دور منزلة المعنى في تمايز مستوى القراءات القرآنية
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال هاتين القراءتين اللتين تتمايزان من حيث المستوى في إطار الصيغة نظرا لتغير منزلة المعنى بين أجزاء التركيب:
قال " إنَّا كلَّ شيء خلقناه بقدر" متواترة -مستقيمة حسنة .
وقرئت"إنَّا كلُّ شيء خلقناه بقدر " شاذة
في الآية الكريمة الأولى "كلَّ" مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده ،والتقدير:إنَّا خلقنا كلَّ شيء خلقناه بقدر" أو"الله خلق (هو) كلَّ شيء خلقه بقدر"وهناك احتياج معنوي بين المبتدأ والخبر ،وهناك رابط يربط بين المبتدأ والخبر ،والمعنى مستقيم ، فقد أخبرنا عن الله - تعالى - بأنه قد خلق كلَّ شيء بقدر ، والاحتياج المعنوي على أشده بين أجزاء التركيب والكلام يأخذ بعضُه بِحُجَز بعض،وسبك الكلام كأنه قطعة واحدة ،أما في الآية الثانية فـ"كلُّ" مبتدأ وبقدر هو الخبر ،والجملة الاسمية خبر إنَّ ،والتقدير:الله كلُّ شيء خلقه بقدر ،ولا يستقيم المعنى ولا يوجد احتياج معنوي بين المبتدأ والخبر ولا يوجد رابط يربط المبتدأ بالخبر ،وقد أخبرنا عن لفظ الجلالة بقولنا:إنه كلُّ شيء خلقه بقدر ،والله ليس هو كل شيء خلقه بقدر ،ولا يوجد احتياج معنوي بين المبتدأ والخبر ، والمعاني منفصلة وغير مترابطة ،والمعنى لا يستقيم ،وفيه لبس ،وهذا كقولنا من المستقيم القبيح : الطالبُ كلُّ كتاب أخذه له " والمستقيم الحسن أن نقول: الطالب أخذ كلَّ كتاب له فقد أخبرنا عن الطالب بأنه أخذ كل كتاب له ،والاحتياج المعنوي واضح بين أجزاء التركيب ،ومنزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز مستوى القراءتين.
وقال "وأتموا الحجَ والعمرةَ لله" متواترة -مستقيمة حسنة .
وقـرئت" وأتموا الحجَ والعمرةُ لله" شاذة
الواو في الآية الأولى واو العطف ،والمعنى:أدوا مناسك الحج والعمرة كاملة وخالصة لوجه الله تعالى ،فإن منع مانع فافعلوا كذا وكذا ، والحج مفعول به مبني على الفعل "أتموا" ،و"العمرة" معطوفة على "الحج" ومبنية عليه ،و"لله " مبني على الفعل "أتموا" ومتعلق به ، والكلام قطعة واحدة ، والاحتياج المعنوي على أشُده بين أجزاء التركيب ، والمعنى مستقيم ،أما في القراءة الشاذة فالواو واو الاستئناف ،و"العمرة" مبتدأ ،و"لله" خبر مبني على المبتدأ ، وسبك الكلام متخلخل،ويكون المعنى :أتموا الحج فقط والعمرة لله فقط ،وهذا المعنى ليس مقصودا ،بل المقصود:أتموا مناسك الحج والعمرة فإن مُنعتم فافعلوا كذا وكذا ،ولا يوجد احتياج معنوي بين أجزاء القراءة الشاذة ،مما أدى إلى انخفاض مستوى القراءة .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز مستوى القراءات القرآنية ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس ،ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيد عن اللبس والتناقض .