الدرس الأول

مقدمة
الصرف: قواعد يعرف بها تغيير بنية الكلمة لغرض معنوي أو لفظي.
وموضوعه: الاسم المعرب والفعل المتصرف من حيث تغيير بنيتهما.
وفائدته: صون اللسان عن الخطأ في الكلمة، وفهم القرآن والسنة.
الصرف: قواعد - مثل: ( اسم الفاعل من الثلاثي على وزن فاعِل ) نحو: ضَارِب، وكَاتِبَ، ومثل: ( الواو والياءَ إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفا ) نحو: قالَ أصله قَوَلَ، وباعَ أصله بَيَعَ- يعرف بها تغيير بنية الكلمة أي هيئتها، من حالة إلى أخرى، والغرض من هذا التغيير هو الحصول على معنى جديد، أو من أجل أمر لفظي.
فلعلم التصريف وظيفتان:
الأولى: بيان القواعد التي يتمكن بها من تغيير الكلمة من بنية إلى أخرى لأجل الحصول على معنى جديد.
كنقل المصدر إلى الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول واسم الآلة وغيرها.
مثل: تغيير ( ضَرْب ) إلى ضَرَبَ ويَضْرِبُ واضْرِبْ وضَارِب ومَضْرُوب ومِضْرَب.
فطريقة صوغ هذه المشتقات من المصدر هي من مباحث علم الصرف.
ونقصد بالبنية هو: هيئة الكلمة من حيث عدد الأحرف، وترتيبها، وحركاتها المعينة وسكونها، وأصالة الحروف وزيادتها.
فـ ( رَجُلٌ ) مثلا يشاركه ( عَضُدٌ ) في الهيئة وهي فَعُل أي كونهما على ثلاثة أحرف أصلية ليس فيها أي حرف زائد، أولهما مفتوح والثاني مضموم.
وكهيئة ضَرْبٍ تختلف عن هيئة ضَرَبَ وتختلف عن هيئة يَضْرِب، وهيئة ضَارِب، ومَضْرُوب وهكذا.
وكتغيير الماضي بإضافة أحرف الزيادة عليه مثل: قَطَعَ وانقطعَ وتقطَّعَ واستقطعَ فلكل بنية منها معنى يختلف عن الآخر.
وكذا من التغييرات المعنوية تغيير المفرد إلى التثنية والجمع نحو عامل، عاملان، عاملون، عمال، عاملات.
الثانية: بيان القواعد التي تتعلق بتغيير الكلمة لغرض لفظي.
مثل: تغيير قَوَلَ إلى قَالَ لأن الواو تحركت وانفتحت القاف قبلها فوجب قلب الواو ألفا.
فالمصدر قَوْلٌ إذا أردنا أن نشتق منه الماضي نأتي به على وزن فَعَلَ فنقول: قَوَلَ، وهذا التغيير معنوي لأجل إفادة حدوث القول في الزمن الماضي، ثم قَوَلَ نغيرها إلى قَالَ بحسب القاعدة، وهذا التغيير من قَوَلَ إلى قَالَ لم يكن لأجل الحصول على معنى جديد بل لأجل تخفيف اللفظ وتسهيل النطق به أي أن الغرض لفظي بحت.
ثم إن الصرف أو التصريف كما يطلقه العلماء على قواعد التغيير السابقة، يطلقونه على نفس التغيير والتحويل كتحويل المصدر إلى الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل ونحوه، أي أن الصرف تارة يطلق على نفس القاعدة كقاعدة أن اسم الفاعل من الثلاثي على وزن فاعِل، وتارة يطلق على نفس العمل التطبيقي للقاعدة كتحويل يَضْرِبُ إلى ضَارِب.
فتعريفه باعتبار القواعد يسمى بالمعنى العلمي، وتعريفه باعتبار تطبيق تلك القواعد على الأمثلة يسمى بالمعنى العملي.
وأما موضوع علم الصرف - أي الأمر الذي يبحث عنه في هذا العلم - فهو الأسماء المعربة والأفعال المتصرفة من حيث ما يحدث فيهما من تغييرات لغرض معنوي أو لفظي.
فلا يبحث علم الصرف في الحروف ولا في الأسماء المبنية كهؤلاءِ ولا في الأفعال الجامدة أي التي تلازم حالة واحدة ولا تنتقل من الماضي إلى المضارع والأمر كعسى وليس.
وأما فائدته فهي أولا صون اللسان عن الخطأ في ضبط الكلمة المفردة لأننا سنتعلم في هذا العلم الطريقة الصحيحة لصوغ الكلمات فإذا أردنا مثلا أن نأتي باسم الفاعل والمفعول أو أردنا تثنية الاسم أو جمعه فسنجد القواعد الكفيلة بذلك وبدون هذا العلم سنقع في أخطاء عديدة.
والفائدة الثانية هي الاستعانة بهذا العلم على فهم كلام الله سبحانه وكلام رسوله ؛ لأن الكلمات في الوحيين على صيغة معينة فبدراسة هذا العلم نعرف المقصود بها، فنعرف مثلا أن صيغة أفعل الواردة في الكتاب والسنة ماذا قد يراد بها وكذا صيغة تفاعل وفعّل واستفعل ونحو ذلك.

( شرح النص )
قالَ الشيخُ العلامةُ عبدُ الوهابِ بنُ إبراهيمَ بنِ عبدِ الوهابِ الخَزْرَجِيُّ الزَّنْجَانِيُّ الشَّافِعِيُّ :
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِ الخلقِ محمّدٍ وآلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ.
اِعلمْ أَنَّ التَّصْرِيفَ في اللغةِ التغييرُ، وفي الصِّنَاعةِ تحويلُ الأصلِ الواحدِ إلى أمثلةٍ مختلفةٍ لمعانٍ مقصودةٍ لا تحصلُ إلا بها.
......................... ......................... ......................... ......................... ...................
أقول: هذا المتن معروف باسم العِزِّي نسبة إلى لقب المؤلف وهو عزّ الدين، وبتصريف الزنجاني نسبة إلى بلدِه، وزَنْجان مدينة في إيران.
( بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيّد الخلقِ محمّدٍ وآلِه وأصحابِه أجمعينَ ) افتتح كلامه بذكر الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله - - وآله وصحبه كما هي عادة العلماء، ثم دخل في المقصود فقال: ( اِعلمْ ) أيها المتعلِّم ( أنَّ التَّصْرِيفَ ) أي هذا اللفظ معناه ( في اللغةِ ) أي لغة العرب ( التغييرُ ) والتبديل ومنه قوله : ( وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ) أي تغييرها من جهة إلى أخرى كمن الجنوب إلى الشمال ومن صفة إلى أخرى كمن باردة إلى حارة ( وفي الصِّنَاعةِ ) أي في اصطلاح أهل هذا الفن بالمعنى العملي ( تحويلُ الأصلِ الواحدِ ) أي نقل الأصل الواحد كالمصدر ( إلى أمثلةٍ مختلفةٍ ) أي أبنية وصيغ متعددة كالماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول واسم الزمان واسم المكان واسم الآلة، وكنقل المفرد إلى التثنية والجمع ( لـِ ) أجل حصول ( معانٍ مقصودةٍ ) للمتكلم من هذه الأمثلة ( لا تحصلُ ) تلك المعاني المقصودة ( إلا بها ) أي بتلك الأمثلة المختلفة، كضرْبٍ الذي هو المصدر لو لم تحوله إلى ضَرَبَ لم يفد معنى حدوث الضرب في الزمان الماضي، ولو لم تحوله إلى يضربُ لم يفد معنى حدوث الضرب في زمن الحال أو الاستقبال، وهكذا.
وأما بالمعنى العلمي فهو قواعد يعرف بها تغيير بنية الكلمة لغرض معنوي أو لفظي.