بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة الإسلامية
و
التحديات الراهنة
و مبدأ الالتفاف حول العقبات و المخاطر
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
و بعد، فلا يخفى على أحد تزايد وتفاقم العقبات والمخاطر التي تواجه الدعوة الإسلامية لا سيما خارج العالم الاسلامي في هذه الأيام ، و خلال الظروف الراهنة التي نعيشها من تسلط غربي على كل ما يَمُتُّ إلى الاسلام بِصِلة ، و صدق الله عزو جل القائل في محكم كتابه {و لايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا }.{و ودُّوا لو تكفرون }.
و من المعروف للجميع أن الدعوة الاسلامية خارج العالم الاسلامي هي ـ في الغالب ـ حصيلة جهود فردية ، فلذلك فإنه يسهل على الحكومات الغربية تجميد نشاطاتها بأية حجة وتحت أي ذريعة .
ولذلك ينبغي على المهتمين بالدعوة الاسلامية مراجعة حساباتهم ، وإعادة جدولة أعمالهم ، بل و ربما ـ وفي بعض الأحيان ـ تغيير الأماكن و البلدان التي يزاولون فيها نشاطاتهم الدعوية الإسلامية .
و عند دراسة ديموغرافية و ايديولوجية المجتمعات السكانية نجد أن أنسب مكان لكثيف مناشط الدعوية الإسلامية هي بلدان أمريكا الجنوبية (اللاتينية) ، وذلك لعدَّة أسباب :
1. يتحدث معظم مواطني دول أمريكا الجنوبية اللغة البرتغالية ، ثم تأتي اللغة الأسبانية في المرتبة الثانية حسب جنسية الاستعمار الذي تسوَّدَ المنطقة من قبلُ ، ولذلك فإن تلك المجتمعات في منأى عن الحملات الإعلامية الغربية ضدَّ الاسلام والمسلمين ، كما أن عدم تحدث تلك القارة بالانجليزية كان و لا يزال سداً منيعاً في وجه الثقافة الأمريكية الشمالية العنصرية .
2. هذه الدول تعيش في حالة فوضى أمنية تامَّة ، و في بعض الأحيان تُحكم مٍِن قِبَل ائتلاف عصابات الرذيلتين ( شبكات تجارة المخدرات و الاتجار بالجنس ) ، ممَّا يجعل هذه المجتمعات في حاجة ماسَّة و تشوُّقٍ إلى دين سماوي يحميها من هذه الأوبئة والسموم المهلكة ، وهذه الحاجة لا تلبيها بالطبع الديانة المسيحية المحرفة والمنحرفة التي تعتنقها تلك المجتمعات .
3. قد لا يعلم البعض أن أكبر مخزون للكراهية تجاه الولايات المتحدة يكمن في صدور مواطني المجتمعات الأمريكية الجنوبية ، ولذلك نجد أنه خلال هجمات سبتمبر عام 2001 كان بعض مواطني تلك الدول يلبسون قمصاناً تحمل صوراً لأعداء الولايات المتحدة الرسميين احتفالاً بتلك الهجمات .
و تتأصَّل هذه الكراهية في صدور الأمريكيين اللاتينيين نحو الولايات المتحدة لعدة أسباب ، من أهمها كون أمريكا هي التي تحمي وتسيطر على الحكومات الفاسدة التي تحكم دول امريكا اللاتينية ، وكثير من تلك الحكومات تزاول نشاطات محظورة من خلال شبكات من العصابات تمارس وتتجر في جميع النشاطات ذات الصلة .
ومن أوضح الأمثلة على ذلك الرئيس الكوبي فيدل كاسترو و الذي يتراشق عبارات العداء المستمر مع الولايات المتحدة منذ ثلاثين عاما تقريباً ، مع أنه قد تمَّ تدريبه في "نيفادا " بالولايات المتحدة على أيدي الاستخبارات الأمريكية العسكرية “cia” مع زميله الأرجنتيبني ؟ "تشي جيفارا"، و هذا المرتزق الأخير حين أنهى مهمته في "كوبا"انتقل ليقود الثوار في "بيـرو" ؟ حيث قضى نحبه هنالك ، ومع ذلك فإن الرئيس الكوبي يستضيف في بلاده كبرى قواعد الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية"جوانتا امو" ؟ و هي القاعدة الأمريكية "سيئة الذكر" التي أودعت فيها الولايات المتحدة أسرى حرب افغانستان .
4ـ تتميز دول أمريكا الجنوبية بارتفاع معدَّل السكان "الاكتظاظ السكاني" ، مِماَّ يساهم في انتشار الدعوة الإسلامية ويختصر كثيراً من الجهد .
5 ـ تتكون المجتمعات الأمريكية الجنوبية من خليط من عدَّة أجناس بشرية ، فهناك السكان الأصليون للقارة ، و هناك الأفارقة الذين كان يجلبون للبيع في أسواق النخاسة ، و هناك المستعمرون البرتغاليون و الأسبان ممَّا أضفى نوعاً من التعايش العرقي و عدم العنصرية ، و مِمَّا يجعل تلك البيئة مناسبة جداً للدعوة الإسلامية .
ـ إذن يجب توجيه الجهود الدعوية إلى تلك القارَّة البكر ، والمكتظة بالمجتمعات السكانية ، و ينبغي للجهات الدعوية ـ الرسمية أو الفردية ـ إقامة دورات خاصَّة في اللغتين البرتغالية والأسبانية ـ أو إقامة معاهد خاصة لهاتين اللغتين ـ ، مع التركيز على المصطلحات الدعوية ودراسة ديموغرافية وطبيعة تلك المجتمعات .
ـ و ينبغي كذلك الاستعانة ببعض الدعاة من بلدان المغرب العربي ، حيث أن بعض المغاربة يجيدون هاتين اللغتين لظروف المجاورة أو العمل لأسبانيا والبرتغال ، و ذلك بعد إعطائهم دوراتٍ علمية مكثفة في مناشط الدعوة الاسلامية ومفردات الثقافة الاسلامية ،والله أعلم وصلى اله على نبينا محمد ، و على آله وصحبه أجمعين .