تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 22 1234567891011 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 433

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #1

    Lightbulb تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:


    فإن في القرآن الكريم البراهين العظيمة على إثبات التوحيد والإخلاص لله تعالى وحده


    ونقض الشرك والرد على المشركين

    وهي مبثوثة في سور القرآن الكريم




    فرأيت أن أجمع ما تيسر منها مع تفسيرها


    للعلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى


    من تفسيره العظيم تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان،


    عسى الله تعالى أن يكرمنا وسائر المسلمين

    بالعلم النافع والعمل الصالح،

    وأسميته



    تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ***********************

    ( 1 ) :

    سورةالفاتحة



    { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ( 1 )

    ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِين ( 2)

    ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ( 3)


    مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ ( 4)

    إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( 5)


    ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيم َ ( 6)

    صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

    غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ ( 7)}
    { 1 - 7 }



    { بِسْمِ اللَّهِ } أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى,

    لأن لفظ { اسم } مفرد مضاف,
    فيعم جميع الأسماء [الحسنى].




    { اللَّهِ } هو المألوه المعبود,
    المستحق لإفراده بالعبادة,


    لما اتصف به من صفات الألوهية
    وهي صفات الكمال.





    { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }
    اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة

    التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي,

    وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله.
    فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة,

    ومن عداهم فلهم نصيب منها.



    واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها,
    الإيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات.


    فيؤمنون مثلا, بأنه رحمن رحيم,
    ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم.
    فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته,
    وهكذا في سائر الأسماء.
    يقال في العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم [به] كل شيء,
    قدير, ذو قدرة يقدر على كل شيء.
    الحمد لله رب العالمين

  2. #2

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }
    [هو] الثناء على الله بصفات الكمال,

    وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل,
    فله الحمد الكامل,
    بجميع الوجوه.





    { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِين }
    الرب, هو المربي جميع العالمين
    -وهم من سوى الله-

    بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات,
    وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة,

    التي لو فقدوها, لم يمكن لهم البقاء.
    فما بهم من نعمة,
    فمنه تعالى.




    وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.


    فالعامة:

    هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم,
    وهدايتهم لما فيه مصالحهم,

    التي فيها بقاؤهم في الدنيا.


    والخاصة:

    تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان,
    ويوفقهم له, ويكمله لهم,

    ويدفع عنهم الصوارف,
    والعوائق الحائلة بينهم وبينه,




    وحقيقتها:
    تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر.

    ولعل هذا [المعنى] هو السر
    في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب.

    فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.


    فدل قوله:
    {
    رَبّ ٱلْعَـٰلَمِين }

    على انفراده بالخلق والتدبير والنعم,

    وكمال غناه,
    وتمام فقر العالمين إليه,
    بكل وجه واعتبار.




    الحمد لله رب العالمين

  3. #3

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ }

    المالك: هو من اتصف بصفة الملك

    التي من آثارها أنه يأمر وينهى, ويثيب ويعاقب,
    ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات,



    وأضاف الملك ليوم الدين,
    وهو يوم القيامة,
    يوم يدان الناس فيه بأعمالهم,

    خيرها وشرها,
    لأن في ذلك اليوم
    يظهر للخلق تمام الظهور

    كمال ملكه وعدله وحكمته,
    وانقطاع أملاك الخلائق.




    حتى [إنه] يستوي في ذلك اليوم,
    الملوك والرعايا والعبيد والأحرار.




    كلهم مذعنون لعظمته,
    خاضعون لعزته,
    منتظرون لمجازاته,

    راجون ثوابه,
    خائفون من عقابه,


    فلذلك خصه بالذكر,
    وإلا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام.



    الحمد لله رب العالمين

  4. #4

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    وقوله:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
    أي: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة,




    فكأنه يقول:
    نعبدك, ولا نعبد غيرك,
    ونستعين بك, ولا نستعين بغيرك.




    وقدم العبادة على الاستعانة,
    من باب تقديم العام على الخاص,

    واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده.



    و [ العبادة]
    اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه
    من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.




    و [ الاستعانة ]
    هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع,
    ودفع المضار,

    مع الثقة به في تحصيل ذلك.



    والقيام بعبادة الله والاستعانة به
    هو الوسيلة للسعادة الأبدية,

    والنجاة من جميع الشرور,
    فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.




    وإنما تكون العبادة عبادة,


    إذا كانت
    مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    مقصودا بها وجه الله.

    فبهذين الأمرين تكون عبادة,




    وذكر [ الاستعانة ] بعد [ العبادة ] مع دخولها فيها,
    لاحتياج العبد في جميع عباداته
    إلى الاستعانة بالله تعالى.

    فإنه إن لم يعنه الله,
    لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر,
    واجتناب النواهي.




    الحمد لله رب العالمين

  5. #5

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد


    ثم قال تعالى: { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيم َ }


    أي: دلنا وأرشدنا, ووفقنا للصراط المستقيم,
    وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله, وإلى جنته,


    وهو معرفة الحق والعمل به,
    فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط.




    فالهداية إلى الصراط:
    لزوم دين الإسلام, وترك ما سواه من الأديان,




    والهداية في الصراط,
    تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا.



    فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد
    ولهذا وجب على الإنسان
    أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته,

    لضرورته إلى ذلك.



    الحمد لله رب العالمين

  6. #6

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    وهذا الصراط المستقيم هو:

    { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }

    من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

    { غَيْرِ } صراط
    { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ }
    الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم.


    وغير صراط
    { ٱلضَّالّينَ }
    الذين تركوا الحق على جهل وضلال,
    كالنصارى ونحوهم.





    الحمد لله رب العالمين

  7. #7

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    فهذه السورة على إيجازها,
    قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن,



    فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة:


    توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِين }


    وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة,
    يؤخذ من لفظ: { اللَّهِ } ومن قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ}


    وتوحيد الأسماء والصفات, وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى,
    التي أثبتها لنفسه, وأثبتها له رسوله
    من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه,
    وقد دل على ذلك لفظ { ٱلْحَمْدُ } كما تقدم.


    وتضمنت إثبات النبوة في قوله: { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيم َ }
    لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة.


    وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ }
    وأن الجزاء يكون بالعدل, لأن الدين معناه الجزاء بالعدل.


    وتضمنت إثبات القدر, وأن العبد فاعل حقيقة, خلافا للقدرية والجبرية.


    بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال]
    في قوله:

    { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيم َ }
    لأنه معرفة الحق والعمل به.

    وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك.


    وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى,
    عبادة واستعانة في قوله:
    { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }



    فالحمد لله رب العالمين.
    الحمد لله رب العالمين

  8. #8

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 2 )

    من سورة البقرة


    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ

    وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *

    الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً

    وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ

    فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا
    وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }



    سورة البقرة { 21 - 22 }



    هذا أمر عام لكل الناس بأمر عام,

    وهو العبادة الجامعة لامتثال أوامر الله, واجتناب نواهيه,

    وتصديق خبره, فأمرهم تعالى بما خلقهم له،


    قال تعالى:


    { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }


    ثم استدل على وجوب عبادته وحده, بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم,

    فخلقكم بعد العدم, وخلق الذين من قبلكم,

    وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة,


    فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها, وتنتفعون بالأبنية, والزراعة,

    والحراثة, والسلوك من محل إلى محل, وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها،

    وجعل السماء بناء لمسكنكم, وأودع فيها من المنافع

    ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم, كالشمس, والقمر, والنجوم.



    { وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } والسماء: كل ما علا فوقك فهو سماء,

    ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء،


    { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ } كالحبوب, والثمار, من نخيل, وفواكه,

    [وزروع] وغيرها { رِزْقًا لَكُمْ } به ترتزقون, وتقوتون وتعيشون وتفكهون.




    { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا }


    أي: نظراء وأشباها من المخلوقين,

    فتعبدونهم كما تعبدون الله, وتحبونهم كما تحبون الله,

    وهم مثلكم, مخلوقون,
    مرزوقون مدبرون,


    لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض،

    ولا ينفعونكم ولا يضرون،



    { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }


    أن الله ليس له شريك, ولا نظير,

    لا في الخلق, والرزق, والتدبير, ولا في العبادة

    فكيف تعبدون معه آلهة أخرى
    مع علمكم بذلك؟


    هذا من أعجب العجب, وأسفه السفه.



    وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده,

    والنهي عن عبادة ما سواه,


    وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته,

    وبطلان عبادة من سواه,

    وهو [ذكر] توحيد الربوبية,


    المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير،



    فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك,

    فكذلك فليكن إقراره بأن [الله] لا شريك له في العبادة,


    وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري،
    وبطلان الشرك.





    وقوله تعالى: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

    يحتمل أن المعنى:

    أنكم إذا عبدتم الله وحده, اتقيتم بذلك سخطه وعذابه,


    لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك،


    ويحتمل أن يكون المعنى:

    أنكم إذا عبدتم الله, صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى,


    وكلا المعنيين صحيح, وهما متلازمان،


    فمن أتى بالعبادة كاملة,
    كان من المتقين،


    ومن كان من المتقين,
    حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه.


    الحمد لله رب العالمين

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    513

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ما قرأت كتابا في التوحيد أوسع من تفسير الشيخ رحمة الله عليه و لو سمى تفسيره التوحيد لما أخطأ
    و فيه نفس بن القيم مع يسره
    زادك الله من فضله
    قال بن عمــر
    "مجلس فقـــه خيـــر من عبـــادة ستيــن سنـــة"

  10. #10

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    بارك الله فيكم يا أستاذ بوقاسم رفيق

    ووفقكم الله تعالى لكل خير

    ========

    للفائدة

    تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان

    للشيخ عبدالرحمن السعدي
    رحمه الله تعالى
    ورفع درجته في عليين



    http://www.saaid.net/book/open.php?cat=101&book=276
    الحمد لله رب العالمين

  11. #11

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 3 )

    من سورة البقرة

    { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
    فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ

    وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *

    فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا

    فَاتَّقُوا النَّارَ
    الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }



    سورة البقرة { 23 - 24 }


    وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم,
    وصحة ما جاء به،


    فقال: { وإن كنتم } معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته,

    الزاعمين كذبه في شك واشتباه مما نزلنا على عبدنا,

    هل هو حق أو غيره ؟

    فهاهنا أمر نَصَفٌ، فيه الفيصلة بينكم وبينه،

    وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم
    وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم, لا يكتب ولا يقرأ،

    فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله,
    وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه،
    فإن كان الأمر كما تقولون,

    فأتوا بسورة من مثله,
    واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم,


    فإن هذا أمر يسير عليكم،
    خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة والعداوة العظيمة للرسول،


    فإن جئتم بسورة من مثله فهو كما زعمتم,

    وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز,
    ولن تأتوا بسورة من مثله،
    ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنـزل معكم،

    فهذا آية كبرى, ودليل واضح [جلي] على صدقه
    وصدق ما جاء به, فيتعين عليكم اتباعه,
    واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة],
    أن كانت وقودها الناس والحجارة,


    ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب,
    وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله.
    فاحذروا الكفر برسوله, بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.


    وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي,
    وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن،

    قال تعالى
    { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ
    عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ
    لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }


    وكيف يقدر المخلوق من تراب,
    أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟

    أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه,
    أن يأتي بكلام ككلام الكامل,
    الذي له الكمال المطلق, والغنى الواسع من كل الوجوه؟


    هذا ليس في الإمكان, ولا في قدرة الإنسان،

    وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام,
    إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء,

    ظهر له الفرق العظيم.



    وفي قوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } إلى آخره,

    دليل على أن الذي يُرجى له الهداية من الضلالة:
    [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال،
    فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق.


    وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه,
    فهذا لا يمكن رجوعه, لأنه ترك الحق بعد ما تبين له,
    لم يتركه عن جهل, فلا حيلة فيه.


    وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق,
    بل هو معرض غير مجتهد في طلبه,
    فهذا في الغالب أنه لا يوفق.


    وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم,

    دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم,

    قيامه بالعبودية,
    التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين.



    كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء،

    فقال: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ }

    وفي مقام الإنزال،

    فقال: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ }



    وفي قوله: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ونحوها من الآيات,

    دليل لمذهب أهل السنة والجماعة
    أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة،



    وفيها أيضا,

    أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار,

    لأنه قال: { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }

    فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها,

    لم تكن معدة للكافرين وحدهم،
    خلافا للخوارج والمعتزلة.



    وفيها
    دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه,


    وهو الكفر وأنواع المعاصي على اختلافها.

    الحمد لله رب العالمين

  12. #12

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 4 )


    من سورة البقرة


    قال تعالى:

    {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
    وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا
    فَأَحْيَاكُمْ

    ثُمَّ يُمِيتُكُمْ
    ثُمَّ يُحْيِيكُمْ
    ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
    }


    سورة البقرة { 28 }



    هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار،

    أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله;

    الذي خلقكم من العدم;

    وأنعم عليكم بأصناف النعم;

    ثم يميتكم عند استكمال آجالكم;

    ويجازيكم في القبور;

    ثم يحييكم بعد البعث والنشور;

    ثم إليه ترجعون; فيجازيكم الجزاء الأوفى،


    فإذا كنتم في تصرفه; وتدبيره; وبره;

    وتحت أوامره الدينية;

    ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي;

    أفيليق بكم أن تكفروا به;

    وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة ؟

    بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه

    وتشكروه وتخافوا عذابه; وترجوا ثوابه.

    الحمد لله رب العالمين

  13. #13

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 5 )

    من سورة البقرة


    { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ
    وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ *


    الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ
    وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *


    يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
    وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ *


    وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا
    وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ

    وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ
    وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }


    سورة البقرة { 45 - 48 }


    أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه،

    وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها،

    والصبر عن معصية الله حتى يتركها,

    والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها،

    فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه

    معونة عظيمة على كل أمر من الأمور,

    ومن يتصبر يصبره الله،


    وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان,

    وتنهى عن الفحشاء والمنكر, يستعان بها على كل أمر من الأمور


    { وَإِنَّهَا } أي: الصلاة { لَكَبِيرَةٌ } أي: شاقة

    { إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } فإنها سهلة عليهم خفيفة؛

    لأن الخشوع, وخشية الله, ورجاء ما عنده

    يوجب له فعلها, منشرحا صدره لترقبه للثواب,
    وخشيته من العقاب،


    بخلاف من لم يكن كذلك, فإنه لا داعي له يدعوه إليها,

    وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه.


    والخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته, وسكونه لله تعالى,

    وانكساره بين يديه, ذلا وافتقارا, وإيمانا به وبلقائه.


    ولهذا قال: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ } أي: يستيقنون

    { أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } فيجازيهم بأعمالهم

    {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }
    فهذا الذي خفف عليهم العبادات
    وأوجب لهم التسلي في المصيبات,


    ونفس عنهم الكربات,
    وزجرهم عن فعل السيئات،


    فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات،


    وأما من لم يؤمن بلقاء ربه,

    كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه.


    ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته,
    وعظا لهم, وتحذيرا وحثا.



    وخوفهم بيوم القيامة الذي { لَا تَجْزِي } فيه،
    أي: لا تُغني


    { نَفْسٌ } ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين

    { عَنْ نَفْسٍ } ولو كانت من العشيرة الأقربين

    { شَيْئًا } لا كبيرا ولا صغيرا
    وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه.


    { وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا }
    أي: النفس, شفاعة لأحد
    بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له,



    ولا يرضى من العمل
    إلا ما أُريد به وجهه،
    وكان على السبيل والسنة،



    { وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي: فداء


    { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه
    لافتدوا به من سوء العذاب }

    ولا يقبل منهم ذلك

    { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي: يدفع عنهم المكروه،


    فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه،


    فقوله: { لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } هذا في تحصيل المنافع،

    { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } هذا في دفع المضار,

    فهذا النفي للأمر المستقل به النافع.


    { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل }

    هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض, كالعدل,

    أو بغيره, كالشفاعة،


    فهذا يوجب للعبد
    أن ينقطع قلبه من التعلق
    بالمخلوقين,

    لعلمه أنهم لا يملكون له
    مثقال ذرة من النفع,


    وأن يعلقه بالله
    الذي يجلب المنافع,
    ويدفع المضار,


    فيعبده وحده لا شريك له
    ويستعينه على عبادته.


    الحمد لله رب العالمين

  14. #14

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 6 )

    من سورة البقرة


    { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
    نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
    كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ *


    وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ
    وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ


    وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا
    يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ



    وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
    وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ
    فَيَتَعَلَّمُون َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ



    وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ

    وَيَتَعَلَّمُون َ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ
    وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ
    مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ


    وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }

    سورة البقرة { 101 - 103 }


    أي: ولما جاءهم هذا الرسول الكريم بالكتاب العظيم
    بالحق الموافق لما معهم،


    وكانوا يزعمون أنهم متمسكون بكتابهم,
    فلما كفروا بهذا الرسول وبما جاء به،


    { نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ }
    الذي أنزل إليهم أي:


    طرحوه رغبة عنه
    { وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ }


    وهذا أبلغ في الإعراض
    كأنهم في فعلهم هذا من الجاهلين
    وهم يعلمون صدقه،
    وحقيّة ما جاء به.



    تبين بهذا أن هذا الفريق من أهل الكتاب
    لم يبق في أيديهم شيء


    حيث لم يؤمنوا بهذا الرسول,
    فصار كفرهم به كفرا بكتابهم
    من حيث لا يشعرون.




    ولما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية

    أن من ترك ما ينفعه، وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفع,

    ابتلي بالاشتغال بما يضره,

    فمن ترك عبادة الرحمن, ابتلي بعبادة الأوثان,

    ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه,

    ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه,

    ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان,

    ومن ترك الذل لربه, ابتلي بالذل للعبيد،

    ومن ترك الحق ابتلي بالباطل.


    كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله

    اتبعوا ما تتلوا الشياطين وتختلق من السحر على ملك سليمان

    حيث أخرجت الشياطين للناس السحر،

    وزعموا أن سليمان عليه السلام
    كان يستعمله وبه حصل له الملك العظيم.


    وهم كذبة في ذلك،
    فلم يستعمله سليمان،

    بل نزهه الصادق في قيله:


    { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } أي: بتعلم السحر, فلم يتعلمه،

    { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } بذلك.


    { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }
    من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم،


    وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين
    الكائنين بأرض بابل من أرض العراق،


    أنزل عليهما السحر امتحانا وابتلاء من الله لعباده
    فيعلمانهم السحر.



    { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى } ينصحاه,

    و { يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ }
    أي: لا تتعلم السحر فإنه كفر،


    فينهيانه عن السحر، ويخبرانه عن مرتبته,

    فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والإضلال،

    ونسبته وترويجه إلى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام،


    وتعليم الملكين امتحانا مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة.


    فهؤلاء اليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين,
    والسحر الذي يعلمه الملكان,


    فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين,

    وكل يصبو إلى ما يناسبه.


    ثم ذكر مفاسد السحر فقال:
    { فَيَتَعَلَّمُون َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ }

    مع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما,
    لأن الله قال في حقهما:


    { وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }

    وفي هذا دليل
    على أن السحر له حقيقة،
    وأنه يضر بإذن الله، أي: بإرادة الله،




    والإذن نوعان:
    إذن قدري،
    وهو المتعلق بمشيئة الله, كما في هذه الآية،


    وإذن شرعي
    كما في قوله تعالى في الآية السابقة:


    { فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ }


    وفي هذه الآية وما أشبهها أن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير،

    فإنها تابعة للقضاء والقدر ليست مستقلة في التأثير,

    ولم يخالف في هذا الأصل من فرق الأمة غير القدرية في أفعال العباد،

    زعموا أنها مستقلة غير تابعة للمشيئة, فأخرجوها عن قدرة الله،

    فخالفوا كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين.

    ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة,
    ليس فيه منفعة
    لا دينية
    ولا دنيوية



    كما يوجد بعض المنافع الدنيوية في بعض المعاصي،

    كما قال تعالى في الخمر والميسر:

    { قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ
    وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }


    فهذا السحر مضرة محضة, فليس له داع أصلا,



    فالمنهيات كلها إما مضرة محضة, أو شرها أكبر من خيرها.

    كما أن المأمورات إما مصلحة محضة أو خيرها أكثر من شرها.




    { وَلَقَدْ عَلِمُوا } أي: اليهود

    { لَمَنِ اشْتَرَاهُ } أي: رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة.

    { مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ } أي: نصيب,

    بل هو موجب للعقوبة, فلم يكن فعلهم إياه جهلا,

    ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة.

    { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
    علما يثمر العمل ما فعلوه.



    الحمد لله رب العالمين

  15. #15

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 7 )

    من سورة البقرة

    { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى

    تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *

    بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ
    وَهُوَ مُحْسِنٌ


    فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ

    وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
    وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
    }


    سورة البقرة { 111 - 112 }

    أي: قال اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا،

    وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى،

    فحكموا لأنفسهم بالجنة وحدهم,

    وهذا مجرد أماني غير مقبولة, إلا بحجة وبرهان,

    فأتوا بها إن كنتم صادقين،

    وهكذا كل من ادعى دعوى, لا بد أن يقيم البرهان على صحة دعواه،

    وإلا فلو قلبت عليه دعواه,

    وادعى مدع عكس ما ادعى بلا برهان لكان لا فرق بينهما،

    فالبرهان هو الذي يصدق الدعاوى أو يكذبها،

    ولما لم يكن بأيديهم برهان, علم كذبهم بتلك الدعوى.


    ثم ذكر تعالى البرهان الجلي العام لكل أحد, فقال:

    { بَلَى } أي: ليس بدعاويكم,

    ولكن { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } أي: أخلص لله أعماله, متوجها إليه بقلبه،

    { وَهُوَ } مع إخلاصه

    { مُحْسِنٌ } في عبادة ربه, بأن عبده بشرعه,

    فأولئك هم أهل الجنة وحدهم.


    { فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } وهو الجنة بما اشتملت عليه من النعيم،

    { وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }

    فحصل لهم المرغوب, ونجوا من المرهوب.

    ويفهم منها أن من ليس كذلك فهو من أهل النار الهالكين،

    فلا نجاة إلا
    لأهل الإخلاص للمعبود,

    والمتابعة للرسول.

    الحمد لله رب العالمين

  16. #16

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 8 )

    من سورة البقرة


    { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ

    فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

    إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }


    سورة البقرة { 115 }


    أي: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ }
    خصهما بالذكر, لأنهما محل الآيات العظيمة,



    فهما مطالع الأنوار ومغاربها،
    فإذا كان مالكا لها, كان مالكا لكل الجهات.



    { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا } وجوهكم من الجهات,
    إذا كان توليكم إياها بأمره,



    إما أن يأمركم باستقبال الكعبة
    بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس,



    أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها,

    فإن القبلة حيثما توجه العبد

    أو تشتبه القبلة فيتحرى الصلاة إليها,
    ثم يتبين له الخطأ,



    أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك،


    فهذه الأمور إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا.

    وبكل حال فما استقبل جهة من الجهات خارجة عن ملك ربه.


    { فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

    فيه إثبات الوجه لله تعالى, على الوجه اللائق به تعالى,

    وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه, وهو - تعالى -

    واسع الفضل والصفات عظيمها,
    عليم بسرائركم ونياتكم.



    فمن سعته وعلمه, وسع لكم الأمر,
    وقبل منكم المأمور,


    فله الحمد والشكر.


    الحمد لله رب العالمين

  17. #17

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 9 )

    من سورة البقرة

    { وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا
    سُبْحَانَهُ
    بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
    كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ *


    بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
    وَإِذَا قَضَى أَمْرًا
    فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }


    سورة البقرة { 116 - 117 }



    { وَقَالُوا } أي: اليهود والنصارى والمشركون, وكل من قال ذلك:

    { اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا } فنسبوه إلى ما لا يليق بجلاله,
    وأساءوا كل الإساءة, وظلموا أنفسهم.

    وهو - تعالى - صابر على ذلك منهم, قد حلم عليهم,
    وعافاهم, ورزقهم مع تنقصهم إياه.


    { سُبْحَانَهُ }

    أي: تنزه وتقدس
    عن كل ما وصفه به المشركون والظالمون

    مما لا يليق بجلاله،


    فسبحان من له الكمال المطلق,
    من جميع الوجوه,

    الذي لا يعتريه نقص
    بوجه من الوجوه.




    ومع رده لقولهم,
    أقام الحجة والبرهان على تنزيهه عن ذلك فقال:


    { بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

    أي: جميعهم ملكه وعبيده,

    يتصرف فيهم تصرف المالك بالمماليك,

    وهم قانتون له مسخرون تحت تدبيره،

    فإذا كانوا كلهم عبيده, مفتقرين إليه,

    وهو غني عنهم,

    فكيف يكون منهم أحد, يكون له ولدا,

    والولد لا بد أن يكون من جنس والده, لأنه جزء منه.

    والله تعالى المالك القاهر,
    وأنتم المملوكون المقهورون,


    وهو الغني وأنتم الفقراء،

    فكيف مع هذا, يكون له ولد؟

    هذا من أبطل الباطل وأسمجه.


    والقنوت نوعان:

    قنوت عام: وهو قنوت الخلق كلهم, تحت تدبير الخالق،

    وخاص: وهو قنوت العبادة.



    فالنوع الأول كما في هذه الآية،

    والنوع الثاني: كما في قوله تعالى: { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ }


    ثم قال:
    { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }



    أي: خالقهما على وجه قد أتقنهما وأحسنهما على غير مثال سبق.


    { وَإِذَا قَضَى أَمْرًا
    فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }


    فلا يستعصي عليه,
    ولا يمتنع منه.



    الحمد لله رب العالمين

  18. #18

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 10 )

    من سورة البقرة


    {
    وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
    لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
    الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }


    سورة البقرة { 163 }


    يخبر تعالى - وهو أصدق القائلين - أنه { إِلَهٌ وَاحِدٌ } أي:

    متوحد منفرد في ذاته, وأسمائه, وصفاته, وأفعاله،

    فليس له شريك في ذاته, ولا سمي له ولا كفو له,

    ولا مثل, ولا نظير, ولا خالق, ولا مدبر غيره،

    فإذا كان كذلك,

    فهو المستحق لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة,

    ولا يشرك به أحد من خلقه,


    لأنه

    { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }

    المتصف بالرحمة العظيمة, التي لا يماثلها رحمة أحد,

    فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي،

    فبرحمته وجدت المخلوقات,

    وبرحمته حصلت لها أنواع الكمالات،

    وبرحمته اندفع عنها كل نقمة،

    وبرحمته عرّف عباده نفسه بصفاته وآلائه,

    وبيَّن لهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم,

    بإرسال الرسل, وإنزال الكتب.


    فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة, فمن الله,

    وأن أحدا من المخلوقين لا ينفع أحدا،

    علم أن الله هو المستحق لجميع أنواع العبادة,

    وأن يفرد بالمحبة والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل,

    وغير ذلك من أنواع الطاعات.


    وأن من أظلم الظلم,
    وأقبح
    القبيح,


    أن يُعدل عن عبادته
    إلى
    عبادة العبيد,


    وأن يُشرك المخلوق من تراب
    برب الأرباب,


    أو يُعبد المخلوق المدبر العاجز
    من جميع الوجوه
    ,


    مع الخالق المدبر القادر القوي،

    الذي قد قهر كل شيء
    ودان له كل شيء
    .




    ففي هذه الآية,

    إثبات وحدانية الباري وإلهيته،



    وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين

    وبيان أصل الدليل على ذلك وهو إثبات رحمته

    التي من آثارها وجود جميع النعم,
    واندفاع [جميع] النقم،



    فهذا دليل إجمالي على وحدانيته تعالى.


    الحمد لله رب العالمين

  19. #19

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد


    ( 11 )

    من سورة البقرة

    ثم ذكر الأدلة التفصيلية
    فقال:



    { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
    وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ

    وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ

    وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ
    فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا

    وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
    وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
    وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ

    لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }


    سورة البقرة { 164 }



    أخبر تعالى أن في هذه المخلوقات العظيمة, آيات أي:

    أدلة على وحدانية الباري وإلهيته،

    وعظيم سلطانه ورحمته وسائر صفاته،

    ولكنها { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

    أي: لمن لهم عقول يعملونها فيما خلقت له،



    فعلى حسب ما منّ الله على عبده من العقل,

    ينتفع بالآيات ويعرفها بعقله وفكره وتدبُّره،


    ففي { خَلْقِ السَّمَاوَاتِ }

    في ارتفاعها واتساعها, وإحكامها, وإتقانها,



    وما جعل الله فيها من الشمس والقمر, والنجوم,
    وتنظيمها لمصالح العباد.




    وفي خلق { الْأَرْضِ } مهادا للخلق,
    يمكنهم القرار عليها والانتفاع بما عليها والاعتبار.



    ما يدل ذلك على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير,

    وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها, وحكمته التي بها أتقنها,

    وأحسنها ونظمها, وعلمه ورحمته التي بها أودع ما أودع,

    من منافع الخلق ومصالحهم, وضروراتهم وحاجاتهم.

    وفي ذلك أبلغ الدليل على كماله,
    واستحقاقه أن يفرد بالعبادة,



    لانفراده بالخلق والتدبير,
    والقيام بشئون عباده



    الحمد لله رب العالمين

  20. #20

    افتراضي ( 11 ) من سورة البقرة

    { و } في { اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ }

    وهو تعاقبهما على الدوام,



    إذا ذهب أحدهما, خلفه الآخر، وفي اختلافهما في الحر, والبرد,

    والتوسط, وفي الطول, والقصر, والتوسط,

    وما ينشأ عن ذلك من الفصول,
    التي بها انتظام مصالح بني آدم وحيواناتهم,



    وجميع ما على وجه الأرض, من أشجار ونوابت،

    كل ذلك بانتظام وتدبير, وتسخير, تنبهر له العقول,

    وتعجز عن إدراكه من الرجال الفحول,

    ما يدل ذلك على قدرة مصرفها, وعلمه وحكمته,

    ورحمته الواسعة, ولطفه الشامل, وتصريفه وتدبيره,

    الذي تفرد به, وعظمته, وعظمة ملكه وسلطانه,

    مما يوجب أن يؤله ويعبد,
    ويفرد بالمحبة والتعظيم,


    والخوف والرجاء,
    وبذل الجهد في محابه ومراضيه.





    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •