دلالة الواو بين الترتيب ومطلق الجمع
الترتيب في جملة سيبويه :"جاء زيد وعمرو"
التقدم بالأهمية المعنوية والفضل والشرف والزمن
الألفاظ هي الصورة الحسية للمعاني ، والكلمات معان تنبض بالحياة وليست أشكالا صماء ،والمتقدم في النطق في الزمن الأول متقدم في الأهمية المعنوية على النطق الواقع في الزمن التالي ،والمعاني تتقدم بالزمن أوبالأهمية المعنوية أوبالطبع أوبالسبب أوبالفضل والشرف ،أو بأكثر من سبب من هذه الأسباب،واللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في جملة سيبويه الشهيرة:"جاء زيد وعمرو" فهذه الجملة مبنية على فعل المجيء والمباني هي :زيد وعمرو،وزيد يتقدم على عمرو نحو الفعل بحسب الأهمية المعنوية ،لأن المتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع ، والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك ،والنطق الواقع في الزمن الأول متقدم بالأهمية المعنوية على النطق الواقع في الزمن التالي ، وهذا يعني تقدم زيد على عمرو بالأهمية المعنوية عند المتكلم .
وقد يكون زيد أشرف من عمرو فيقدمه المتكلم بالفضل والشرف ،أما من ناحية الترتيب الزمني فهو محتمل كذلك ،فقد يكون زيد قد جاء قبل عمرو،وقد يكون العكس ،وقد يكونان قد جاءا معا فهي لمطلق الجمع ،فالترتيب الذكري المعنوي في هذه الجملة مؤكد أما الترتيب من ناحية الفضل والشرف ومن ناحية الزمن فهو احتمالي ، وهذا شبيه بقولنا:جاء الأمير والوزير ، فالأمير ومجيئه أهم وأشرف من الوزير ومجيئه،وإن كانت الواو لمطلق الجمع من ناحية الزمن ، كما في قوله تعالى" "وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا"(الأحزاب 7)، ففي هذه الآية الكريمة إطناب وهو من نوع عطف الخاص على العام،قال قتادة : أخذ الله الميثاق على النبيين خصوصا أن يصدق بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا،ثم خصص - سبحانه - بعض النبيين بالذكر بعد التعميم الشامل لهم ولغيرهم ، فقال : ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ، ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة ومن أولي العزم من الرسل ، وتقديم ذكر نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - مع تأخر زمانه فيه من التشريف له والتعظيم ما لا يخفى،قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ، فبدئ بي قبلهم ، فالواو في الآية الكريمة تفيد مطلق الجمع من ناحية الزمن ، لأنها عطفت السابق على اللاحق ثم عطفت اللاحق على السابق ،ولكنها تفيد الترتيب من ناحية الشهرة والأهمية المعنوية والفضل والشرف ،فالنطق الواقع في الزمن الأول متقدم في الشهرة والأهمية المعنوية والفضل والشرف على النطق الواقع في الزمن التالي ،لأن الكلام يترتب بالزمن أوالأهمية المعنوية أوالطبع أوالسبب أوالفضل والشرف أو بأكثر من سبب من هذه الأسباب.
فالواو تفيد الترتيب الذكري كالفاء وثمَّ ، أما الترتيب الزمني فقد تفيده وقد لا تفيده ،فمن دلالتها على الترتيب الزمني قوله تعالى:"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن "،وهنا لا تتقدم وسيلة على وسيلة أخرى ،كما أن الوسائل لا تحدث مجتمعة ،وقال تعالى:"*"وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين"والأمو المذكورة هنا لا تتقدم على بعضها بعضا "وقال تعالى:"*حتي إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول "*وفي هذه الآية الكريمة لا يتقدم أمر على أمر آخر.
فالواو تفيد الترتيب الزمني،وقد لا تفيده كجملة سيبويه السالفة الذكر ،وهي :"جاء زيد وعمرو".
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس،وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل.