غياب ضبط النفس في نصرة المظلوم ...


ـ إن نصرة المظلوم ليست بالشتائم ، ولا بحرق سيارات الشرطة ، ولا بالسب والاهانة ، ولا بترك الصغار من الطلبة البنين والبنات وتصديرهم للمشهد وتركهم والانتظار ماذا سينتج عن أفعالهم ..... وباختصار إن نصرة المظلوم ليست بالاعتداء ، وإن عودة الحق ليست بالبطش والظلم ، وإن السحر لا يجوز حله وفكه بسحر مثله ....


ـ إن نصرة المظلوم ليست بالاعتداء على الأطفال والنساء وضرب الوجه ورفع الأحذية واستفزاز الأمن والتحريق بالنار والغدر والتمثيل بالشخص ...


ـ إن نصرة المظلوم بتقدم العلماء وتجمعهم واتحادهم وعلو صوتهم وحملهم لأمانة الإرشاد والتبليغ والصدع بالحق ، وإن نصرة المظلوم وأخذ حق المقتول ليست بقتل آخر ، وإن تطهير المؤسسات من الفساد والانحراف ليست بحرقها وإبادتها ... وما الفائدة من إرسال الرسل والأنبياء لأقوامهم إذا كان الحرق والإبادة هو الحل .... !!


ـ إن الله ربما يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وكذا الكافر .... لكننا لسنا فجارا ولا كفارا .... كي نعتدي في نصرة المظلوم .... ولكن الله يفعل ما يشاء ...


ـ إن أشد اللحظات وأخطرها وأصعبها على نفس المؤمن هي طلب الانتصار في الجهاد في سبيل الله .... يجاهد المؤمن ليفتح وينشر الإسلام وينحي المعادي للإسلام الذي يقف بين الإسلام وبين من يشوش عليه ويشوهه..... لكن الله تعالى لم يأمرنا بأي وسيلة مهما كانت للوصول إلى نشر الحق .... بل شرع لنا دينا وأنزل إلينا الآيات لنعمل بها ونكبح جماح الانتقام والتعدي على من أعاقنا وأعاق غيرنا في نشر الإسلام ....


قال تعالى : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (190) ).
ـ قال السعدي: والنهي عن الاعتداء , يشمل أنواع الاعتداء كلها , من قتل من لا يقاتل , من النساء , والمجانين والأطفال , والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى , وقتل الحيوانات , وقطع الأشجار [ ونحوها ], لغير مصلحة تعود للمسلمين . ومن الاعتداء , مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها , فإن ذلك لا يجوز . ا . هـ


والعدوان يكون بتجاوز المحاربين المعتدين إلى غير المحاربين من الآمنين المسالمين الذين لا يشكلون خطرا على الدعوة الإسلامية ولا على الجماعة المسلمة , كالنساء والأطفال والشيوخ والعباد المنقطعين للعبادة من أهل كل ملة ودين . . كما يكون بتجاوز آداب القتال التي شرعها الإسلام , ووضع بها حدا للشناعات التي عرفتها حروب الجاهليات الغابرة والحاضرة على السواء . . تلك الشناعات التي ينفر منها حس الإسلام , وتأباها تقوى الإسلام .
وهذه طائفة من أحاديث الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ووصايا أصحابه , تكشف عن طبيعة هذه الآداب , التي عرفتها البشرية أول مرة على يد الإسلام ـ ثم ذكر الأحاديث وقال : ـ فهذه هي الحرب التي يخوضها الإسلام ; وهذه هي آدابه فيها ; وهذه هي أهدافه منها . . وهي تنبثق من ذلك التوجيه القرآني الجليل . ا . هـ


قال تعالى : ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا۟ ۘ وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَ*ٰنِ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴿2﴾ ).


ـ قال السعدي: أي: لا يحملنكم بغض قوم وعداوتهم واعتداؤهم عليكم، حيث صدوكم عن المسجد، على الاعتداء عليهم، طلبا للاشتفاء منهم، فإن العبد عليه أن يلتزم أمر الله، ويسلك طريق العدل، ولو جُنِي عليه أو ظلم واعتدي عليه، فلا يحل له أن يكذب على من كذب عليه، أو يخون من خانه. ا . هـ


ـ قال سيد قطب : إنها قمة في ضبط النفس ; وفي سماحة القلب . . ولكنها هي القمة التي لا بد أن ترقى إليها الأمة المكلفة من ربها أن تقوم على البشرية لتهديها وترتفع بها إلى هذا الأفق الكريم الوضيء .
إنها تبعة القيادة والقوامة والشهادة على الناس . . التبعة التي لا بد أن ينسى فيها المؤمنون ما يقع على أشخاصهم من الأذى ليقدموا للناس نموذجا من السلوك الذي يحققه الإسلام , ومن التسامي الذي يصنعه الإسلام . وبهذا يؤدون للإسلام شهادة طيبة ; تجذب الناس إليه وتحببهم فيه .
وهو تكليف ضخم ; ولكنه - في صورته هذه - لا يعنت النفس البشرية , ولا يحملها فوق طاقتها . فهو يعترف لها بأن من حقها أن تغضب , ومن حقها أن تكره . ولكن ليس من حقها أن تعتدي في فوره الغضب ودفعة الشنآن . . ثم يجعل تعاون الأمة المؤمنة في البر والتقوى ; لا في الإثم والعدوان ; ويخوفها عقاب الله , ويأمرها بتقواه , لتستعين بهذه المشاعر على الكبت والضبط , وعلى التسامي والتسامح , تقوى لله , وطلبا لرضاه . ا . هـ


قلت ( أبو مسلم خالد ) : من حقنا أن نغضب , ومن حقنا أن نكره . ولكن ليس من حقنا أن نعتدي في فوره الغضب ودفعة الشنآن .