بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مرجئة العلمانية؛ يهاجمون الدين، ويسألون الله الجنة!!

مركز التأصيل للدراسات والبحوث
15-01-2015
منقول

العلمانية ليست سواء، فمن العلمانية علمانية ملحدة، لا تؤمن بإله، ولا تسمع لشرع، ولا ترى في الحياة إلا ما هو مادي، فهي علمانية ملحدة، لا تؤمن إلا بما هو حسي ظاهر، أثبتته التجربة والمشاهدة.

ومن العلمانية علمانية متحررة من كل قيد شرعي، فهي وإن كان أتباعها يقرون بوجود إله لهذا الكون، إلا أنهم لا يقرون بوجوب اتباع شرعه؛ لهذا فلا تكاد تلحظ في أفعالهم أو أقوالهم ما يدل على هذا الإقرار.

وكأنهم مرجئة- هذا إن أحسنا الظن بإقرار العلمانية والعلمانيين بوجود الله- فترى الواحد منهم لا يركع لله ركعة، ويحارب دين الله ليل نهار، بل يسخر ويسفه ممن يلتزم في أفعاله أو أقواله أو هديه الظاهري بالدين، ثم تراه يخرج علينا زاعماً أنه أكثر إيماناً وإسلاماً من غيره، ممن يرتادون المساجد، ويحافظون على الفروض، متوهماً أن هذا من حسن الظن بالله.

والأمثلة على هذا المنحى كثيرة جداً، ولعل أوضحها وأكثرها إثارة للعجب، حالة الشاعر المصري العلماني أحمد عبد المعطي حجازي، وهو شاعر وناقد أدبي، من مواليد سنة 1935م، وهو من رواد التيار العلماني في مصر في العصر الحديث، ويظهر هذا المنحى- بوضوح- في كتاباته الصحافية، وأعماله الأدبية.

فقد أدلى "حجازي" مؤخراً بتصريح غاية في الغرابة- يرتبط بشكل كبير بموضوعنا- حيث جاء في تصريحه الآتي: "لم أُصلّ منذ 50 عاماً، وآخر صلاة لي كانت في السبعينيات؛ بسبب زيارتي لمسجد قرطبة الإسباني.. إلا أنني أثق برحمة الله وعدله، فقد يدخلني الجنة بسبب ذلك".

وعن آخر مرة أدى فيها حجازي الصلاة يقول: "زرت إسبانيا، وكنت آنذاك مقيماً أنا وأسرتي في فرنسا، وعندما زرت إسبانيا لتعريف أسرتي بتاريخهم الإسلامي المجيد، توجهت لمسجد قرطبة الذي أنشأه الأمويون، ورأيت داخل المسجد مجسّداً لكنيسة، وكان يزور المسجد في هذا الوقت، عدد من السياح الأوروبيين".

وتابع: "تعمدت أن أؤدي الصلاة أمام السياح، وأمرت ابني عمرو ذي الأحد عشر عاماً أن يؤدي الصلاة كما يراني، حتى يعرف السياح أن هذا مسجد إسلامي".

وأنهى حجازي، تصريحاته بقوله: "قد يُدخلني الله الجنة بسبب هذا الموقف؛ لأنه سبحانه يجازي عن العمل الصادق مهما صغر".

ونرد على حجازي وأمثاله بقولنا: إنه ما من شيء بعزيز على الله، لكن ما خفي عليك أيها الشاعر أن هناك فرقاً بين حسن الظن بالله وبين التمني، فمن أحسن ظنه بربه أحسن العمل، فهو يعمل العمل ويرجو أن يقبله ربه، فهذا الرجاء من إحسان الظن، لا ألا يفعل شيئاً، بل يهدم في دين الله ويفسد، ثم يدعي أنه يحسن الظن بربه، يقول تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

ولله در الحسن البصري- رحمه الله- فقد كان له في هذه المسألة فهم ثاقب، فقال في معرض حديثه عن حسن الظن بالله، والفرق بينه وبين التمني: "ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل، إن قوماً أَلهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظن بالله وكذبوا؛ لو أحسنوا الظن به لأحسنوا العمل"[تفسير أبي السعود: (2/235)].

إن ما قاله حجازي قد يكون صادماً للبعض، سيما أولئك الذين لا خبرة لهم بطريقة التفكير العلمانية، فالعلمانيون متأثرون بشكل كبير بالأفكار الإرجائية في المسيحية واليهودية، ولهذا فتعاطيهم مع الإسلام لا يختلف كثيراً عن تعاطي غالب الغربيين من النصارى مع المسيحية أو اليهود مع يهوديتهم، حيث سفهوا من قيمة الأعمال واكتفوا بمجرد الإقرار القلبي، ولو صدقوا لجعلوا الأعمال الظاهرة دليلاً على هذا الإيمان.

فهذا ما دعا إليه بولس في رسالته إلى أهل غلاطيّة، حيث دعا إلى الاستغناء بعقيدة الفداء والخلاص عن التمسك بشريعة موسى والعمل بها، وكان يهدف بذلك ترغيب الأميين في النصرانية!! فقال: "قلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودى تعيش أممياً لا يهوديا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟ نحن بالطبيعة يهود، ولسنا من الأمم خطاة، إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح، آمنا نحن أيضا بيسوع المسيح، لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس. لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما"، إلى أن قال: "لست أبطل نعمة الله. لأنه إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذاً مات بلا سبب!" [الإنجيل: (غلاطية:2/14-21)].

وبسبب الإرجاء النصراني واليهودي نمت العلمانية وانتشرت بشكل عجيب في كل أرجاء العالم. ومرجئة الفرق الإسلامية بالتبعية، أخذوا نفس المنهج، فقد كان للإرجاءات القديمة- قبلهم- أثر بالغ في إفساد المعتقد الصافي عليهم، ووصولهم إلى ما هم عليهم من فساد في المنهج والطريقة.

فالناظر في معنى الإرجاء يلحظ أن عماد الأمر قائم على تأخير العمل عن الإيمان، وهو الأمر الذي يسعى إليه العلمانيون، وذلك بتنحية الدين عن الظهور بأي مظهر من المظاهر في الأعمال الحياتية، وعليه فنقطة التلاقي بين العلمانية والإرجاء هي التسفيه من قيمة الأعمال (الدينية) والجدوى منها، وإن اختلفت النظرة لتلك الأعمال والغاية منها. اهـ.


*****
ولا حول ولا قوة إلا بالله
والله الموفق
نحبكم في الله
والحمد لله