رأيتُ الناس اليوم عن سنة الاعتكاف غافلين، ولسبيله متنكبين، ولهم في ذلك أعذار مختلفة فمِنْ قائلٍ إن المساجد اليوم َفي أغلبها لم تهيأ للاعتكاف، ولا أُعدَّتْ للانقطاع عن الخلق لمدة معلومة، ومن قائلٍ إن الاعتكاف يتطلب تفرغا وإجازة، وليس في المستطاع ترك العمل، ولا هجر الوظيفة لسنة من فعلها يؤجر ويثاب، ومن لا فلا إثم عليه ولا حرج، ومن قائلٍ إن الاعتكاف شاقٌّ على النفس، فيه كُلفة وكبد، وتعبٌ ونصَب، لا يطيقه إلا من قوي إيمانه، ورسخت في الإسلام قدمه، وطالت في الأسحار مناجاته، وامتدت في الآصال ابتهالاته.
وفي الحقِّ فإن المسلم المعاصر قادرٌ على الأخذ بسنة الاعتكاف إن تيسر له ذلك في المسجد المرصود لذلك، ففي كل دولة من دول الإسلام مساجد معلومة قد رصدت لهذا الأمر، يلزمها في العشر الأواخر من تاقت نفسه إلى إحياء هذه السنة، ورغِب في التبتل، وتختلف كثيرٌ من الدول الإسلامية في تنظيم هذه السُّنة وترتيب سُبل إحيائها.
على أني كنتُ قرأت ُقديما رأيا فقهيا يجيز الاعتكاف لساعة أو أكثر أو أقل في المسجد، فيكون هذا الرأي ترياقا لكل من رغب في هذا العصر أن يناله أجر المعتكف، إذ في الاعتكاف معاني سامية أدناها الاتصال بقيوم السموات والأرضين، وذوق حلاوة المناجاة، والاستمتاع بلذيذ خطاب الربِّ جلَّ في علاه، والفرح بحسن القرب منه سبحانه سبحانه.