-16-
تأمَّلتُ حال المسلمين اليوم وهم يُعدُّون فطورهم فألفيتُ أغلبهم يتفننون في الاستعداد لذلك، فيهيئون ألوانا من الأطعمة والأشربة التي لا تكاد تهيأ إلا بمناسبة الشهر الفضيل، وتختلف في ذلك عادات كل دولة عن دولة أخرى، بل تختلف في ذلك عادات كل جهة في الدولة الواحدة عن جهة أخرى فيها، وفي الحق فإن ذلك وإن لم نجد في الشريعة ما يحرمه أو يحظره بيْد أن في عموماتها وأصولها ما يضبطه ويحدُّ من غُلوائه.
ففي الشريعة حضٌّ على تقليل مفاسد الطعام والشراب بأن لا يُستكثر منهما فيصلَ المسلم إلى حدِّ الإسراف المنهيِّ عنه صراحةً، والمؤدِّي لا محالة إلى الإضرار بالصحة في النفس والبدن، وفي الشريعة أيضا حثٌّ على البُعد عن المطعوم والمشروب الحرام، لأن فيهما إلحاقا للأذى بالمسلم، وفيها أيضا إرشاد ٌللمسلم في كيفية الأكل والشرب وفي ذلك حِفاظ على النفس حالةَ إطعامها ومدِّها بالماء الصَّالح الضروري لبقائها واستمرارها.
ومن تأمل حالَ النبي صلى الله عليه وسلم مع الطعام والشراب في رمضان علِم أنَّ هديه في ذلك أكمل الهدي وأحسنه، وأتمه وأجوده، وأصحه وأبعده عن الأمراض وأقله خطرا على النفس والبدن، إذ كان صلى الله عليه وسلم – كالمعهود منه في غير رمضان- لا يأكل حتى يشبع، إذ ِالشِّبع مظنة المرض، وهو الباعثُ على أسقام كثيرة أقلها ما يصيب المعدة التي هي بيت الداء.
ومن تأمل فلسفةَ الصيام المفروض على المسلمين، علِم أن غاية ذلك ومقصده هو التقلل من الزاد، والتبلُّغ باللٌّقمة لسدِّ الجوْعة، وحفظِ المهْجة.