تأمَّلت إقبالَ الناس في هذا الزمان على العمرة في شهر رمضان، فألفيتُهم في ذلك على طبقات: فنوعٌ كان متحرِّقا مشتاقا إلى الحج حيل بينه وبينه فاختار الاعتمار في رمضان، عسى ذلك يسكِّن ما في قلبه من الاشتياق إلى البيت الحرام ومعاهد الإسلام، ونوعٌ اعتاد أن لا يُمضي الشهرَ الفضيل إلا في تلك الأماكن، متفيئا تلك الظلال، يتمتع بسعة رزقه وبسطة يده في النعمة، ونوعٌ يعتمر إذا سنحت له فرصة، ووجد إلى ذلك سبيلا من مال وفراغ وصحة.
وفي الحق فإن الصنف الثاني من هذه الأصناف الثلاثة هو الذي يساق إليه هنا الكلامُ إذ الاعتمار كلَّ عام والسفر إلى تلك الأماكن في كلِّ سنة ليس في نصوص الشريعة ما يمنع منه بيْد أن في أحوال المسلمين اليوم ما يجعل إيثارهم بمال السفر ورصده في حاجتهم أولى، إعمالا لمقاصد الشرع الحكيم التي تحثُّ على التكافل والتَّضامن، والتآزر والتعاون، والتراحم والتصدق، إذ مشاكل الأمة كثيرة، ومعضلاتها جسيمة، ففقراء العالم أغلبهم من المسلمين، والعاطلون في الدنيا جلهم من المسلمين، وأغلب المشاكل الاجتماعية في العالم للمسلمين فيها أوفر الحظ والنصيب، وفي الجملة فإن نفقات الاعتمار كل عام بالنسبة لهذا الصنف لو جمعت لسدت ثلمة، أو عوزا أو ساهمت في حل مشكل، وقطع دابر معضلة في ديار المسلمين وفي ذلك خير كثير، وتنفيس عظيم لكربة من كربات أهل الإسلام.