الطريقُ إلى فهم العلوم .. أساتذتُها ..


القراءة المبعثرة .. طريق إلى إضاعة الزمان والعمر في غير طائل ، والعلم تحصيله تمكناً ودراية لا يكون إلا بآلة معرَّفة ، والآلة يصعب فهما وإتقانها منفرداً .. دلَّ على ذلك الوجود !! ووقع التأصيل والتنـزيل ، ومن رأى كتبةَ الحماس المرتجل من شبيبة الابتداء .. وصُحُفية أحلاس المقاهي والنوادي عرفَ صحة ما يقال !! ..


والطريق إلى فهم العلوم ، وضبطها : المدرس والعالم والشيخ .. وإذا أراد الله بالطالب خيراً يسر له عالماً متمكناً وناصحاً يدله على طريق التحصيل والتأصيل من بابه المتبع ..


والتقليد : يكون مذموماً عند التسليم المطلق للغير دون دراية حجته وبرهانه ، فذاك هو المذموم في الشرع والعقل ..


والأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين ، والتلقي عن المشايخ ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب ، وهذا هو المنهاج الصحيح الذي سار عليه السابقون من أهل العلم في تحصيلهم وطلبهم للعلم ..


ومن جميل الحكم المقررة : قولهم : < من دخل في العلم وحده خرج وحده > أي من دخل في طلب العلم بلا شيخ خرج منه بلا علم ، إذ العلم صَنعةٌ ،وكل صنعة تحتاج إلى صانع ، فلا بد إذاً لتعلمها من معلمها الحاذق .


قال الزبيدي - رحمه الله - في شرح الإحياء : ( وقد أجمع العلماء على فضل التعليم والتعلم من أفواه الشيوخ إلا ما كان من علي بن رضوان الطبيب المصري ، فإنه صنف كتاباً في إثبات أن التعلم من الكتب أوفق من المعلمين ، وكان رئيس الأطباء للحاكم بمصر ، ولم يكن له معلم في صناعة الطب يُنسب إليه ،وهو كلام لا يعبأ به ،ولا يلتفت إليه .قرأت في الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي : أن ابن بطلان ،وغيره من أهل العصر ، ومن بعدهم قد ردوا عليه هذا القول ،وبينوه وشرحوه ،وذكروا العلل التي من أجلها صار التعليم من أفواه الرجال أفضل من التعلم من الصحف .


ثم ذكر تلك العلل إلى أن قال: السادسة : يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم ، وهي معدومة عند المعلم ، وهي التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ ،والغلط بزوغان البصر ، وقلة الخبرة بالإعراب ، أو فساد الموجود منه ، وإصلاح الكتاب ،وكتابة ما لا يقرأ ،وقراءة مالا يكتب ، ومذهب صاحب الكتاب ،وسقم النسخ ،ورداءة النقل ، وإدماج القارئ مواضع المقاطع ، وخلط مبادئ التعلم ، وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة ، وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة،كالنورس ،فهذه كلها معوقة عن العلم ،وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم ،وإذا كان الأمر على هذه الصورة ،فالقراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه ،وهو ما أردنا بيانه … قال الصفدي : ولهذا قال العلماء لا تأخذ العلم من صُحفي ، ولا مصحفي ، يعني لا تقرأ القرآن على من قرأ من المصحف ، ولا الحديث وغيره على من أخذ ذلك من الصحف ) .


< والصحفيون > وأصحاب القراءة المطلقة المبعثرة ، الذين لهم قصور في دارية آلة العلم : غالباً ما يشتط بهم الفهم ، ويقعون في المزالق ،لأنهم تلقوا علمهم من الكتاب دون أن يكون هناك من يربيهم عليه ، ويكشف لهم أسراره ، ويجلي لهم عقده ومشكلاته ، ولهذا فإنه كثيراً ما يفهم الصحفي مسائل العلم بفهمه القاصر وينفرد به ، فيشتط به الفهم ، ويمضي على ذلك لا يجد من ينبهه ويوجهه ويربيه ..


فتلقي العلم عن الشيوخ سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن لم ينـزل عليه كتاباً مكتوباً جملة واحدةً ،نزل عليه منجماً ، وتلقاه من مقرئٍ يقرئه ، وهو جبريل عليه السلام، فحتى الرسول عليه الصلاة والسلام جلس مع جبريل ليلقنه القرآن ..


والصحابة – رضي الله عنهم – كذلك لم يتلقوا القرآن والسنن من الصحف ، بل تلقوا ذلك كله من فم النبي صلى الله عليه وسلم .


فإن كتب الله لك - أيها الطالب - : تمكنــًا في العلم وآلته من طريقه المعروف ، فلك أن تقرأ وتحرر وتناظر وصولاً إلى الحجة ، مع تحصيل الإخلاص في القول والعمل .. والله هو الموفق لا رب سواه ..

حسن بن محمد الحملي.