02-03-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
وقد كان من آخر الأبحاث الغربية عن العالم الإسلام إحصاء عن علاقة المسلمين بالشريعة ومسألة الحريات، حيث أجرى علماء اجتماع أمريكيون- بعد ثورات الربيع العربي- استطلاعاً لآراء مجموعة كبيرة من النساء والرجال من سبعة بلدان مسلمة، هي: مصر وتونس والعراق ولبنان والسعودية وتركيا وباكستان حول مطالبهم. وأظهر الاستطلاع أن غالبية العينة في البلدان السبعة تريد الشريعة والحريات معًا.


لم يترك الغربيون أمراً من أمور حياتنا إلا ودرسوه وأعدوا فيه الأبحاث والتقارير والاستطلاعات، ولهذا استطاعوا- للأسف الشديد- فَهْم الكثير عنا، ومن ثمَّ كانت لهم السيطرة، فقد ساعدتهم هذه الدراسات على فهم طبيعة المجتمع العربي المسلم، والاستعداد لمواجهته والتعامل معه.
وهذا الدور هو امتداد للدور الاستشراقي القديم، فبالرغم من انتهاء المدرسة الاستشراقية القديمة بشكلها التقليدي، بالرغم من ذلك إلا أن مراكز الأبحاث في أمريكا وأوروبا ودول الغرب عموماً واصلت الطريق ذاته، ولم تتوقف عن مراقبة العالم الإسلامي يوماً من الأيام، وإعداد الدراسات والتقارير عنه.
وقد كان من آخر الأبحاث الغربية عن العالم الإسلام إحصاء عن علاقة المسلمين بالشريعة ومسألة الحريات، حيث أجرى علماء اجتماع أمريكيون- بعد ثورات الربيع العربي- استطلاعاً لآراء مجموعة كبيرة من النساء والرجال من سبعة بلدان مسلمة، هي: مصر وتونس والعراق ولبنان والسعودية وتركيا وباكستان حول مطالبهم. وأظهر الاستطلاع أن غالبية العينة في البلدان السبعة تريد الشريعة والحريات معًا.
والاستطلاع حوى العديد من علامات الاستفهام، أهمها أن الشريعة تعادى الحريات (الديمقراطية بالمفهوم الغربي) فكيف يطلبهما المسلمون معا؟
فبحسب كلام للباحث إبراهيم موسى من جامعة ديوك Duke، في حديث لوكالة إخبارية أمريكية متخصصة بالشأن الديني Religion News Service أن "الغربيون ينظرون إلى الشريعة الإسلامية على أنها شكل قاس من أشكال القانون الجنائي".
وهذه هي الإشكالية التي لم يفهمها كثير من الغربيين حتى هذه اللحظة، فالشعوب العربية تتوق إلى الحريات، لكنها في ذات الوقت ترى أنه لا سبيل إلى التطبيق الكامل لمبدأ الحرية، ونيل الإنسان لكامل حقوقه إلا في ظل تطبيق كامل للشريعة الإسلامية، وعلى هذا الأساس تُناضل هذه الشعوب من أجل مبدأ الشريعة، فهو مبدأ مقدم عندهم على مبدأ الحرية.
وهذا الرؤية هي ما ذهب إليها الباحث إبراهيم موسى حيث رأي أنه في مقابل نظرة الغربيين السلبية للشريعة الإسلامية "في المقابل يرى العديد من المسلمين أن الشريعة توفر المساواة والعدالة".
يؤكد الأمر نتائج أظهرها بحث مركز الأبحاث الأمريكي "بيو"، وبحث جامعة ميتشجن أن "أكثر من ثلاثة أرباع المسلمين يعتبرون أن لغير المسلمين الحق في الحرية الدينية"، وفي الوقت ذاته رأي بحث "بيو" أن الأغلبية في مصر والسعودية وباكستان وأقليات كبيرة من البلدان الأخرى تجد أن على حكوماتها تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو ما أُعتبر تناقضاً من قِبل الباحثين الأمريكيين!!
من خلال الاستطلاعات السابقة يظهر لنا حرص الغربيين على معرفة توجهات المسلمين، وطرائق تفكيرهم وتناولهم لأمور حياتهم، لكن مع ذلك يتسم هذا الحرص بالقصور في الفهم، فالغربيون اعتادوا في تعاملهم معنا- في الغالب-على التفكير بطريقتهم لا طريقتنا نحن، ومن ثمَّ فغالب نتائجهم البحثية عنَّا تتسم بالقصور والسطحية، لكننا مع ذلك لا نغفل صحة ما توصل إليه هذا الاستطلاع، فشعوبنا رغم طوقها للحرية إلا أن مسألة الشريعة تعد من المسائل المصيرية في حياة هذه الشعوب.