ملخص السؤال:فتاة مخطوبة ولديها مشكلة في القلب قد تمنع الحمل، وتسأل: هل أخبر خاطبي بهذا العيب؟ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا فتاة لديَّ مَرَضٌ في القلْب، وقد أخبرني الطبيب أنَّ وقت الحمل قد تتفاقم المشكلة، وقد لا يكمل الحَمْل، فهل هذا عيب يُخْبَر به الخاطبُ؟
إذا أخبرتُه فعلى الأرجح أنه سيرفُض فهل أعيش وحدي بدون زواج؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، أذهبِ الباس، ربَّ الناس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يُغادر سَقَمًا.بدايةً وقبلَ الدُّخول في أصل المشكلة يجب التقديم بمقدِّمةٍ هامةٍ يَنبني عليها جوابُ المسألة، وهي:أنَّ جميع العُقَلاء مُتَّفقون على أنَّ الصِّدق أنجى لصاحبه، وأنَّ حياة المروءة الصِّدق، وأنَّ ثَمَرته أجدى على صاحبه، وأنه ميزان الله؛ أعني: الصِّدق، وأنه دليلُ التقوى، وجمالُ النَّجوى، وكمالُ الدين والدنيا.وتأمَّلي رعاك الله حديثَ توبة كعب بن مالك وصاحبيه لَمَّا تخلَّفوا في غزوة تَبُوك، فلما قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم مِن الغزو، وجلس في المسجد جاءه المخلَّفون، فطَفِقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعةً وثمانين رجلاً، فقَبِل منهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايَعَهُم واستغْفَرَ لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئتُ، فلما سلمتُ تَبَسَّمَ تبسُّمَ المُغْضَب، ثم قال: ((تعالَ))، فجئتُ أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال لي: ((ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظهرك؟!))، فقلت: بلى، إني والله لو جلستُ عند غيرِك مِن أهْلِ الدنيا لرأيتُ أن سأخرجُ مِن سَخَطِه بعُذْر، ولقد أُعطيتُ جَدَلًا، ولكني والله، لقد علمتُ لئن حدَّثْتُك اليوم حديثَ كذِبٍ ترضى به عنِّي ليُوشِكنَّ الله أن يُسْخِطَك عليَّ، ولئن حدَّثْتُكَ حديثَ صِدْقٍ تَجِدُ عليَّ فيه إني لأرجو فيه عفْوَ الله، لا والله، ما كان لي مِن عُذرٍ، والله ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أَيْسَرَ مني حين تخلَّفتُ عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمَّا هذا فقد صدَق، فقُمْ حتى يقضيَ الله فيك))، ولبثوا على ذلك خمسين ليلة إلى أن أنزل الله سبحانه توبته وتوبة أصحابه.قلتُ: يا رسول الله، إنَّ الله إنما نَجَّاني بالصِّدق، وإنَّ مِن توبتي ألَّا أُحَدِّثَ إلا صدقًا ما بقيتُ، فوالله ما أعلَمُ أحدًا مِن المسلمين أبلاه الله في صِدْق الحديث منذ ذَكَرْتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مما أبلاني، ما تعمَّدْتُ منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبًا، وإني لأرجو أن يحفَظَني الله فيما بقيتُ، وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ ﴾ [التوبة: 117] إلى قوله: ﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، فوالله ما أنعم اللهُ عليَّ مِن نعمةٍ قط بعد أن هداني للإسلام أعظمَ في نفسي مِن صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذَبوا، فإن الله قال للذين كذبوا - حين أنزل الوحي - شرَّ ما قال لأحدٍ، فقال تبارك وتعالى: ﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 95، 96].فانظري بارك الله فيك كيف أنعم الله على كعب وصاحبيه بصِدْق الحديث، وكيف كانتْ عاقبةُ الصِّدق إلى فلاح، وأنتِ كذلك فافعلي، اصْدُقي مَن تَقَدَّمَ لك، وأخبريه بحالتك الصِّحِّيَّة، واحْتَسِبي ذلك عند الله، موقنةً ((أنَّ الخير لا يأتي إلا بالخير))، كما أخبرنا الصادقُ المصدوقُ صلى الله عليه وسلم، فقد أخْبَرَنا أنَّ الخير الحقيقي لا يأتي إلا بالخير، وسيأتيك لا محالة ما قدر لك، وحتى لو أخبرك الأطباءُ أنك لا يمكنك الإنجاب لا قدر الله، فيمكن لمَنْ يَتَزَوَّجك أن يتزوجَ بعدك بأخرى إن أراد الولدَ.هذا، وقد قرَّر العلماءُ أن العُيُوب التي يَجب الإخبارُ بها هو ما عَدَّه الناس عَيبًا مما هو منفر للآخر، وقد حَصَرَهُ جمهورُ العلماءِ في العُيوب التي تمنع الوَطْءَ أو لذَّتَهُ، وفي العيوب المُنَفِّرَة، أو المُعْدِية؛ كالجُذام، والبَرَص، والبَاسُور، والنَّاسُور، والقُروح السَّيَّالةِ في الفَرْجِ، ومنهم مَن أَلْحَقَ بهذه العيوبِ كُلَّ مرض مُنَفِّر، وهو الراجحُ الذي اختاره شيخُ الإسلام ابن القيِّم رحمه الله حيث قال في "زاد المعاد" (5/ 166): "والقياسُ أنَّ كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح مِن الرحمة والمودة يوجب الخيار، وهو أولى مِن البيع، كما أنَّ الشُّروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء مِن شُروط البيع، وما ألزم الله ورسوله مغرورًا قط ولا مغبونًا بما غر به وغبن به، ومَن تَدَبَّر مقاصدَ الشَّرع في مَصادره وموارده وعدله وحكمته وما اشتمل عليه من المصالح لَم يخفَ عليه رجحان هذا القول وقربه مِن قواعد الشريعة".ولا شكَّ أنَّ عدم الإنجاب مدعاةٌ لنفرة بعض الأزواج، ومِن ثَمَّ ينبغي عليك بيان حالتك الصِّحِّيَّة لِمَن أراد الزواج منك؛ لأنَّ الزواج - كما سبق - مَبناه على المودَّة والرحمة والسكينة، وعدمُ الإنجاب قد يكون عائقًا مِن ذلك عند بعض الرجال، ولكن كما ذكرت لك أنَّ في الزواج الثاني حلاًّ لتلك المشكلة، فإذا لم تُخبري بذلك وتم الزواج، فإنَّ هذا سيُؤَدِّي غالبًا للشِّقاق والنِّزاع.
أسأل الله تعالى أن يرزقك زوجًا صالحًا تقرُّ به عينك