يعاشره عشرة منكرة، أو رأى له محبة أو ميلاً، وصبابة وعشقًا، ولو كان ولده رأف به وظن أن هذا من رحمة الخلق ولين الجانب بهم ومكارم الأخلاق، وإنما ذلك دياثة ومهانة وعدم دين، وضعف إيمان، وإعانة على الإثم والعدوان، وترك للتناهي عن الفَحْشاء والمنكر، وتدخل النفس به في القيادة التي هي أعظم الدِّياثة، كما دخلتْ عجوز السوء مع قومها في استحسان ما كانوا يتعاطونه من إتيان الذُّكران، والمعاونة لهم على ذلك، وكانت في الظاهر مسلمةً على دين زوجها لوط، وفي الباطن منافقةً على دين قومها لا تقلي عملهم كما قلاه لوط؛ فإنه أنكره ونهاهم عنه وأبغضه، وكما فعل النسوة اللواتي بمصر مع يوسف، فإنهن أَعَنَّ امرأة العزيز على ما دَعَتْه إليه مِن فِعْل الفاحشة معها؛ ولهذا قال: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]".
والله أسأل أن يلهمك رشدك، ويعيذك من شر نفسك وأن يستر علينا أجمعين