من أسرار الجنة
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في قوله - تعالى-:*"فيهما فاكهة ونخل ورمان"*(الرحمن 68)وفي هذه الآية الكريمة ما يلي:
1-يوصف قوله تعالى السابق الذكر بأنه من قبيل عطف الخاص على العام ،أو يمكن القول :إن هذه الآية تترتب من العام إلى الأخص منه إلى الخاص بالضابط المعنوي ،أو أنها تترتب من الأكثر إلى الأقل منه إلى القليل ،من حيث العدد والأهمية والفائدة ،لأن المتقدم في الموقع متقدم في المكانة والمنزلة والمتأخر في الموقع متأخر في المكانة والمنزلة ، وهذا يعني أنَّ نخل الجنة أكثر عددا وأهمية وفائدة من رمانها ، وتقديم النخل في الذكر مستمد من تقدمه في الواقع ،والواقع يشهد بما للنخل من فوائد عظيمة ،وهذا يتوافق مع قوله – صلى الله عليه وسلم -"أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من فضلة طينة آدم، وليس من الشجر أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران، فأطعموا نساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر" ،وهذا ما يشهد به العلم الحديث والطب ،كما تقدم العام على الخاص بالضابط اللفظي من أجل تناسب الفواصل.
2- في هذه الآية الكريمة تقدم الخبر "فيهما"على المبتدأ"فاكهة"بح سب الأهمية المعنوية عدولا عن الأصل ،من العام إلى الخاص ، من أجل أمن اللبس ،والأصل فيه من الخاص إلى العام بحسب الأهمية المعنوية هو " فاكهة فيهما " إلا أن مجيء الأصل وبقاء شبه الجملة "فيهما" متأخرا في مكانه يجعل شبه الجملة "فيهما" صفة للنكرة التي تطلب الوصف طلبا حثيثا ،لأنها تبحث عمّا يخصصها ويوضحها ،كما أن تأخير شبه الجملة "فيهما" يفصل بين المتعاطفات ،ولهذا تقدم شبه الجملة ليكون خبرا لا صفة ، وتأخر المبتدأ لتتصل المتعاطفات بعضها مع بعض ولأمن اللبس .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل.