تأمَّلتُ حال الناس اليوم في الإنفاق في شهر رمضان فألفيت أغلبهم لا يحفلون بذلك فلا يكثرون من أنواع الصدقات التي تدفع البليِّات وتضاعف الحسنات وترفع الدرجات، بيد أن من الناس من يعنى بإفطار الصائم وإطعام القائم، وسد جوْعة المعظم لرمضان، وقد يختلف ذلك كيفا وكما، لكن أفضل ذلك ما كان منظما على ترتيب معين، وكيفية مخصوصة، في جمعيات أهلية، ومنظمات مدنية، تسدُّ فيه جوعة الملهوف، وتيسر فيه أحوال الضعيف المنكوب، وتوصل فيه أعطية المستحق المكروب، ولقد يقوم بذلك أفراد أوتوا من بسطة المال والجاه قدرا عظيما، فتاقت أنفسهم إلى إطعام الطعام، وإفطار الصائم، واحتساب الأجر، وادخار أفضل الذخر وأزكاه.
وكم يُثلج الصدرَ ويقرُّ العين،أن تُرى موائد الرحمن في الشوارع مبسوطة، والناس عليها جلوسٌ تحُوطهُم العناية ُالتامة ُالمكفولة، وتدور عليهم أنواع اللطائف المذخورة.
ولقد تنتدبُ لهذا الأمر وتنهضُ له بعضُ الدول في الغرب حيث يكون المسلمون في ديار غربة وكربة، وانقطاع وعزلة فتكفل الدولة المسلمة في مراكز إسلامية وأماكن ثقافية فطورا إسلاميا مجانيا لكل منْ وفد على المركز من الزوار المسلمين الصائمين، وترصد لذلك ميزانيات، وتصرف في ذلك أموال، ولقد رأيتُ أنا من ذلك أمرا عجبا في بروكسيل ومدريد...
وبالجملة فإن قابلية الناس اليوم لإطعام الطعام في رمضان عالية، وإقبالهم على الإنفاق معروف مشهور، بيْد أن ذلك ينقصه التنظيم، وتعوزه الإدارة الحكيمة لكي لا تذهب الجهود سدى، ويكون التأثير ضعيفا لا يكاد يُرى.