-15-
تأمَّلت حال المسلمين المقيمين في الغرب في رمضان فألفيتُ أن فيهم من يصوم ويقوم ويمارس عبادة ربه كأنه في وطنه الأصلي وبلده الذي انحدر منه، وألفيتُ طائفة قليلة قد انقطعت صلتُهم بالصيام مذْ غادرت أجسامهم أرضَ الوطن، وفارقتْ أرواحهم بلادَ الإسلام، وهذه الطائفة ليس يساق الكلام فيها هنا إذ لربما خصصناها بحلقة من هذه السلسلة فيما يأتي من قابل الأيام، والذي يعنينا ههنا إخواننا من المهاجرين الذين فيهم بقية ٌمن دين، ونبادر إلى القول بأنهم في حالهم هذه على خير ٍكثيرٍ، وبشارةٍ عظيمة، ورباطٍ ثابتِ الأجر، وجهادٍ ماضٍ إلى يوم القيامة، ذلك أنهم مع ما هم فيه من بُعد عن ديار الإسلام، وغربة وكُربة، ومُغريات وشهوات تكاد تملأ عليهم الأرض والسماء إلا أنهم لا يبْغون بدينهم بدلا، ولا يجدون عنه متحوَّلا، فهم من المصلِّين الأتقياء، وهم من الصائمين الحنفاء، وهم من المضحِّين الأصفياء.
ولقد قدِّر لي أن أُمضي أيامَ الشهر الفضيل بين ظهراني إخواننا في المهجر مرتين، فرأيتُ من إقبالهم على عمل الخير وخير العمل ما قد سرَّني وأسعدني، بيْد أنني وقفت على ما كدَّر صفوي وأقضَّ مضجعي في تفرق كلمتهم في مبتدأ الصيام ومنتهاه، إذ فيهم من يرى الصيام مع أول دولة تعلن دخول رمضان في الأرض، ومنهم من يرى الصيام مع بلد المنشأ والأصل، ومنهم من يرى الصيام مع رؤية الهلال حيثما هو مقيمٌ، ولقد وقعت في ذلك غرائب قصصت منها طرفا شاهدته بعيني في مدريد في غير هذا الموضع (انظر هذا الرابط http://vb.tafsir.net/forum13/thread27080-3.html شريحة رقم71 وما والاها).
وفي الحق فإذا كان لنا هنا أن لا نعرج على الخلاف الفقهي المعروف في مسألة اختلاف المطالع، فإن َّالذي نريد أن نلفت إليه الأنظار ونوجِّه إليه الأفكار، هو ضرورة توحيد المسلمين المغتربين في البلد الواحد على صيام وإفطار واحد، لأن ذلك أدعى إلى أُلفتهم وقوتهم، وعدم ضحك الناس( الغرب) عليهم، واستخفافهم بهم.